الفصل السابع
حكمة الفصل: "إذا سلمت منك نفسك فقد أديت حقها، وإذا سلم منك الخلق فقد أديت حقوقهم".
أعرف أخصائي حميات يميل جسمه إلى البدانة؛ وهو من جانبه يحاول أن يُبعد غذاءه عن ناظريه؛ ويغطي أوعية الطعام والأطباق الشهية؛ لتكون بعيدة عن عينيه، ولا يحاول دخول مطبخ بيته من الأساس، وهو في ذلك يُزاولُ إزالةَ المحفّز، وكذلك عندما يطلب من زوجته أن تُغلق بابَ الثلاجةَ بالمفتاح كي لا يَستطيع الَوَصول إلى أطعمته المفضلة وهو بكل ذلك يُمارسُ منعَ الاستجابة للمثير المغري بالنسبة له (ألا و هو الطعام).
وأنت يُمْكِنكُ أَنْ تُعدَّلَ وأن تُسيطر، بل ويمكنك تغييّر سلوكَكَ الخاص الذي تكرهه في نفسك؛ وذلك باستعمال سلسلة التقنياتِ السلوكيةِ التي تُمْكِنك منُ أَنْ تُرتّبَ لحالات الطوارئ، بالنشاطات المختلفة، وتقديم الجوائز لذاتك عند تحقيقك لسلوك ترغب فيه، وحتى في فرضك لبعض العقوبات على نفسك لكي تعدل من سلوكك؛ ولتُصبح الشخص الذي تُريدُه أن يَكُونَ، فأنت يُمْكِنك أَنْ تَستبدلَ سلوكك غير المطلوب بالسلوكِ المطلوبِ.
في تَغيير سلوكِكَ الخاصِ تُصبحُ حازماَ حقاً، بل ومؤكداً لذاتك، لأنك تفوقت على نفسك، وهذا هو ما يُعينُ على ضبطَ النفس في أغلب الأحيان، أَو دعنا نطلق عليه "إرادة التغيير"، والتي تؤدي إلى احترامك الخاص لنفسك ولذاتك؛ وهذا ما يظهر في المعادلةِ التالية:
السلوك المطلوب= رضاءَ عن النفس= احترام ذات متزايد
بالمقابل وعلى سبيل المثال لا الحصر، فأنت عندما تُؤجّلُ عملية ضبط النفس، وتترك نفسك لهواها في أكل ما لذ وطاب بلا ضابط ولا رابط؛ فسوف تُصاب بالتخمة والسمنة أحياناً بما يصاحبها من أمراض مزمنة، أَو يُؤدّي هذا التصرف إلى كونك تفقد احترامك لنفسك، أو على الأقل يقل احترامك لذاتك.
في هذا الفصلِ سنناقش الصيغة التالية: ضبط الذات = احترام النفس
والسلوك التنظيمي الذاتي يجب أن يُؤخذَ بعين الاعتبار كجزء من تأكيد الذات، ولكي تكُونَ حازما ومؤكدا لذاتك حقاً يجب عليك أن تَكُون أمينا وحاذقا في قيادةِ نفسك. من الصعب أن نتخذ إجراءات حول تلك الجمل المبهمة: "قيادةِ نفسك"، و"امتلاك قوة الإرادة"، و"ضبط النفس". على كل حال، لو حلّلت سلوكياتك غير المرغوبة فسَتَكتشف أنّ كلهم يدلّونَ على سلسلة من العادات المحددة، والتي قَدْ تَتعلّقُ بأيّ شيء مِثل: ازدياد كميةِ الأطعمةِ التي تتناولها، أو عدم التزام الدقة في المواعيد أو إهمالك لعملك أو دراستك أو...........إلخ.
ويمكننا أن نقول أن تغييّر السلوك غير المرغوب ممكن؛ ولكن في أغلب الأحيان تكون الخدعة كامنة في تعلقنا وارتباطنا بعادة أو سلوك معيّن سيئ يحتاج للتَغيير. وعندما تَعْرفُ ما هو هذا السلوك، أنت حينئذ فقط تَكُون قادرا على تَغييره بإخبار نفسك للعَمَل على تحقيق ذلك. إن تحقيق هذا التغيير في السلوك أو العادة السيئةِ قَدْ ثبت أنه أكثر صعوبة ويَتطلّبُ برنامجاً تدريبياً معقداً. لقد أدركت أنّ تَعديلي لمستوىِ قيامي بعادة سيئة، والتي أقوم بها بصورة تلقائية (مثل أن أضع ملابس خروجي على الشماعة في حجرة نومي بدلاً مِنْ أنْ ألقي بهم على كرسي الصالون مثلا) يعطيني شعورا وإحساساً جيدا؛ وذلك لإحساسي بأنني مسيطر على نفسي وقادر عليها.
