وإن أبدت الولايات المتحدة بعضاً من الفتور أمام إسرائيل، بسبب أولاً: العداء المتخفي والظاهر بين الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" الذي أوصل علاقاتهما إلى الحضيض، لعدم تقبل كل منهما الآخر، بناءً على مواقف عرقيّة وشخصيّة أخرى، وثانياً: بسبب تباينات سياسية متبادلة، فقد كره "نتانياهو" أفكار وتوجهات "أوباما" التي بدت سلمية أكثر وخاصةً بالنسبة للقضيتين الصّعبتين، الفلسطينية والنوويّة الإيرانيّة، وكره الأخير افتعالات "نتانياهو" التي قصد بها مواجهة كل ما هو إيجابي باتجاههما، فإن إسرائيل عموماً، تلقّت منذ الآونة الأخيرة، علاوة على المنح المعنوية، هديتين ماديتين ثمينتين من الحليفة الأقوى، واللتين تمثلتا بفوز الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وإسقاط وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هاغيل" وجلب "آش كارتر" بدلاً عنه، والذي اعتُبر أكثر عصبيّةً لها، حيث يرى أن حماية الولايات المتحدة، تكمن في تأمين إسرائيل، باعتبارها رجل الأمن الأول بالنسبة لبلاده، إضافةً إلى تماهيه مع النوايا والأفكار الإسرائيلية بشأن القضيتين الفلسطينية والإيرانيّة.
شطب "هاغيل" من القائمة الأمريكية، كان تبِع مكاسب جيّدة ومتتالية، بدت أحب إلى إسرائيل من أي شيء آخر، والتي أثمر بها الكونجرس - بصوت واحد- بشأن دعمه الكامل وغير المشروط لإسرائيل، حيث شمّر بدايةً لمحو النبرة الانتقادية لها، وتحفّز بنشاط نحو إحباط خطوات "أوباما" في توجهاته الرخوة نحو الفلسطينيين والإيرانيين على حدٍ سواء، وكان له أن أفقد الأمل الفلسطيني في شأن تقدمهم باتجاه مجلس الأمن الدولي، في أعقاب شعورهم باشتداد المعارضة الأمريكية في حال مواصلة الاندفاع نحو خطوة كهذه، وظهرت قوّته أيضاً، عندما حال دون إبرام اتفاق مع إيران بالنسبة لملفّها النوويّ، وتوّج دعمه الأوسع إسرائيل، باستصدار جملة من القوانين، التي تصنّفها شريكاً استراتيجيّاً كبيراً للولايات المتحدة، والخاصة بتعزيز علاقات البلدين على نحوٍ متقدّم وأكثر من أي وقت مضى، وخاصةً في مجالات الدفاع والأمن، حيث تم تشريع الحفاظ، على أن تظل إسرائيل هي الأقوى والمتفوّقة عسكرياً، من كافة القوى المعادية لها في المنطقة، إضافةً إلى تعزيز الشراكة في مجالات التجارة والتعليم والزراعة والأمن والطاقة والأبحاث وغيرها، وفي حالة تعتبر أكثر حساسية لدى الأمريكيين، فقد شرّع الكونغرس بإضافة إسرائيل إلى نادي الدول الثمانية والثلاثين، التي لا يتطلب رعاياها الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، حتى في ظل استمرار معاملاتها العنصرية للمواطنين الأميركيين من أصول مسلمة وعربية، وحسب التشريعات فإنه يتعيّن على الحكومة الأمريكية، المبادلة مع إسرائيل بصورة أكثر انتظاماً، وبقدرٍ أعلى من السيولة، علاوة على أنها سوف لا تُعطي "أوباما" فرصة التمادي في خطواته باتجاه القضية النووية الإيرانية، أو بشأن تشديد المعارضة والتي تتجاوز بيانات الإدانة للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
لسوء الحظ، غطّت التشريعات كل ما شاب العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، من توترات وخلافات، وخذلت بالتالي المراهنين على التغييرات الأمريكيّة، باتجاه القضايا الدولية والفلسطينية بشكلٍ خاص، بعد أن تغلغل البعض في تبيان مؤشرات تدل على تخلّي واشنطن عن إسرائيل، بما يتوافق مع مصالحها، فبعد هذه الموجة الدافئة، فإن الخطوات الفلسطينية لن تبدو مجدية أمام الكونغرس بسبب موالاته الصارخة لإسرائيل، كما لن تكون ذات قيمة أمام "أوباما"، بسبب أنه أصبح عاجزاً عن السعي بتعزيزها، أو حتى عن الإدلاء برأيه بشأنها، وستذهب هدراً كل ليونة أبداها الرئيس الفلسطيني"أبومازن"، بشأن العودة إلى المفاوضات، وبالتأكيد لن تكون هناك أيّة تعاونات مع حكومة الوحدة الفلسطينيّة التي سبق وتعاونت واشنطن معها، برغم علمها أنها تضم أعضاءً من حركة حماس المقيّدة لديها على كشوف الحركات الإرهابية.
"نتانياهو" ولا شك غمره السرور، نتيجةً لتلك التحولات الأمريكية، لكن ما جعل السرور ساخناً بدرجةٍ أعلى، هو ما آلت إليه أمور حكومته، والتي كان سعيداً وحزيناً بمقادير متساوية بسقوطها، كونه وبناء على استطلاعات محليّة، يعلم بأنه سيتمكن من تشكيل الحكومة القادمة، وتُداخله الشكوك المؤلمة حقّاً من الناحية الأخرى، بأنّه ليس بمفرده الذي يتربع على القمّة اليمينيّة في إسرائيل، وأن هناك مُرادفين له في السياسة، ومن هم يتفوقون عليه ولاءً للمصالح الإسرائيليّة، الأمر الذي يُلزمه النوم مع كابوس حتى في ساعات النهار.
وعلى أيّة حال، فإنه لا يجدر بنا، بناءً على ما ورد أعلاه، الالتفات إلى المشهد الإسرائيلي المؤلم، بقدر الالتفات للتحولات الأمريكية المُشاهدة وحتى هذه الأثناء، سيما وأن اللغة التي تتقنها إسرائيل ضد القضية الفلسطينية بخاصة، هي بفعل البيئة السياسية الأمريكية الحاضنة لها، تتكيّف معها وتمارس التمويه كما تشاء بكنفِها. لذا فإن من العسير علينا وخلال الوقت المنظور على الأقل، أن نتوقع مواقف أمريكية، إيجابية بشأن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل انهيار عملية السلام، وبناءً على نشاطات حركة حماس، الملتزمة بموجب ميثاقها بمحو إسرائيل.
واقرأ أيضا:
أضرار دُرزيّة !/ عام المتدينين، عام السعادة/ عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل!/ القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!/ القدس تعود إلى مدينة داوود!/ خطط إسرائيلية غير قابلة للنجاح!