قضية المرأة / قضية الإنسان5
المرأة والتنظيم:
ولكي تحضر المرأة في الواقع بكل تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لابد من انتظامها في إطارات معينة تساهم في تنظيم عطاءاتها، وتستفزها من أجل التأثير في واقع متخلف، تسعى مختلف التنظيمات الجادة إلى تغييره أو العمل على تطويره إلى الأحسن، والتنظيمات التي تدعو الضرورة إلى الانخراط فيها تكون ذات طابع عام سياسي أو نقابي أو جمعوي، حقوقي أو ثقافي أو تربوي، وذات طابع خاص يتعلق بالمرأة أو بخصوصية مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية أو الثقافية فالتنظيمات ذات الطابع العام تساهم فيها إلى جانب الرجل نظرا للهم المشترك الذي يجمع بينهما، والرغبة المشتركة في تغيير واقعهما، وأهم التنظيمات العامة التي تنخرط فيها:
1) المرأة والتنظيم الحزبي: ونظرا لعلاقة قضية المرأة بالجانب السياسي فإننا نجد أن الأحزاب السياسية تهتم بقضية المرأة إلى جانب باقي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ولذلك نجد أن المرأة تنجذب إلى الارتباط بالأحزاب السياسية كمجال للتعبير عن وجودها في الواقع الذي تتحرك فيه تلك الأحزاب. لكن ما هو الحزب السياسي؟ إنه تنظيم يقوم على ثلاثة أسس تتكامل مع بعضها البعض، وإذا افتقد أحدها يفتقد مبرر وجود التنظيم الحزيي:
أ- الأساس الإيديولوجي باعتباره معبرا عن مصالح طبقة معينة تنتظم في ذلك الحزب، وبما أن المجتمع – أي المجتمع – ينقسم إلى مجموعة من الطبقات، فإان الأيديولوجية تتعدد بتعدد تلك الطبقات. فهناك أيديولوجية الإقطاع التي توظف الدين لتكريس هيمنتها، وتأييد سيطرتها على المجتمع وأيديولوجية البورجوازية القائمة على التحديث واستغلال الدين وخاصة في المجتمعات التابعة، وأيديولوجية الطبقات الوسطى التي غالبا ما توفق بين مختلف الأيديولوجيات، ولا تتورع هي بدورها عن توظيف الدين لأغراض سياسية/ حزبية. وأيديولوجية الكادحين التي لا تكون إلا علمية. والمرأة باعتبارها من المجتمع فهي كالرجل تنتمي إلى طبقة من الطبقات الاجتماعية ولذلك فهي تقتنع بإحدى الأيديولوجيات المعبرة عن مصلحتها الطبقية إلا إذا اختارت الاقتناع بأيديولوجية نقيضة.
ب – الأساس التنظيمي المنسجم مع الأيديولوجية لأن الانسجام بينهما يعتبر ضروريا، وإلا فإن أحدهما سيكون منتفيا. فالتنظيم الحزبي الإقطاعي المعبر عن أيديولوجية الإقطاع يجب أن يكون مطبوعا بالخضوع المطلق لكبير الإقطاعيين، زعيم الحزب، والتنظيم البورجوازي يحاول أن يعكس قيم البورجوازية الليبرالية المتجلية في ممارسة شكل من (الديموقراطية) الداخلية التي تجعل كل فرد في الحزب يعتقد أنه سيصل في يوم من الأيام إلى قيادة الحزب، ومن خلاله إلى قيادة السلطة القائمة، وحزب الكادحين ينسجم مع أيديولوجيتهم العلمية التي تقتضي بناء حزب ديموقراطي حقيقي يتساوى في إطاره القيادة والقاعدة، ويخضع فيها الجيمع لمبدأ القيادة الجماعية، وبذلك يكون التنظيم المنسجم مع الأيديولوجية هو التنظيم الحزبي المعبر عن القناعة الأيديولوجية، وعن الانتماء إلى طبقة معينة.