يقول سكنر صاحب نظرية الارتباط الشرطي الفعال، والذي عمل كأستاذَ عِلْم نفس فخريِ في جامعةِ هارفارد، وربما كان الأكثر تأثيراً في معيشة الكثير من علماء النفس في العالم: "مِنْ المساعدةِ الصَغيرةِ البسيطة إخْبار رجل ما لاستعمال "قوة الإرادة" أَو "ضبط النفس"، ولكن الرجل قد لا يكون عارفا ومدركا لتفاصيل العمل المطلوب، فلابد من الأخذ في الاعتِبار: المكوّناتِ المعيّنةِ للسلوك غير المرغوب، والمطلوب فيه "ضبط النفس"، ونحن كخبراء في علم النفس لدينا المقاييس العمليةُ التي تمكننا من قياس مستوى ذلك السلوك لدينا ولدى الآخرين، وذلك للأَخذ في محاولةَ تَغييره إذا كان من السلوكيات غير المرغوبة.
لماذا تَفْشلُ في ضبطِ نفسك؟
إن قدرتنا على تغيير سلوكياتنا غير المرغوبة أمر هام في حياتنا، وذلك لتغيير أنفسنا إلى الأفضل، مع تَحسين علاقاتنا بالآخرين. وقد لا يهتم الآخرون بالعديد مِنْ سلوكياتِكَ؛ فليس لديهم قلق حقيقي حول حالتك وسلوكياتك كزميل في المكتب، سواء كنت تَزنُ مائة وثلاثين كيلوجراما، أَو تهدرُ وقتَ فراغكَ، أو ما يسيطر عليك من عادات خاصةِ تَهمك كثيراً كالتدخين في الهواء الطلق. فالعادات السيئة يُمْكِنُ أَنْ تَخْلقَ مثل هذا القلقِ الذي يُؤثر على مزاجِك، وعلى مشاعركَ نحو نفسك، وكذلك على أسلوب حياتكَ.
لماذا لا تُغيّر عادات سيئة ببساطة إلى عادات جيدةِ؟!، وذلك باتخاذ قرارت فعالة ومؤثرة؟!
قد تَفْشلُ لأنك أبداً مَا تَعلّمتَ مهارات التغيير الذاتية، فأنت لا تَستطيعُ تنفيذ وعمل ما لا تَعْرفهُ، فكَيفَ تَعمَلُ وهذا النقص في المعرفةِ يَمْنعك غالبا مِن المُحَاولة؟!. وقد يُبررُ الناسُ عدم قابليتهم في أغلب الأحيان لتَغيير سلوكياتهم السيئة؛ وذلك نتيجة لاعتِقادهم بأن السلوكِ السيئ غير المرغوبِ فيه يُرضي بَعْض الحاجاتِ غير الواعيةِ لدى من يقوم به من الناس!.
فإذا أنت فشلت في تغيير السلوكيات السيئة لديك لأنك سلبي، وأنت لا تَحب هذا السلوك السيئ، لَكنَّك لا تُحاولُ تَغييره، وفي نفس الوقت تَزِيدُ القلة أو الندرة في المعرفة لدينا -عن تفاصيل هذا السلوك السيئ و درجته و كيفية التخلص منه بوسائل ضبط النفس المختلفة- من تعميق شعورناِ بالعجز عن التغيير إلى الأفضل.
نَفْشلُ أيضا لأننا مَا تَعلّمنا مفهومَ قوة الإدارة؛ فاستعمال التعبير "قوة الإرادة" يُبيّنُ أنكَّ تَمتلكُ بَعْض السيطرةِ على أعمالِك، لَو كنت تمارس قوة الإرادة، لكن هناك ضررا من هذا التعبير: وهو أنه لا يُخبرُك بما يَجِبُ عليك أَنْ تَعمَله لتكون قوي الإرادة في تغيير السلوكيات غير المرغوب فيها؛ لذا فقوة الإرادة يُمْكِنُ أَنْ تَعملَ كأداة مركزيةِ دافعة نحو التغيير الذاتيِ. وكما قيل: "من كانت له إرادة كانت له القوة".
الحالة:
علاء هو أحد مدراء إحدى الشركات في الأربعين من عمره، وفي مستوى إداري متوسّط ِ، جاءَ لي بمشكلةِ التسويف. "هو دقيق في عمله ومتألق إذا أنجز، لكن مَا سلمه في الشهور الماضية من تقارير مطلوبة منه، كان أقل من العدد الذي طلبه منه رؤسائه بكثير، وكنتيجة لذلك تخطاه عدد كبير من زملائه الأصغر في الترقية، وأصبحوا أعلى منه درجة في نفس العمل، وكَانَ من جراء ذلك هو إحساسه المستمر في الفترة الأخيرة بالتوتر والاكتئاب.
