مصطلح التشابك كثير الاستعمال في الطب النفسي وخاصة على مستوى العلاج العائلي والاضطرابات النفسية التي تظهر في عمر المراهقة وكذلك في تفسير شخصية الفرد وسلوكه.
يتم تعريف المصطلح أولا من خلال وصف العلاقات بين أعضاء العائلة والتي تتميز بأنها غير واضحة وغير قابلة للاختراق وبالتالي لا توجد حدود واضحة تفصل بين أعضاء المجموعة العائلية. يمكن توضيح ذلك على المستوى العاطفي حيث تسمع الفرد يتحدث عن شعوره بعاطفة عضو آخر وتتحول العاطفة من تجربة شخصية إلى تجربة جماعية. هذا التشابك الجمعي يؤدي إلى تعريف العائلة بأنها عائلة متشابكة. تشكل العائلة حولها جدارا نفسيا متصلبا لا تسمح للقريب أو البعيد باختراقه.
هناك نظام صارم حول ممارسة طقوس معينة تلتزم بها العائلة وتعرف نفسها لنفسها من خلال ممارستها. تتميز الجلسات العائلية بارتفاع الشحنات العاطفية التي يشعر بها أعضاء المجموعة والميل إلى الانصياع إلى النظام العائلي وعدم التفكير بالاستقلال فكريا وعاطفيا وعمليا.
استثمار الأم في ابنتها وهي طفلة لا تقوى على البلوغ مشهد يتكرر في القهم العصبي
المصطلح أكثر استعمالا لوصف علاقة الأم بابنتها. تستثمر الأم أهدافها في الحياة ومشاعرها في ابنتها وتحمل البنت بدورها هذه الوديعة التي هي أشبه بسلاسل تمنعها من أن تكون سوى ابنة أمها. هذا الاستثمار يمنع الطفلة من الانتقال من مرحة الطفولة إلى البلوغ ويتكرر المشهد في اضطرابات الأكل وخاصة القهم العصبي(1). رغم وجود عوامل عدة لتفسير القهم العصبي من وجدانية ووراثية وبيولوجية(2) ولكن مواجهة التشابك العائلي له دوره في رحلة العلاج النفسي وبدونه تبقى الفتاة معرضة للانتكاسة لفترة طويلة.
ولكن المشهد أيضا كثير الملاحظة في تقييد البنت في البيت العائلي وتعطيل كل محاولة لها للزواج. تصل الأزمة مرحلة حرجة تتميز بالتنافر المعرفي في الأم والبنت على حد سواء حول الإقدام على فراق الأهل والارتباط بشريك حياة جديد. تكثر ملاحظة الابتزاز العاطفي كذلك والشعور بالذنب من قبل البنت والانصياع لرغبات الأهل في نهاية الأمر.
هناك عدة فرضيات لتفسير هذا التقارب بين الأم والبنت. يسقط البعض اللوم على غياب الأب عاطفيا بسبب العمل أو عدم وجود علاقة زوجية حميمية تسد احتياجات الزوج وزوجه. ثم هناك الأم التي تربطها علاقة عاطفية قوية بأمها وتفارقها بسبب الزواج ويتفرع الارتباط ويربط الأم بابنتها. هناك أيضا النزعة النرجسية في الأم واستغلالها العاطفي لابنتها وأحيانا استغلالها لضمان ممن يتولى رعايتها طوال العمر.
لا يقتصر التشابك العائلي على الأم والبنت ويحدث أحيانا بين الأم وابنها وأقل من ذلك بين الأب وابنه. تلعب الأم دورها في الهجوم على الرابطة الحميمية بين الابن وزوجه وتنجح أحيانا في الإبقاء عليه عازبا طوال العمر.