أما تنظيم البورجوازية الصغرى والمتوسطة فهو تنظيم مائع، وبأيديولوجية مائعة، لذلك نجده معرضا باستمرار للاهتزازات التنظيمية. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأحزاب في المجتمعات ذات الأنظمة التابعة تكون مطبوعة بالميوعة نظرا لسيادة عدم الوضوح الأيديولوجي الناتج عن عدم الوضوح الطبقي.
ج- الأساس السياسي المعبر عن الانتماء الطبقي والقناعة الأيديولوجية نظرا لكون الموقف السياسي يجسد مصلحة الطبقة التي يعبر عنها الحزب ويقودها باعتباره إفرازا لها، ولكونها منطلقا للحركة الحزبية في أفق تحقيق تلك المصلحة، وهو الموقف المعتمد في تعبئة الجماهير لتبني موقف معين في محطات معينة وبكل الوسائل بما فيها الإعلام الحزبي.
فالموقف السياسي للحزب الإقطاعي الؤدلج للدين، غالبا ما يسعى إلى تكريس مجتمع محافظ يتسم بالخضوع الشامل لإرادة الإقطاعيين، والموقف السياسي للحزب البورجوازي يسعى إلى جعل تحقيق الحداثة اللبرالية دون تجاوزها إلى أية حداثة أخرى وصولا إلى جعل كل مواطن يعتقد أنه قادر على الوصول إلى امتلاك الثروة، والاصطفاف إلى جانب البورجوازيين، وبالتالي الوصول إلى قيادة السلطة كما يقول منطق البورجوازيين.
وموقف حزب الكادحين لا يهدف إلا إلى تغيير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة التي لا تخدم مصلحتهم باختيارات نقيضة، وتبقى بعد ذلك الكلمة للشعب في اختبار من يشرف على تطبيق الاختبارات الجديدة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وفي إطار ديموقراطية حقيقية من الشعب وإلى الشعب.
وبهذه الأسس الثلاثة يتحدد مفهوم التنظيم الحزبي الذي يستهدف تنظيم الرجل والمرأة على السواء، لكن يبقى ما هو الحزب الذي تجد فيه المرأة التعبير عن مصلحتها كامرأة؟ هل هو الحزب الإقطاعي؟ هل هو الحزب البورجوازي؟ هل هو حزب الكادحين؟ هل هو حزب البورجوازية الصغرى؟
إن المرأة كأي إنسان في المجتمع تنتمي إلى إحدى الطبقات السائدة فيه، فهي إما إقطاعية أو بورجوازية أو كادحة أو بورجوازية صغيرة، وكل طبقة من هذه الطبقات تجد نفسها في الحزب الذي يناسبها.
إلا أن النظرة الدونية للمرأة السائدة في المجتمعات ذات الأنظمة التابعة تجعل المرأة لا تجد نفسها إلا في الحزب الذي يحترم الديموقراطية الداخلية. ويناضل فعلا من أجل ديموقراطية حقيقية من الشعب وإلى الشعب. إلا أن المرأة قد تنخدع بشعارات الأحزاب البورجوازية، وأحزاب البورجوازية الصغرى والمتوسطة. فتصل إلى اليأس، وتنكمش على نفسها، وإما أنها تعيد النظر في انتمائها، فترتبط بحزب يحترم الديموقراطية الداخلية، ويناضل من أجلها.
وتلعب المرأة في حالة انتمائها إلى حزب معين دورا كبيرا في التأثير على جميع القطاعات بسبب طبيعتها التي تسمح لها باقتحام صفوف النساء بالخصوص من أجل إيصال الموقف الحزبي إلى قطاع عريض من المجتمع، وهو ما لم يتمكن الرجل من الوصول إليه بسبب سيادة المحافظة في نسيج المجتمعات ذات الأنظمة التابعة بالخصوص.
