منذ شهور عديدة وأنا أرفض دعوات للمشاركة في أي برنامج تليفزيزني له علاقة بالأمور السياسية وذلك بسبب حالة الاستقطاب السائدة وتدني مستوى الحوار والحساسية الزائدة لدى الناس وانخفاض سقف الحرية في هذه الفترة وبسبب المحاذير الكثيرة التي تقيد الحديث فتجعلني لا أستطيع أن أعبر عما أريده، وبسبب أحادية الخطاب الإعلامي وتوجهه نحو الترويج والحشد والتجييش والتحريض.
ولكني فوجئت اليوم 27/4/2015م بدعوة للمشاركة في برنامج الأخ العزيز الإعلامي خالد صلاح على قناة النهار حول موضوع "الاستبدادية في الشخصية المصرية"، وفرحت جدا بالعنوان (خاصة أن لي كتابا ودراسات عديدة عن الشخصية المصرية)، وشعرت أن ثمة حالة إفاقة تعود للإعلام المصري، خاصة حين أبلغني معد البرنامج الأستاذ علام بالمحاور التي سيدور حولها الحديث وهي كالتالي:
٠ لماذا يتحدث النخبة والإعلاميون عن الاستبداد والإقصاء ثم أصبحوا يمارسونه؟
٠ ما هي مظاهر الاستبداد والإقصاء في الإعلام المصري؟
٠ مراحل النخبة مع الإقصاء من الحزب الوطني حتى السيسي
٠ هل بناء حياة سياسية سليمة ممكن في ظل حالات الإقصاء؟
وفسرت حالة الإفاقة هذه بما حدث في الشهور الماضية من عزوف الناس عن البرامج الحوارية في القنوات المصرية حيث تبث حوارا أحاديا نخبويا باهتا أو سلطويا حادا (يدعى إليه الخبراء الأمنيون والاستراتيجيون على وجه التحديد)، وأعجبتني محاور هذا البرنامج الجاد والمحايد، وتوقعت أن ندخل في أعماق السلوك الاستبدادي لدى الشخصية المصرية على مر العصور، ونستعرض مظاهر الاستبداد والإقصاء والنبذ والتخوين والتحريض في الإعلام المصري، وعن كيفية الخروج من هذه الحالة الإعلامية التي أحدثت شروخا في البناء المجتمعي وجعلت قطاعات كبيرة من الشباب تعيش حالة من الاغتراب والسلبية والإحباط والانسحاب. بصراحة أحسست وكأننا على أعتاب تغير إعلامي إيجابي يتوجه نحو الموضوعية والمهنية والواقعية، ويسعى نحو قبول الرأي والرأي الآخر، وإنعاش فكرة التعددية السياسية والقبول الاجتماعي، وأن يكون هذا البرنامج درسا عمليا في الديموقراطية الحقيقية.
بدأ البرنامج في الساعة الثامنة مساءا والمفترض أنه ينتهي في التاسعة والنصف، وظل الأستاذ خالد صلاح يتحدث وحده بلا انقطاع لمدة ساعة وربع ثم بدأت فقرة إعلانية ودعيت لدخول الاستوديو، واعتذر لي الأستاذ خالد بأدب جم عن أنه لم يتبق في البرنامج إلا خمس دقائق وعلينا أن نوجز فيها تحليل هذا الموضوع الهام، وفعلا بدأت الحديث عن الاستبداد الإعلامي وعن ظاهرة المذيع النجم التي ينفرد بها الإعلام المصري حيث يحتكر المذيع الكاميرا والميكروفون لفترات طويلة بدون ضيوف (فهو يعرف كل شيء ولا يحتاج لضيوف)، وإذا حدث ودعا ضيوفا فإنه يمنحهم دقائق قليلة يوجزون فيها القول ثم يقفل الباب على إصبعهم!!!.
والسؤال الآن: ما هو العنوان المناسب لهذا البرنامج؟
واقرأ أيضًا:
العريفي يعرفنا بمصر التي لانعرفها/ أنـا السيسي/ مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد! / الدم الرخيص