كان من الاسباب الرئيسة، لاتخاذ حركة حماس قرارها بشأن توجهها إلى المملكة السعودية، بشأن نسج علاقات جديدة معها، جاء في أعقاب تعثّر المساعي بشأن استرجاع علاقتها مع طهران، التي تباطأت في تقديم علاقات أكبر باتجاهها، بعد انتكاسها منذ أن أبدت الحركة تأييداً للثورة السورية ضد نظام "بشار الأسد"، الحليف الوحيد والجيد في المنطقة، ومن جهةٍ أخرى، هو طمعها في قيام المملكة، بكسر شأفة العداء المصري لها، والذي انتشر باتجاهها وأثّر عليها بشكلٍ عام.
وإن كانت الحركة لم تفِد كثيراً، سواء من الجهة الإيرانية، التي لم تلقِ بالاً ذا شأن لذهاب حماس نحو الأبواب السعودية، بسبب استبعادها عودة العلاقات معها على نحوٍ جدّي، لتباعد سياسات كل منهما باتجاه الأخرى، وبالمقابل فإن السعودية لم تكن منجذبة بجديّة مطلقة أيضاً، بسبب علمها بتعقيدات إيرانية متبادلة، يصعب تجاوزها، إضافةً على انشغالها بأولويات داخلية وخارجية أخرى.
وإن كان ما سبق يعتبر شيئاً اعتيادياً، لكن الذي لم يكن كذلك، هو مسارعة حماس نحو تأييد حملة (عاصفة الحزم) التي تقودها السعودية، وإعلانها صراحةً عن دعم الشرعية اليمنيّة إلى الدرجة التي تبدي فيها رغبتها من المساهمة ببعض عناصرها للالتحاق بها ضمن القوة العربية المشتركة، التي تم التوافق على تشكيلها خلال القمّة العربية الأخيرة.
هذه الاندفاعة المؤيّدة للسلوك السعودي لم تُولد هكذا، بل كانت نتيجةً لحصولها على نقطة ضعف قاهرة، تمثلت بشعورها المتلاحق، بأنها سوف تكون على البند التالي، بعد انتهاء حملة "الحزم" ضد الحوثيين، وإن ليس بوسيلة الحرب، فبوسائل الضغوطات عليها– الاشتراطات بمعنى أوضح- بشأن عملية المصالحة كمرحلةٍ أولى، سيما وأن الرئيس الفلسطيني "أبومازن" شكى صراحةً أمام القمّة، بأن يتم تفعيل القوة المشتركة باتجاه قضايا بلدان أخرى، تُعاني من الانقسامات الداخلية، مثل سوريا والعراق وفلسطين وليبيا والصومال.
وبرغم رد حماس، من أن هذه التصريحات تحمل خطراً، وكان لا بد من عاصفة عربية ضد ثلاث عواصف إسرائيلية، بمشاركة وتشجيع البعض، فإنه لا يغيب علينا، بأن الحركة تقول ذلك عن خشية واقعة، سيما وأنها أصبحت من غير سند يُعتد به، ولا قوّة متجدّدة كما يرام، وفي ظل احتسابها لدى المجتمع الدولي بانها منظمة (إرهابية)، وعدّها لدى أغلبية الدول العربية بأنها حركة انقلابية، بناءً على سيطرتها عنوة على قطاع غزة، ومحاولتها تكرار تجربتها على الضفة الغربية أيضاً.
منذ الماضي شهدنا الحركة على حيرة دائمة من أمرها، إلى درجة اضطرارنا، لأن نجد لها العذر الكبير، بسبب معاناتها في ظل ظروف سياسية جافّة، وتقلبات عسكرية مؤلمة، والتي عصفت بالعالم العربي وخاصة دول الربيع، إذ كان جُل نتائجها تصُب ضد ما تشتهي، إلى جانب مُعاناتها بشأن جفاف مصادرها التمويليّة، والتي طغت وبشكلٍ قارس، حتى على صعيد مواجهة مشكلاتها اليوميّة مع القطاع المُحاصر أساساً، وفي ظل خياراتها القليلة، باتجاه رغبتها في الحرص على المحافظة على الطريقين معاً وهما:
طريق المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإيرانيّة، وطريق الاعتدال الذي تقوده العربية السعودية، مع يقينها بأن ذلك الحرص لم يكن نافعاً في الماضي، ولن يُجدِ بشيء في الحاضر أو في المستقبل، لا بالنسبة لإيران ولا بالنسبة للسعودية، بسبب أنهما تريدان ولاءً واضحاً ومواقف محددة.
ونذكر، أن أول ما ألبسها تلك الحيرة، هو عندما ارتبطت مع موقف الإخوان المسلمين، الذين فازوا لتوّهم بحكم مصر، والذين سارعوا إلى تأييد الثورة السورية، ضد نظام "بشار الأسد"، الأمر الذي ترتب عليه مغادرة دمشق، وبنزول القطيعة مع إيران، التي مثّلت السند التاريخي المادي والمعنوي للحركة بخاصة، وكان عليها الانتقال إلى دولة قطر، برغم أنها تعتبر المكان غير المكفول ولا المضمون بالنسبة لها. وعلى أي حال، وكما يوضح الشكل العام أمامنا الآن، فإن حماس ستتبع المحور المعتدل، بمبرر أنه المكان الطبيعي لها، وإن كان يلزمها دفع الأثمان المطلوبة.
واقرأ أيضا:
مسار السلام المسدود !/ إسرائيل – حماس: في مسار مواجهة محتومة !/ وحشية أوباما السوداء!