جوهر المشاكل الدائرة في الشرق الأوسط يمكن تلخيصه بعدم الفهم المتبادل ما بين الشرق والغرب, ما بين الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وخصوصا العربية. فهذه الدول بعيدة كل البعد عن فهم بعضها البعض, فلا الغرب يفهم ولا الشرق يفهم, ويتركز هذا الجهل في الدول العربية التي يجهلها الغرب تماما وتجهله بالكامل.
وقد أسهم في هذا التجهيل معظم العرب المدعين بالثقافة والفكر والمعرفة, من اختصاصيين ومفكرين وسياسيين, وحملة أقلام جاهلين منبهرين متوهمين يقرؤن بمنظار الآخرين, وقد دأبوا على ذات المنوال والنمطية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم, فقدموا صورة مزيفة عن الحالتين.
والعلة أن الآخر يتصور ويرى والعرب يهللون لتصوراته ورؤاه, ويتمسكون بها ويحسبونها حقائق وتوصيفات صائبة, فيساهمون بتجهيل الآخرين في الدول الغربية وأمريكا. فالعرب يستحضرون النظريات الأجنبية ويتوهمون بأنها الأصدق في تفسير أحوالهم, ومعظم النظريات التي يعتنقونها لا تمت بصلة لواقعهم وأحوالهم, لكنهم يؤكدونها فيساهمون في تجهيل الآخر بهم.
وعلى ضوء آليات التجهيل المتوالدة , يتحقق التفاعل المعوق والمدمر للأحوال والحياة , فالدول الأجنبية تتصور أنها تقوم بالعمل الصائب والصحيح, وفقا لما عززه عندها المُجهّلون لها من المفكرين والمثقفين والكتاب العرب , فتسعى في مسارت ومشاريع تساهم بتعقيد الأمور وصناعة الويلات الكبرى.
وبسبب هذا التجهيل المتبادل والفائق التأثير صار العرب بلا معنى ولا عنوان, وينطبق عليهم أي توصيف وترسيم واتهام وتقدير, ويلحق بهم أي فعل وقرار, لأنهم يقدمون أنفسهم على أنهم أهل لما يحل بهم ويدور في ديارهم. فعلى سبيل المثال, يقدم العرب أنفسهم للأجنبي من خلال أنظمتهم, على أنهم مع أنظمتهم المدمرة لوجودهم, وأنهم سعيدون وراضون على انتهاب ثرواتهم, ويستلطفون فقرهم واستحواذ بعضهم على مصيرهم وثرواتهم.
كما أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين على أن سلوك القتل لبعضهم مستساغ وغير مرفوض, وهو جزء من عاداتهم وتقاليدهم, وأنهم قد مضوا عليه لمئات السنين. وبهذا فهم يغذون النزعة الخاطئة والرؤى الكاذبة عنهم, وكأنهم ليسوا للبشرية بصلة ولا للإنسانية بعلاقة وإنما هم خارج ذلك وضده. وتمضي التفاعلات التجهيلية الخاطئة المبرمجة, لتحقق حالات قاسية في الواقع العربي, تطغى على وسائل الإعلام وتؤازر الرؤية المنحرفة عن العرب.
ولهذا فإن المشاكل العربية لا يمكنها أن تصل إلى حل, بسبب الإمعان السافر بالتجهيل المتبادل ما بين جميع الأطراف والقوى والفئات والأحزاب, والتي تصيب الدول الأجنبية في قراراتها ومشاريعها وبرامجها, ما دامت تمعن بجهل العرب وتفرض رؤيتها عليهم, وتجد الكثيرين من العرب المسوقين لرؤاها والمستعدين لتوظيفها في نشاطاتتهم وكتاباتهم وخطاباتهم, حتى ليُجبرون الناس على التوهم بغير طبائعهم!!
فهل سيعرف العرب أنفسهم ويؤكدون هويتهم ودورهم الإنساني بإرادتهم؟!!
واقرأ أيضاً:
البشر البضائع ضائع!!/ التجهيل الوطني!!/ اللغة والبشر!!/ اللغة العربية!!/ النفس العدمية!!/ التعفن الفكري!!/ قراءة سلوكية لعام جديد!!/ الأمة يستعبدها المُستورَد!!/ عام التفاقم يا عرب!!/ امرأة دين!!/ الإدراك الأرضي!!/ أنتمْ مُخطئون فلا ترموا بعضكم بحجر؟!!/ إذا سقط الوطن يسقط ما فيه!!/ قل أسقط ! ولا تقل أوسط !/ الأفراد بُناةُ الدنيا وصُنّاع الحياة!!/ قفا نبكي !!!/ العلمانية دين/ لا يصح إلا الصحيح!!