وتكون المرأة الحزبية أكثر استيعابا لواقع المرأة من الرجل وتملك أساليب تمرير الخطاب إلى النساء، وتستطيع تعبئتهن وتعبئة جميع أفراد الأسرة في نفس الوقت.
كما أنها بذلك تحرص على كونها لا تختلف عن الرجل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي في ممارستها تنشر الوعي بتلك المساوات بين الرجال والنساء على حد السواء، وتنال النساء قسطا أكبر من ذلك الوعي الذي يستهدف استيعاب طبيعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية التي يجب أن يتساوى فيها الرجال والنساء معا.
والوقوف على الأسباب التي تحول دون التمتع بتلك الحقوق ودون تحقيق المساواة المنشودة. ومن هي الطبقة المستفيدة من الحرمان ومن مختلف الحقوق وانعدام المساواة؟ وماذا يحب عمله لإزالة العوائق المختلفة لجعل جميع الناس يتمتعون بحقوقهم ويتساوون فيما بينهم؟ وكيف يتم القضاء على جميع الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الحاطة من كرامة الإنسان بصفة عامة، ومن كرامة المرأة بصفة خاصة.
والمرأة بذلك تؤسس لتحقيق مطالبها المختلفة عن طريق فرض تلك المطالب في التنظيم الحزبي، ثم البرامج الحزبية حتى تتحول إلى مطالب سياسية تناضل الأحزاب من أجلها إلى أن تتحقق على المستوى القانوني والإجرائي، وتحتل المرأة المكانة التي تليق بها من أجل أن تصبح متمتعة بكافة الحقوق ومساعدة للرجل ومشاركة له في كل شئون الحياة، ومستقلة عنه، تتمتع بكرامتها في اختيار الحياة التي تراها مناسبة لها.
والمرأة بذلك تساهم في النضال من أجل ديموقراطية حقيقية من الشعب وإلى الشعب، ديموقراطية بمضمون اقتصادي واجتماعي وثقافي، ومدني وسياسي. ديموقراطية تضع حدا للأنظمة الاستبدادية التي عانت منها الشعوب كثيرا وأنتجت لنا التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ذلك التخلف الذي كان ومازال وراء دونية المرأة المتفشية في الواقع، والتي تتولد عنها أوصاف تعمق الشعور بها لدى الرجال والنساء على السواء.
والمرأة بذلك تساهم في بناء حزب رائد، يساوي في تنظيمه بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، ويصل إلى قيادته من يضحي إكثر سواء كان رجلا أو امرأة. هذا الحزب الذي لا بد أن يكون ديموقراطيا، ويناضل من أجل الديموقراطية التي تعيد للمرأة ريادتها في الحزب، وفي بناء النظام الاجتماعي على السواء.
2)المرأة والتنظيم النقابي: ونظرا لكون المرأة الشغيلة بصفة عامة. والمرأة العاملة بصفة خاصة كباقي الشغيلة من الرجال تسعى إلى تحسين أوضاعها المادية والمعنوية، وللوصول إلى ذلك لابد من انخراط المرأة في النقابات القائمة أو العمل على تنظيم نقابات جديدة. لأن النقابة هي الإطار الذي تمارس الشغيلة من خلاله العمل النقابي المنظم وفق تصور معين لذلك العمل، وانطلاقا من مبادئ معينة، وصولا إلى جعل النقابة في خدمة الشغيلة.
لكن يبقى السؤال: ما هي النقابة التي تنخرط فيها المرأة الشغيلة؟
إنها النقابة المبدئية التي نجد أعضاءها ومسؤوليها على السواء، يلتزمون بمبادئ العمل النقابي الصحيح التي يمكن حصرها في الجماهيرية والتقدمية، والديموقراطية والاستقلالية والوحدة. وهي مبادئ إذا توفرت كان العمل النقابي جاذبا للشغيلة مهما كان جنسها وملتحما مع النضالات الجماهيرية المختلفة ومؤيدا من قبل الأحزاب التقديمة الحقة، وساعيا إلى اكتساب الشغيلة مكانة بين شرائح الشعب وقائدا لنضالاتها المطلبية الرامية إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
والفرق بين النقابة والحزب السياسي.
