الإعلام الإباحي أو الخلاعي ليس بظاهرة جديدة ولم يتم اختراعه في العصر الحديث كما يتصور البعض وليست هناك حضارة في التاريخ لا تجد فيها مثل هذا الإعلام. ولكن توفر هذا الإعلام أصبح في متناول الجميع هذه الأيام وظهر مصطلح جديد في عالم الثقافة وهو الجنس السيبري Cybersex. بما أن هذا المصطلح أصبح كثير الاستعمال في النشرات العلمية فمن الأفضل استعماله بصيغته اللاتينية جنس سيبري بدلا من مصطلح الجنس الإلكتروني أو المواقع الإباحية أو الخلاعية كما نستعمل مصطلح الكمبيوتر بدلا من الحاسوب حيث يفهم الجميع الأول منهم.
اللجوء إلى الجنس السيبري يصعب إحصائه في المجتمع. هناك بعض الدراسات الميدانية التي تشير إلى أن ثلاثة أرباع الرجال وأكثر من ثلث النساء تعمدوا مشاهدة أو تحميل مقاطع سايبرسكس عبر الإنترنت. ولكن هذه الأرقام تشير أيضا إلى أن الغالبية العظمى من الناس لا يصيبها أي ضرر من جراء الجنس السيبري ولكن هناك أقلية من الذكور خاصة يتطور أمرهم ولا يستطيعون الحصول على إثارة جنسية دون اللجوء إلى الإنترنت وهي كما نعرف متوفرة بكثرة. هذه الأيام يتم استعمال مصطلح الإدمان على الجنس السيبري على الأقلية الأخيرة.
آلية الإدمان
النظرية العامة التي تفسر اعتقال مواقع الجنس السيبري للمجموعة الأخيرة لا تختلف عن إدمان الإنسان لسوك ما أو تعاطي مادة كيميائية. الناقل الكيمائي العصبي في دماغ الإنسان الذي يتحكم في آلية السلوك هو الدوبامين.
يتوفر الدوبامين بكثرة في المادة السوداء Substantia Nigra ويتنقل عبر عدة مناطق منها الحصين Hippocampus الذي يتحكم بالذكريات والنواة المتكئة Nucleus Accumbens التي تلعب دورها في سلوك الإدمان. في النهاية يصل الدوبامين من خلال العديد من الطرق إلى الفص الأمامي أو الجبهي Frontal Lobe. المنطقة الأخيرة هي تحت سيطرة الإنسان وفي حيز وعيه أما المناطق الأخرى فهي خارج وعيه.
ومن الفعاليات التي يتحكم فيها الفص الجبهي:
٠ الحركة
٠ المواظبة
٠ السلوك القهري
٠ تحفيز المكافأة.
ما توصل إليه العلم بأن آلية الإدمان العضوية هي في مناطق الدماغ الخارجة عن وعيه ولكن في نهاية الأمر سلوك الإدمان وعلاجه ومسؤولية الفرد تقع ضمن وعيه الكامل. بعبارة أخرى لا يعفي القانون أو المجتمع المدمن من سلوك ناتج من إدمانه للحشيش والكحول لأن هذا السلوك في نهاية الأمر تحت سيطرة الإنسان وفي حيز وعيه ولا عذر له إن ارتكب جريمة وهو تحت تأثير مادة كيمائية محظورة أو في حالة سكر. هذه القاعدة لا تطبق على الإنسان المصاب باضطرابات نفسية جسيمة أو صعوبات تعليمية لأن فصه الجبهي تغير تماما بسبب مرض حور وظائف وتركيب مناطقه الدماغية.
هذه القاعدة الأخيرة تفسر أيضا لماذا على الإنسان أن يدرك دور إرادته وتصميمه في العلاج في التخلص من سلوك يضر به اجتماعيا ومهنيا وعائليا ويتوقف عن إسقاط اللوم على الظروف والتنصل من المسؤولية بادعاء إصابته بمرض اسمه الإدمان.
آلية الجنس السيبري
يزور الفرد موقعا إباحيا ويشعر بالإثارة ويؤدي ذلك بدوره إلى زيادة إفراز الدوبامين. من جراء المكافأة التي حصل عليها الإنسان من هذا السلوك يعيد ممارسته المرة بعد الأخرى. ولكن خصوصية المحفز تتلاشى تدريجيا كما تتلاشى خصوصيات جميع المحفزات التي تؤدي إلى شعور الإنسان بالبهجة في البداية وتبدأ عملية أخرى نسميها التعود Habituation تحل محلها. يسترجع الإنسان ذكريات النشوة التي شعر بها والتي تم خزنها في الحصين ويبدأ في البحث عن محفزات أكثر إثارة وبالتالي تصبح المواقع التي يزورها:
1- أكثر عنفا
2- وأكثر انحرافا وتدريجيا ترى البعض منهم ينحدر إلى انحراف من الصعب استيعابه مثل جنس الأطفال الإجرامي. هنا تكمن خطورة الانحراف الناتج عن الجنس السيبري في الشخصيات الهشة.
