ليست مصر بالتحديد هي المشكلة ولكن الكوكب كله الذي نعيش فيه ولكن تختلف الدرجات.
لماذا أتحدث عن مصر تحديداً؟ لأنها البقعة «مشيها بقعة» التي أنجبت فيها بنتاً ولا أنوي الرحيل..
بدأ قلقي فعلياً منذ اليوم الذي عرفت فيه أني حامل في بنت وليس ولداً، استدعيت كل الموروثات الشعبية وتذكرت «يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات» أنا التي كنت أعتبر هذا المثل سبة وأن تفضيل إنجاب الذكر هو عين التخلف وجدت نفسي أقول «ياختيييي هعمل إيه هحميها إزاي من البلاوي اللي عايشين فيها؟».
لماذا الهم للممات؟ لأن حياة أي أنثى في هذه «البقعة» في مجملها حرب وفي تفصيلها معارك يومية فلماذا أنجب لهذا العالم كائناً جميلاً صغيرا أحول حياته لجحيم كامل لأن جنسه يعامل معاملة ظالمة. وإذا ربيتها بشكل مختلف عن السائد والعام –وهذا ما أنوي فعله– سينظر لها أغلب المجتمع نفس النظرة التي سينظرونها لكائن من كوكب المريخ «يمص قصب»في قلب ميدان التحرير!
دعونا نتفق أنه بشكل عام الجميع مقهورون في البقعة بشكل ما أو بآخر، ولكن هناك قهر اختصت به البقعة الإناث فقط بدءاً من اليوم الأول للوجود حينما تهمس إحداهن «عقبال الولد». لماذا عقبال الولد؟ من باب التنويع؟ نحن لا نشتري فاكهة بالمناسبة. مرورا ب «ماتلبسيهاش عريان .. ماتضمنيش الناس» ورغم أن عقلي يرفض فكرة أن الكائن الذي لا يتعدى عمره بضعة شهور قد ينظر إليه باعتباره أنثى مغرية إلا أن الصدمة أنه بالفعل يوجد مجرمون متحرشون ومغتصبون يتعدون حدود العقل في إجرامهم يفكرون بانتهاك أطفال! وبدلاً من أن يفكر بعض الأهالي في حماية أطفالهم، بالاهتمام والرعاية وبذل الوقت والمجهود، يقررون أن تغطية الطفلة هو الحل الأسهل معتقدين أن هذا حل للمشكلة ومتجاهلين أن المجرم لن يفرق معه حقيقة، ماذا تلبس الطفلة؟!
تكبر الطفلة وفي كثير من الأحيان يقرر الأهل ختانها، معرضينها لواحدة من أبشع وأعنف الممارسات التي تحفر في الذاكرة ولا ينمحي أثرها بسهولة –إن انمحى- ويبدأ الأهل بانتقاد أي وكل تصرف تفعله يبدو فيه بوادر قوة شخصية أو ميول للنقاش أو حتى الرفض كأي طفل طبيعي، ويختارون أن يكسروا إرادة الطفلة من مبدأ «اكسر لها ضلع» فتربى على الطاعة التي يحسبها أهلها محمودة، حتى وإن استلزمت هذه الطاعة أن «تتمسى البنت بعلقة وتصطبح بعلقة»، البنت مطيعة وتسمع الكلام مهما كان الكلام ومهما كان رأيها في هذا الكلام، بدعوى أنها طفلة لا تفهم ولا تعرف مصلحتها، بدلا من نقاشها وسماع ما لديها. يمارس ضدها كل أنواع التمييز لصالح الذكر فكما هو معلوم في هذه البقعة كون الإنسان ذكراً، يعطيه مميزات كثيرة ولا يجوز مقارنته أبداً بالأنثى.