أن النقابة لا ينتظم في إطارها إلا شرائح الشغيلة المختلفة، بينما نجد أن الحزب ينتظم في إطاره مجموع أفراد الشعب المقتنعين بأيديولوجية معينة، وتصور تنظيمي معين، وبموقف سياسي معين. والنقابة لا تتجاوز اهدافها تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة في الوقت الذي يسعى فيه الحزب إلى الوصول إلى السلطة، وعلى أساس الأهداف المختلفة نجد اختلاف البرنامج النقابي عن البرنامج الحزبي.
فالبرنامج النقابي ذو بعد تحريضي من أجل انخراط الشغيلة في النضالات الهادفة إلى انتزاع مكاسب معينة تحسن الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة. والبرنامج الحزبي ينقسم إلى برنامج مرحلي يهدف إلى تحريض أفراد المجتمع وتعبئتهم حول ذلك البرنامج الذي يسعى إلى تحقيق تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لمجموع أفراد المجتمع، وقيادتهم في اتجاه تحقيق البرنامج الاستراتيجي الذي يمكن الحزب من الوصول إلى السلطة لتطبيق برنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي.
والعلاقة بين النقابة والحزب هي علاقة الخاص بالعام من جهة. وعلاقة جدلية من جهة أخرى.
فإذا كانت النقابة تسعى إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة، فإن الحزب يسعى – وهذا هو المفروض – إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للمجتمع ككل. وبذلك نجد أن النضال النقابي يعضد النضال الحزبي، والنضال الحزبي يدعم النضال النقابي. وهذا يجسد العلاقة القائمة بين النقابة والحزب بخلاف الذيلية التي تجعل النقابة تابعة للحزب مما ينفي عنها المبادئ التي أشرنا إليها، ويلغي العلاقة الجدلية التي يجب أن تسود بينهما.
وبناء على ما ذكرنا، فإن الشغيلة في عملها اليومي ترتبط بالنقابة، وتسعى إلى إيجاد حلول لمشاكلها المختلفة، وهي التي تنتظر الضوء الأخضر من الحزب بقدر ما تفرض عليه الحضور اليومي في الشارع لتتبع ما يجري في ساحة الشغيلة، وإنقاذ المواقف.
ولكي تقوم النقابة المبدئية بدورها، على العاملين فيها أن يجسدوا المبادئ على أرض الواقع، وأن يعملوا على المحافظة عليها لحماية العمل النقابي من الانحراف. وجعل الشغيلة ترتبط أكثر بالنقابة من أجل الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية.
وعلى هذا الأساس فالنضال النقابي لا يكون إلا من تصور سياسي محدد. والمطالب ليست إلا تعبيرا سياسيا عن الطبقة المستغلة في مقابل الطبقة المستفيدة من الاستغلال، ولذلك فعلاقة النضال النقابي بالنضال السياسي هي أيضا علاقة الخاص بالعام المجسد للصراع القائم في المجتمع.
والمرأة الشغيلة العاملة، والمستخدمة، لا يمكن إلا أن يكون لها دور رائد في حركة الصراع بين المستغلين والمستفيدين من الاستغلال، وهذا الدور الرائد تقتضيه الشروط التالية:
أ- كون المرأة تعاني من الدونية في المجتمع ككل.
ب- كونها غير مساوية للرجل في الأجور وامتيازات العمل.
جـ- كونها مهمشة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي.
د- كون الأعباء الاجتماعية الكبرى تلقى على كاهلها.
هـ- كون خصوصية مطالبها غير واردة في المفاوضات بين النقابات والمالكين لوسائل الإنتاج والحكومات.