يحصل كذلك الارتباط بين بين محفزات غير مباشرة بعضها داخلية والأخرى خارجية تشجع الإنسان على ممارسة هذا السلوك1. من المحفزات الخارجية أن يقع نظره على الكمبيوتر في مكان عمله واختلائه في غرفة لوحده أو أن يقع نظره على امرأة ما ذات لون شعر معين أو بشرة بيضاء أو سمراء. أما المحفزات الداخلية التي تشجعه على ممارسة السلوك فمنها الشعور بالوحدة والقلق وعدم السعادة أو مواجهه أزمات وتحديات شخصية.
يبدأ الإنسان بعد ذلك بالابتعاد تدريجيا عن كل ما هو لا يصل إلى عتبة الإثارة التي شعر بها من الجنس السيبري3 ولا يعرف بعد ذلك ما هو طبيعي أصلا. يواجه الفرد صعوبة في ممارسة العمل الجنسي الطبيعي ويفقد الرغبة في العلاقة الجنسية مع شريكته الجنسية أو حتى أي امرأة أخرى.
ينتقل الإنسان إلى مرحلة جديدة من الحياة ويرسم خريطة وهامية Delusional Map للعلاقات العاطفية والجنسية ولا يعرف قراءة هذه الخريطة سواه.
صفات المدمن على الجنس السيبري
لا توجد تعليمات طبية واضحة أو نفسية لتعريف الصفات الشخصية للإنسان المدمن على الجنس السيبري. السلوك أكثر انتشارا في الذكور وقد يظهر في أي مرحلة من مراحل العمر وإن كان أقل انتشارا بعد العقد الخامس من العمر. هناك عتبتان إن تجاوزها الفرد يمكن القول بأنه يعاني من مشكلة شخصية أو نفسية وهما:
1- قضاء 11 ساعة أسبوعيا مع الجنس السيبري.
2- تأثير السلوك على حياته العائلية والاجتماعية والمهنية بصورة سلبية.
أما من الناحية العلمية فإن دماغ الإنسان الذي يمارس الجنس السيبري يتميز بزيادة فعالية المخطط البطني في الدماغ وهي تلك المنطقة التي تتميز بنشاطها في مختلف أنواع الإدمان السريرية2 كما هو موضح في الرسم أدناه.
العلاج
الجنس السيبري هو فخ يقع فيه الإنسان لأسباب بيئية مختلفة منها اجتماعية وعائلية وعاطفية ومهنية. هناك المدرسة التي لا تلبي احتياجاته التعليمية والعائلة التي تضع له هدفا لا يستطيع تحقيقه ومجتمعا يكبت كل مشاعره وغرائزه ولا يوفر له صماما للتنفيس عن ما تم كبته.
ينتبه الإنسان إلى الفخ مع فشله في علاقة عاطفية وتدهور أدائه الاجتماعي والمهني وزيادة عزلته. القواعد العامة التي يستعملها كاتب السطور مشتقة من الكمبيوتر نفسه. هناك ثلاثة مفاتيح يستعملها الجميع وهي: 1- مفتاح الـ CTRL ويعني Control أو السيطرة. 2- مفتاح الـ ALT ويعني Alternative أو البديل. 3- مفتاح DEL ويعني Delete أو الحذف. إذا استمر الإنسان جالسا على الأريكة ويضع هذه المفاتيح خلفه مع احتمال استعمالها يوما ما فلا فائدة في العلاج (الصورة إلى اليمين). أما الإنسان الذي يطلب العون فعليه أن يضغط على المفاتيح سوية وهو الذي يستطيع تجاوز محنته خلال 6 أسابيع(الصورة إلى الأسفل). |
هذه العملية لا تختلف عن ملاحظة توقف الكمبيوتر عن العمل فجأة Pause ولإعادة تشغيله يجب الضغط على المفاتيح الثلاثة أعلاه.
عملية الحذف تتطلب من الإنسان التوقف عن استعمال الكمبيوتر وحذف جميع عناوين المواقع الإباحية من سجلاته. يبدأ كذلك في البحث عن البديل وتوسيع شبكته الاجتماعية وممارسة هوايات رياضية وتطوير نفسه فكريا. الأهم من ذلك أن يحرص على عدم الاختلاط بأصحاب مولعين بهذه الهواية وعدم استعمال الكمبيوتر وهو لوحده في عزلته.
المخطط الأول في المقال يشير الى الفص الجبهي من الدماغ وفعالياته الوظيفية المختلفة. هذا الجزء من الدماغ هو تحت إرادة الإنسان وهو موقع العزيمة والإرادة والتحكم بالذات البشرية. هذا الموقع يتأثر بأفكار الإنسان الذي يحملها وحالته الوجدانية. لذلك يحرص الطبيب النفسي على التحري عن اضطرابات نفسية جسيمة وجدانية كانت أو فصامية ويتم علاجها. أما أفكار الإنسان فهي التي يجب تحويرها وهناك ما يلي:
1- تثقيف الإنسان لنفسه.