كذلك لا يقتصر تأثير التشابك العائلي على القهم العصبي واضطرابات الأكل وهو كثير الملاحظة في الشكوى من ألم مزمن أسبابه نفسية وليست عضوية ويصبح الألم مصدر الشكوى الوحيدة للفرد للتعبير عن عدم سعادته أو بالأحرى فشله لا شعوريا باقتحام حدود التشابك العائلي.
الزوج وزوجه
هناك ثلاثة عوامل تلعب دورها في العلاقات الأسرية وبين الزوج وزوجه.
1- هناك تماسك العلاقة الزوجية وكذلك تماسك العائلة.
2- هناك تدخل الزوج في شؤن زوجه وتدخل العائلة في شؤون الاطفال.
3- يتجاوز التماسك والتدخل عتبة معينة ويتحول إلى تشابك عاطفي مقيد لأفراد المجموعة العائلية. تجاوز هذه العتبة في العلاقة بين الزوج وزوجه لا يتحول إلى تشابك وإنما إلى تنافر عاطفي ومشاكل زوجية متعددة قد تؤدي إلى انهيار الزواج. وقد ينتج أيضاً عن تشكيل تحالفات متعددة داخل الوحدة العائلية نتيجتها تشابك أحد الوالدين مع الأطفال.
نقاش عام
العائلة هي مجموعة من البشر تربطهم علاقة حميمية وقوية بسبب عوامل بيولوجية وبيئية. ليس من الغريب أن يحاول كل عضو فيها مساعدة الآخر والتسامح معه ومد يد العون إليه عند الحاجة. يسعى الأبوان إلى مراقبة أطفالهم وتصحيح سلوكهم عند الحاجة وفي النهاية يصل الطفل إلى منصة البلوغ النفسي والفكري والاجتماعي لينطلق منها إنسانا حرا له هويته وشخصيته الفردية ومستعدا لمواجهة تحديات الحياة. يمكن القول بأن الرابطة العائلية وتدخل الأبوين بشؤون أبنائهم أمر طبيعي غايته الوصول إلى منصة الانطلاق. لكن بسبب ظروف بيئية وعاطفية تتعلق بالعائلة يحصل التشابك ومتى ما حصل ذلك لا يصل الفرد إلى المنصة وتمنعه العائلة من الوقوف عليها.
يدرك الإنسان ويستوعب ظاهرة التشابك ولا يجد سوى حل واحد وهو التمرد والعصيان ضد العائلة. العائلة المريضة التي تعاني من تشابك شديد تواجه التمرد بالنبذ وعدم الغفران. أما العائلة التي تشابكها طفيف فهي تميل إلى القبول بالأمر الواقع وتستسلم بعد فترة. هذه الظاهرة كثيرة الملاحظة في زواج البنت أو الابن بدون موافقة الأهل ولا تقتصر فقط على المجتمع الشرقي والآسيوي وإنما كثيرة الملاحظة في المجتمعات الأوربية أيضا.
ظاهرة التشابك في غاية الأهمية في الطب النفسي والعلاج النفسي وإدراكها من قبل المعالج يساعده في حل أزمات مراجعه ومن الذين يتولون رعايته. الأهم من ذلك توعية الناس حول هذه الظاهرة ومساعدة أبنائهم للوصول إلى منصة الانطلاق بدلا من وضع العراقيل المتعددة وتأجيل العملية إلى أجل غير مسمى.
المصادر:
1- Frank Emily S (1991) Shame and guilt in eating disorders. American Journal of Orthopsychiatry, 61(2), Apr 1991, 303-306.
2- Polivy J, Herman C (2002). Causes of eating disorders. Annual Review of Psychology 53:187-213
3- Wene P, Green R, Greenberg J, Browne T, McKenna T (200). Beyond Enmeshment: Evidence for the independence of intrusiveness and closeness-caregiving in married couple. JMFT27(4) 459-471.
واقرأ أيضًا:
فرق الطب النفسي الحديثة Psychiatric Teams Modern / نماذج في الصحة النفسية Models in Mental Health / التعلق Attachment