ولذلك فدورها سيبقى حاضرا من خلال المطالب الخاصة بها كامرأة عاملة كبقية العمال، وكخصوصية، وكربة بيت وكأم، وهي مطالب تقتضي مراعاة هذه الخصوصيات التي تجعل مساهمة المرأة في تطور عملية الإنتاج تمتد إلى المجتمع، وإلى النسيج الاجتماعي انطلاقا من الأسرة.
فصياغة المطالب النقابية بما ينسجم مع وضعية المرأة والدور الذي تلعبه في تطوير الواقع بكل أبعاده، يعتبر أكبر مساهمة في رفع مكانة المرأة في المجتمع، وفرض احترامها، ووضع حد للدونية التي تعاني منها، ومقدمة لعملية إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
فإعطاء الاعتبار للمرأة على مستوى المطالب يجعل المرأة أكثر حرصا على تطوير النضال النقابي من خلال:
أ- المساهمة في تطوير التنظيم النقابي من خلال الحرص على ديموقراطيته وتقدميته، وجماهيريته، واستقلاليته ووحدويته، لأن الحرص يعني التجديد المستمر للنسيج النقابي واستيعاب المستجدات القائمة في المجتمع والتي لها علاقة بالعمل النقابي، وهو ما يجعل النقابة تجذب المزيد من الشغيلة إليها بسبب ديناميتها، وتطوير مطالبها وعملها على حل مشاكل العمال، وقطعها مع عوامل البيروقراطية والذيلية.
ب- المساهمة الفعلية للمرأة في صباغة البرنامج المطلبي الذي يستهدف تحقيق مطالب الشغيلة بصفة عامة ومطالب المرأة بصفة خاصة، والمساهمة الفعالة في تنفيذ ذلك البرنامج بتعبئة الشغيلة حوله، وتحريك المرأة العاملة بإنجاح المعارك النقابية المختلفة.
والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هو: هل يمكن أن تتقوى النقابية بدون الانخراط الواسع للمرأة العاملة في صفوفها؟ إن ما يمارس لحد الآن، وفي كل الإطارات النقابية: أن انخراط المرأة لا زال ضعيفا، وأن تحملها للمسؤولية لا زال أضعف، وأن تنظيم المرأة العاطلة وربة البيت غير وارد في صفوف النقابات ولذلك فإعادة النظر في مجمل الممارسات النقابية يعتبر أساسيا وضروريا لإتاحة الفرصة لمساهمة المرأة الإيجابية وبشكل مكثف في النضال النقابي مما سيعتبر قوة للنقابة وإضافة جديدة للنضال النقابي.
3) المرأة والعمل الجمعوي: ومساهمة المرأة لا تقتصر على العمل النقابي، بل تمتد إلى المساهمة في العمل الجمعوي الذي يهتم بالقضايا الثقافية والتربوية والتنموية، وهي قضايا ترد فيها تصورات مختلفة، مقاربة أو مناقضة للتصورات الرسمية. لذلك يعتبر إنشاء جمعيات لتصريف التصورات المختلفة للثقافة والتربية والتنمية على صعيد المجتمع حتى لا تبقى رهينة بأفكار أصحابها.
والعمل الجمعوي هو ممارسة يومية من خلال جمعيات ينتظم في إطارها أناس تجمعهم نفس القناعة حول قضية معينة أو مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية من أجل تنظيم تصريف تلك القناعة وبصفة قانونية .
والعمل الجمعوي كالعمل النقابي، لابد أن يقوم على أساس احترام مبادئ الديموقراطية والتقدمية والجماهيرية والاستقلالية، وهي مبادئ تضمن انفتاح الجمعيات على جميع أفراد المجتمع. وتتيح لهم الفرصة من أجل الانتظام في إطارها، والمساهمة في صباغة برامجها، وتنفيذ تلك البرامج الهادفة إلى ترسيخ قناعة معينة تؤدي إلى تغيير الممارسة الاجتماعية تجاه قضية ثقافية أو تربوية أو تنموية.