2- الوعي الجمعي الإعلامي والتعليمي والعائلي.
3- استعمال العلاج المعرفي السلوكي.
مناقشة عامة
السؤال الذي يطرح نفسه هل الجنس السيبري اضطراب طبي أو مجرد سلوك اجتماعي؟ هل يجب إضافة هذا السلوك إلى قائمة مزدحمة يتم وصفها بالإدمان؟
العثور على تغيرات في فعالية مناطق معينة في الدماغ تصاحب سلوك ما لا يعني ضرورة تطبيب هذا السلوك وإضافته إلى مجلد تشخيص الاضطرابات الطبية النفسية. الدراسات الأخيرة حول زيادة فعالية المخطط البطني كانت لشريحة لم تتجاوز 19 ذكراً تطوعوا للمشاركة في البحث وهذا لا يعني بالضرورة بأنهم يمثلون مجموعة طبيعية من الأفراد الذي يسرفون في الجنس السيبري ولا بد من انتظار دراسات أخرى لشريحة أكبر ومدعومة بالسيطرة التامة على جميع العوامل البيئية والبيولوجية التي قدد تؤثر على نتيجة البحث. كان العلم يتحدث دوما عن الفوارق بين مخ الرجل والمرأة ولكن مجرد ما تم عمل بحث دقيق وكبير تم تفنيد هذه الخرافة إلى الأبد.
هناك بعض المعادين للطب النفسي الذين يفسرون تطبيب Medicalization الجنس السيبري من قبل المهنة بأنه لفوائد مادية وضمان دفع شركات التأمين لعلاج سلوك اجتماعي لا يستحق العلاج أصلا ومن الأفضل التركيز على علاج الاضطرابات النفسية الجسيمة. هذه المقالة لا تخلو من الغلو ولكن قد يتساءل الناس وهل يجوز تطبيب التسوق عبر الإنترنت والاسراف في استعمال ألعاب الفيديو وغير ذلك.
الجنس السيبري هي مشكلة اجتماعية ووطنية وخاصة في العالم العربي والإسلامي. استنادا إلى بعض المواقع فإن كوكل هو محرك البحث الأول عن الجنس السيبري وتتصدر باكستان قائمة البلاد عالميا في زيارة مواقع الجنس السيبري وبعدها مصر في الدرجة الثانية ثم إيران في المرتبة الثالثة. بعد فيتنام والهند وإندونيسيا تحتل السعودية العربية المركز السابع وتليها تركيا ثم بولندا ورومانيا. لا يمكن التحقق من صحة الأرقام كليا ولكن من يتنشر هذه الإحصائيات مواقع متعددة غير معروفه بعدائها للعالم العربي والإسلامي ولكن في نفس الوقت ليس من السهل التحقق من عدم نقل الإحصائيات من موقع إلى لآخر. لا تزال اللغة العربية هي اللغة الثانية عالميا في البحث عن الجنس المثلي عبر الإنترنت.
الجنس السيبري واستغلال الأطفال والمراهقين عبر الإنترنت تحدٍي يواجه جميع المجتمعات والاتحاد الأوربي يناقش هذا الأمر ويسعى إلى استحداث قواعد وإرشادات وقوانين في هذا المجال. أما العالم العربي فيحتاج إلى أكثر من ذلك وعليه أن يبدأ أولا بتعميم الثقافة في جميع المجالات ودراسة تلبية احتياجات الشباب العربي من ذكور وإناث والتوقف عن الاكتفاء بإطلاق المواعظ المتناقضة التي لا فائدة منها.
المصادر:
1- Love T, Laier C, Brand M, Hatch L, Hajela R(2015) Neuroscience of Internet Pornography Addiction: A Review and Update. BehavSci 5(3): 388-433
2- Brand M, , Jan Snagowski J, Christian Laier C Stefan Maderwald S(2016)Ventral striaum activity when watching preferred pornographic pictures is correlated with symptoms of Internet pornography addiction. Neuriimag 129: 224-232
3- Schiebener J, Laier C, Brand M(2015). Getting stuck with pornography? Overuse or neglect of cybersex cues in a multitasking situation is related to symptoms of cybersex addiction. J Behav Addict 4(1): 14-21
واقرأ أيضاً:
منظور طبنفسي لاستعمال الكمبيوتر ومواقع النت2 / إدمان الجنس: الجنس القهري: توطئة وتقديم / الاعتمادية على المواد الجنسية الإباحية / إدمان الجنس
التعليق: من فضلكم هل من الممكن أن أحصل على البحث، أو على نتائج البحث الذي أثبت أنه لا فوارق بين مخ الرجل والمرأة؟
وهل المقصود بعدم الفوارق هنا الناحية التشريحية أم الوظيفية؟