يصبح حتى خروجها من بيتها لتذهب إلى المدرسة أو الجامعة أو عملها أو للتنزه أو حتى لتحضر خضار مخاطرة تحمد الله لو لم تنته بكارثة، فكل خطوة تخطوها لا تخلو من مضايقات وسخافات وتحرش لفظي وجنسي لو كانت محظوظة ولم يصل الأمر لاغتصاب. لا نحتاج أن نؤكد أن الغالبية العظمى من المجتمع سيحملها هي نتيجة أي مصيبة تتعرض لها لأنه من الأساس «إيه اللي وداها هناك» حتى لو كان هذا الـ«هناك» هو الشارع العام، في كبد النهار كما نعلم جميعاً، حتى لو قررت المكوث في بيتها لتشاهد البرامج تجد عمرو أديب كمثال يقول إن وظيفة المرأة في الحياة هي أن «تشيل لراجلها البنطلون» وأن وظيفة الرجل «إنه يحبلها»!
في الزيارات العائلية أو المناسبات السعيدة أو حتى المآتم تجد العشرات يسألونها «مش هنفرح بيكي بقى؟ كبرتي خلاص الحقي نفسك بدل ما تعنسي»، ونظراً لكل ما سبق تكون، هي في الأغلب بدأت تصاب بالتوتر، لأن بنت الخالة وبنت العمة الذين يقاربونها في السن قد سبقنها وتزوجن وبإحساس سبق الخيل تشعر أنها الفرس الخاسر، فتقبل بأول شخص معقول يطرق باب بيتهم، راغباً في الزواج منها، دون أن تفكر في أبسط الأشياء التي من حقها التفكير فيها، مثل هل حقاً هذا الشخص هو من أريد الزواج منه!؟ لا يهم طالما أن الأب قام بكشف الهيئة ووجد أن الشاب كامل من مجاميعه وهيستت بنته ويهنيها أو في أحيان أخرى هيشيل الزوج همها ويرتاح الأب.
تدور الحياة وتتحول هي الأخرى لنموذج مطابق لوالدتها فتنجب بنتا وتربيها كما رباها أهلها وتشاهد في الأخبار زواج أمل علم الدين من جورج كلوني فتمط شفتيها بامتعاض وتقول «جاتنا نيلة في حظنا الهباب». وتستمر الدائرة اللانهائية، في إنتاج المزيد والمزيد من هذه النماذج المقهورة. لا أعمم، ولكن الكثير من الإناث في مصر مررن بواحدة -على الأقل- أو أكثر أو كل التجارب المذكورة أعلاه، وربما بأشياء أخرى لم أذكرها.
وبالتأكيد يوجد الآلاف من النساء الرافضات للانسياق والاستسلام لهذه المنظومة الظالمة، والمدهش أن الكثيرات منهن يعشن في ظروف شديدة التعاسة في مجتمعات لا يملكن فيها رفاهية الاعتراض، التي قد تتاح لسكان العاصمة والمدن الكبيرة وتجدهن يحاربن من أجل إكمال تعليمهن ويرفضن أن يتزوجن وهن صغيرات بمجرد البلوغ، يقاتلن فعلاً ليكتسبوا أشياء يعتبرها أغلبنا مسلمات وبديهيات، محاربات بحق. ربما أنا وغيري أوفر حظاً منهن ولكن تجاربهن تلهمنا وتجعلنا مصرات على إكمال مسيرة المطالبة بالعدل والمساواة وعدم التمييز بين الجنسين ورفض كل أشكال العنف الممارس ضد الإناث.
رحم الله الشاب أحمد فايد ذو 17 عاما الذي فقد حياته دفاعاً عن مجموعة فتيات تعرضن للتحرش وشكراً لهذه الأم التي ربت شاباً على رفض الإجرام الذي اعتبره الكثير من الذكور حقا مكتسبا لدرجة أنهم على استعداد لأن يقتلوا من يحاول حرمانهم منه.
واقرأ أيضا:
المرأة والرجل على الميزان / عندما يصبح الرجل أنانياً / الرياء وسيلة دفاع المرأة أمام الرجل!! / شكلها مش عاجبني / أنا بقى بتاعة حقوق المرأة / خليك ذكر