لأكثر من عشرين سنة، حاولَ علاء أنواعا مختلفة مِن الُعلاجات ِ للتَغَلُّب على هذه المشكلة، ولكن من ستة أشهر فقط، ساعد علاء بعضا مِن العلاجِ السلوكي مع العلاج المعرفي؛ ففي منتصفِ إحدى الجلسات، وحين كَانَ علاء يَتحدّثُ عن التَوترِ الذي يشَعر به لأن تقريرا هاما كَانَ مطلوبا منه، وهو يسوف ويتأخر في تسليم هذا التقرير كغيره ممن سبقه من التقارير، عندئذ توجهتُ إليه وقُلتُ: "لحظة من فضلك، تَعْرف أنّك قادر تماماً على إنهاء ذلك التقريرِ وتسليمه إلى رئيسك وفي خلال وقت قياسي، أجبر نفسك على عمَله، إن هذا من قوة إرادتك".
ثم استمررتُ في التَوضيح لعلاء بأنّه كَانَ لديه مفهوما خاطئا حول الحياةِ، وكَانَ عِنْدَهُ الفكرةُ فقط ولكنها بدون أيّ تطبيق سلوكي من ناحيته، فهل السلوك الصحيح يَظْهرُ فجأة؟ لقد اعتقدت بأن سلوك التسويف لديه يُمْكِنُ أَن يَبقي كما هو، وأن يظل موقفَه السلبيَ جوهرياً، ولكن سلوكه تغير بطريقةٍ ما، فأصبح يَعْملُ العمل في الوقت المناسب.
لقد عرف معنى كلمة "قوة الإرادة"، لقد عرف أن الأمر يعود إليه، ولَيسَ لبَعض الظروفِ الخارجية، ولكنها القوىِ الداخليةِ لدى علاء، لذا يَجِبُ أَنْ تَجْعلَ نفسك قادرا على إنجاز المطلوب منك وفي الوقت المحدد لإنجازه بلا تأخير وبلا تسويف، فالأشياءَ المطلوبة يتم إنجازها في وقتها المحدد، وسلم علاء التقرير المطلوب منه، والذي كان عليه تسليمه في غضون ثلاثة أسابيعِ".
لقد باغتني علاء قائلا: "في خلال عشرين سنة مِن العلاج ِ، لم يخبرَني أحد أبداً عن استعمال "قوة الإرادة". أنا الآن أُحاولُ تعلم مفهوم: "قوة الإرادة" وأن أحوله إلى سلوك قابل للتطبيق، لقد وجّهَ علاء كل طاقاته للسَيطَرة على حياتِه الخاصةِ، في هذه الحالةِ كانت "قوة الإرادة" لدى علاء موجهة تماما لتَسليم التقرير المطلوب في الوقت المناسب، لَمْ يَجدْ علاء أنه من السّهل إكمال التقرير المطلوب منه في الوقت المناسب، لَكنَّه أنجزه في خلال الوقت المحدد له. لقد كان هناك مفهوما جديدا لدى علاء عن "قوةِ الإرادة" ليس فقط ككلمةَ أو تعبير، ولكن كعمل يحتاج هو إلى إنجازه وتنفيذه، لقد حقق علاء نقطة التحوّل المطلوبة لعلاجه.
ولقد أدرك أجدادنا حقيقة ارتباط قوة الإرادة بالمقدرة على العمل والإنجاز ويظهر هذا جليا في الأبيات الكثيرة التالية:
يقول البحتري:
وما الحزم إلا العزم في كل موطن وما المال إلا معدن الجود والوفر
ومعنى هذا البيت هو: أن الحزم هو عقد النية والإقدام في كل موطن, وأن المال هو مقياس الكرم أو البخل.
يقول الشريف الرضي:
ساعد جدودك وهي كافلة في النجح والتصميم والعزم
ساعد حظوظك في الحياة، وتلك الجهود التي تبذلها بإصرار وتصميم كفيلة بتحقيق النجاح.
يقول ابن أبي حصينة:
بصحة العزم يعلو كل معتزم وما جلا غمرات الهم كالهمم
ومعناه هو: بالعزيمة الصادقة والإقدام يعلو قدر الغاية، ولا يمحو الهموم مثل الإصرار وعلو الهمة وقوة الإرادة.
يقول الزهاوي:
بالعزم، بالعزم يلقى المرء في عمل نجاحه إنه بالعزم مقتدر
ومعنى البيت هو: أن عليك بالعزم وثبات الرأي وقوة الإرادة لتنجح في عملك وتحقق هدفك. يقول ابن حمديس:
ولو لم يكن في العزم إلا تقلب ترى النفس فيه سعيها فتطيب
حوِّل على العزم إن العزم منقطع عنه الخمول، وموصول به الأمل
إن لم يدرك الإنسان من الحزم وقوة الإرادة إلا خطرات النفس وآمالها فتطيب به وتهدأ لكفاه ذلك.
يقول عمرو بن يحيى:
الحزم قبل العزم، فاحزم واعزم وإذا استبان لك الصواب فصمم
ومعناه: بالرأي الرشيد فكر واضبط أمرك ثم أقدم بعزيمة وإرادة وتصميم وإذا ظهر لك الرأي الصحيح فلا تتردد في تنفيذه.
ويتبع >>>>>>>>>>> نظرية تغييرِ السلوك