ويمكن أن تلعب المرأة دورا كبيرا في هذا الاتجاه نظرا لخصوصيتها، ولكونها المستفيدة من أي تغيير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي. ومساهمتها تكون أكثر ريادة في العمل التربوي المهتم بالأطفال واليافعين، والعمل الثقافي الذي يستهدف تغيير المسلكيات المختلفة، وخاصة تلك المتعلقة بتكريس دونية المرأة. أما ما يتعلق بالعمل الجمعوي التنموي فهو لازال يحتل المراتب المتأخرة على مستوى مساهمة المرأة على جميع المستويات.
ونظرا لما أصبح للجمعيات من دور تنموي. فإن على المرأة أن تنخرط في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية، وأن تسعى إلى فرض ديموقراطية الاستفادة من الممارسة التنموية سواء تعلق الأمر بالاستفادة من محو الأمية، أو من المشاريع الصغرى. أو تأطير العمل التنموي. أو الإشراف عليه حتى لا يبقى هذا المجال إطارا لتصريف كل أشكال الممارسة الانتهازية المجهضة للعمل التنموي، والتي قد يقوم أشخاص ينسبون إلى أنفسهم قيادة العمل التنموي من خلال جمعيات تدعي أنها تمارس التنمية، وهي في الواقع لا تمارس إلا عمليات النهب للميزانيات المرصودة لهذا الغرض.
لهذا نجد أن الانخراط بكثافة في الجمعيات المهتمة بمجال التنمية يعتبر شرطا لفرض احترام مبادئ العمل الجمعوي، ولتحقيق جماهيرية التنمية، وتقدميتها، وديموقراطيتها واستقلاليتها، وخاصة إذا تعلق الأمر بالجمعيات العاملة في صفوف النساء.
والمرأة بذلك تلعب دورا كبيرا ورائدا في تطوير الجمعيات باعتبارها مجالا لتصريف القناعات المختلفة، وإطارات لفرض الممارسة الديموقراطية التي يكمن اعتبارها مدخلا لمصادرة الاستبداد المعشش في نسيج المجتمع، والذي يتسرب عن طريقه إلى الإطارات الجماهيرية المختلفة التي تصبح رهينة بيد قادة الجمعيات المختلفة.
لكن هل يقوى العمل الجمعوي بدون مساهمة المرأة؟ إن ما يجري لحد الآن أن العديد من الجمعيات الثقافية والتربوية بالخصوص يستبد بها الرجال دون النساء، وإذا كانت هناك مساهمة نسوية فإنها غالبا ما تكون ضعيفة ومهمشة. وهذا هو السبب الذي يقف وراء ضعف الجمعيات المختلفة، إلا أن بداية ازدهار الحركة النسائية المتقاطعة في أغلبها مع الحركة الحقوقية، تسعى إلى إشعار النساء بدورهن في تنشيط الجمعيات النسائية بصفة خاصة والجمعيات الثقافية والتربوية والتنموية بصفة عامة، ثم بدورهن الأساسي والرائد في تنشيط الحركة الاجتماعية من خلال تحملهن للمسؤوليات في مختلف القطاعات الاجتماعية، وعندما تعي المرأة بذلك الدور فإنها تحول وعيها إلى ممارسة يومية من خلال الإطارات المختلفة التي تساهم في تغيير قيم الاستبداد القائمة إلى قيم جديدة تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
فالجمعيات المختلفة لا تستمر ولا تتطور إلا باحترام المبادئ ولا تقوى إلا بتغلغل الوعي الجمعوي في صفوف النساء والرجال على السواء، ولا تكتسب قيمتها إلا باستئصال جذور الاستبداد من صفوفها.
4) المرأة والعمل الحقوقي: وسعيا إلى تمتع المرأة بحقوقها المهضومة يطرح عليها الانخراط في المنظمات الحقوقية القائمة وبكثافة، والعمل على إنشاء منظمات حقوقية من أجل ممارسة العمل الحقوقي الهادف إلى جعل الناس جميعا يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية والعمل الحقوقي كالعمل النقابي والجمعوي بصفة عامة إلا أنه يختص بالعمل في مجال حقوق الإنسان دون سواه، وهو لا يعمل على تحقيق الأهداف المحددة إلا باحترام المبادئ التي يشترك فيها مع العمل النقابي، والعمل الجمعوي المشار إليها في الفقرات السابقة ويزيد عليها بالكونية والشمولية، لأنه بدون احترام تلك المبادئ تحول حقوق الإنسان إلى شعارات أيدبولوجية صرفة ترفع لتحقيق أهداف حزبية ضيقة.
وضرورة دواعي وجود عمل حقوقي تكمن في:
أ- سيادة الأنظمة الاستبدادية التابعة القائمة على قمع الشعوب ومصادرة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لضمان تأبيد الاستبداد.
ب- سيادة عقلية الاستبداد التي تجعل الحرمان من الحقوق في العلاقات والمعاملات هو القاعدة وأن احترام تلك الحقوق يعتبر استثناء حتى في إطار الأسرة التي لا يوجد فيها أي احترام لها في معظم الأحيان
جـ- الانتهاكات اليومية لمختلف الحقوق من قبل الأفراد والجماعات والمؤسسات والجمعيات بالإضافة إلى الانتهاكات التي تمارسها السلطات المختلفة.
د- غياب الوعي الحقوقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والمدني مما يجعل عامة الناس يقبلون الخروقات الممارسة عليهم ويعتبرونها شيئا عاديا.
هـ- العمل على إشاعة حقوق الإنسان في مختلف المجتمعات من خلال التعريف ببرامج المنظمات الحقوقية وما تقوم به لمناهضة مختلف الخروقات، والتعريف بمضامين المواثيق الوطنية والإقليمية والجهوية والقارية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان حتى تصبح جزءا ومكونا أساسيا للاهتمامات العامة.
و- الحاجة إلى وجود جمعيات ومنظمات تهدف إلى تنظيم العمل الحقوقي وتعبئة الناس ذكورا وإناثا من أجل انتزاع حقوقهم المختلفة.
ز – اعتماد جنس النساء والأطفال ككائنات بدون حقوق.
وهذه الدواعي وغيرهما مما يمكن تصنيفه في هذا الإطار تجزم بضرورة وجود عمل حقوقي هادف يسعى إلى تأصيل حقوق الإنسان في الواقع حتى يتأتى لجميع المواطنين التمتع بها كممارسة حقوقية ديموقراطية يقتضيها السعي إلى تطور المجتمع اقتصاديا وثقافيا ومدنيا.
وبهدف العمل الحقوقي إلى:
أ- إنشاء جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل على صياغة برامجها وتحديد أهدافها، والتعريف بتلك البرامج، وإعداد الناس للارتباط بها، والانخراط في صفوفها والالتزام ببرامجها.
ب- التعريف بحقوق الإنسان وإشاعتها من خلال التعريف بالمواثيق الدولية المتعلقة بها عن طريق الوسائل السمعية البصرية والمكتوبة، وإقامة العروض والندوات، والدورات التكوينية.
جـ- التربية على حقوق الإنسان عن طريق تدريسها، وتحسيس الناس بضرورة احترامها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.
هـ- رصد الخروقات المختلفة، وفضح تعرية القائمين بها ومساندة المتضررين، والعمل على رفع الحيف الذي لحقهم، وتشكيل لجان مناهضة الخروقات، من أجل جعل تلك المناهضة جزءا من الممارسة اليومية للمواطينن.
و– تعبئة الإطارات السياسية والنقابية والجمعوية من أجل التنسيق والعمل المشترك في مجال حقوق الإنسان، باعتبار النضال من أجل احترامها هما للجميع.
ز- العمل على ملاءمة القوانين والتشريعات مع المواثيق الدولية والعمل المشترك في مجال حقوق الإنسان وإدخالها في الممارسة اليومية للمواطنين.
حـ- العمل على تفعيل القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية من أجل وضع حد للخروقات المختلفة.
وتحقيق هذه الأهداف يعتبر أساسيا بالنسبة للرجل والمرأة معا، وخاصة إذا كان ذلك نتيجة لحركة حقوقية رائدة، يساهم فيها الرجال والنساء، والأحزاب والجمعيات، وباقي مكونات المجتمع، وتلعب المرأة دورا كبيرا باعتبارها المتضررة الأساسية من غياب احترام حقوق الإنسان، في تنشيط الحركة الحقوقية عن طريق المساهمة في التأسيس والتنظيم والبرمجة والتنفيذ من أجل أن تعود للمرأة إنسانيتها المفقودة. وتعمل على إعادة الاعتبار إلى نفسها في الحياة العامة والخاصة وتناضل من أجل مجتمع بلا خروقات وبلا حيف يلحق الرجال والنساء والأطفال. وللوصول بالمرأة إلى مستوى المساهمة الرائدة في تفعيل الحركة الحقوقية لا بد من:
أ- محاربة الأمية في صفوف النساء، وتجريم عدم تعليم الفتيات باعتبار ذلك مسؤولية مشتركة بين الآباء والأولياء وبين الدولة.
ب- تحسيس النساء بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، حتى تتهيأ للنضال من أجل تحقيقها.
ج- تنظيمهن في جمعيات أو لجان خاصة من أجل تعميق البحث في الوضعية الحقوقية للمرأة، وإنجاز ملفات حولها.
د- تجريم انتهاك حقوق النساء الخاصة حتى يتخلى الجميع عن ممارسة الدونية التي يجب أن تعتبر جريمة قائمة في حد ذاتها.
هـ- الاهتمام بإنشاء مقاولات خاصة، والسعي إلى دعم كل المشاريع التنموية الخاصة بالمرأة، من أجل إكسابها واستقلالا ماديا عن الرجل.
و- التخطيط من أجل حركة نسائية لمناهضة ممارسة الدونية ضد المرأة على جميع المستويات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية.
وباحترام الدور الذي تلعبه المرأة تتكرس المساواة على أرض الواقع بين الرجال والنساء على السواء ولا ينقص إلا أن تصبح تلك المساواة قانونية إجرائية تمارس بشكل عادلي.
ويبقى أن نتساءل كما فعلنا ذلك سابقا في مجالات أخرى: هل يقوى العمل الحقوقي بدون مساهمة المرأة؟
إن تجذر العمل الحقوقي في المجتمع، أي مجتمع، في حاجة إلى جميع أفراده، رجالا ونساء، لأن حقوق الإنسان تهم الجميع، إلا أن خصوصية حقوق المرأة وخصوصية معاناتها تجعل حقوق المرأة في العمل الحقوقي أكثر إلحاحا. ولذلك فنشر الوعي الحقوقي في صفوف النساء سينعكس على رفع وتيرة مشاركة المرأة ومساهمتها في النضالات الحقوقية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لانتزاع المزيد من المكاسب في هذه المجالات لمجموع أفراد المجتمع بصفة عامة وللنساء بصفة خاصة، وللوصول إلى جانب التنظيمات الحقوقية المطالبة بإدماج المرأة في مجالات التنمية المختلفة، ذلك الإدماج الذي تكون نتيجة إزالة الدونية من وجدان المجتمع.
وهكذا نجد أن علاقة المرأة بالتنظيم هي علاقة جدلية فبقدر ما ترتبط المرأة بالتنظيمات بقدر ما تزداد فعالية التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية نظرا لفعاليتها وحرصها على جعل تلك التنظيمات في خدمة انعتاق المرأة من الجهل والتخلف والحرمان من مختلف الحقوق مما يقتضي تنظيم المرأة لأجل ذلك.
واقرأ أيضًا:
حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women / زينة المرأة والصحة النفسية