لديهم وزارة السعادة .. ولدينا سعادة الوزير 2016
تقرير السعادة 2017م
صدر التقرير الخامس للسعادة عن هيئة التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة يوم 20 مارس 2017 م ويشمل 155 دولة، وهو تقرير متعدد الجوانب وكاشف لنظم الحكم وجهود الدول في تحقيق الرفاهة لشعوبها، وتأخذ به الكثير من الهيئات الدولية في تقييمها للوضع العام للدول التي تتعامل معها. والتقرير في هذا العام – وكما في الأعوام السابقة- يحوي مفارقات عجيبة تستدعي الكثير من التأمل والمراجعة.
وتأتي مصر في المرتبة 104 عالميا وفي المرتبة 14 عربيا، وهذا الترتيب بقدر ما هو متأخر لدولة مثل مصر (أم الدنيا ومهد الحضارات) إلا أنه تحسن عن التقرير السابق في العام الماضي حيث كان 120 عالميا، ولكن ما زال المشوار طويلا .
وقصة تقرير السعادة ترجع إلى عام 2011 حين اقترح رئيس وزراء دولة بوتان (دولة صغيرة في شرق آسيا متاخمة للصين) على الأمم المتحدة وضع معيار السعادة كدليل على نجاح عمليات التنمية المستدامة وكان يرى أن مفهوم السعادة أكثر شمولا ودلالة من المعايير الاقتصادية أو المعايير الصحية أو المعايير الاجتماعية منفصلة، وقد لاقت الفكرة استحسانا لدى هيئة الأمم المتحدة فأصدروا أول تقرير عن السعادة في الدول المختلفة عام 2012، ثم التقرير الثاني 2013 والتقرير الثالث 2015 والتقرير الرابع لعام 2016، وقد حددت الأمم المتحدة يوم 20 مارس من كل عام اليوم العالمي للسعادة.
والسؤال الأهم الذي واجه واضعي تقارير السعادة هو تعريف السعادة نفسها، والذي اختلف حوله الفلاسفة والعلماء على مدى التاريخ. وفكروا في أن يكون تعريف السعادة أقرب لتعريف الصحة الذي وضعته منظمة الصحة العالمية وهو: "حسن الحال على المستوى الجسدي والنفسي والإجتماعي وليس مجرد غياب المرض"، ولكنهم وجدوا أن السعادة ربما تتجاوز هذا التعريف، فبحثوا في المصادر الأساسية للسعادة ليستخرجوا منها محاور السعادة الرئيسية، وكانت هذه المصادر كالتالي :
1 – الملذات ، 2-الإنجازات ، 3 – العلاقات ، 4 – القيم
وقام واضعوا التقرير بإعادة صياغة لدعائم أربعة للسعادة كالتالي :
1 – المشاعر الإيجابية المستمرة
2 – التعافي من المشاعر السلبية
3 – المواجدة (الإحساس بالآخر)، الإيثار، والسلوك الاجتماعي الإيجابي
4 – حرية الفكر، العقل الواعي، والارتباط العاطفي
ثم اشتقوا من هذه المحاور الأربعة معايير سبعة يتم تقييم حالة السعادة على أساسها وهي:
1 – الناتج المحلي الإجمالي للفرد
2 – الدعم الاجتماعي
3 – توقعات طول الحياة للفرد وهو في صحة جيدة
4 – الحرية الشخصية
5 – كرم الدولة مع مواطنيها وكرم الناس مع بعضهم
6 – الثقة في النظام العام ومحاربة الفساد
7 – المساواة في السعادة
وتوضع الدرجات على كل عنصر من صفر (سعادة منعدمة) إلى عشرة (أعلى مستوى للسعادة)، ثم تقارن النتائج بنموذج لدولة افتراضية ذات واقع مرير يطلق عليها "ديستوبيا" تمثل أسوأ الحالات المتوقعة.
ويلاحظ غياب العوامل الدينية والروحية في معايير التقييم ويبدو أنهم تجنبوها إما لصعوبة تحديدها أو لأنها قد تثير حساسيات وتعصبات نظرا لاختلاف العقائد والممارسات الدينية والروحية.
وتوجد الآن أربع دول بها وزارات للسعادة وهي : بوتان (أول دولة أنشأت وزارة للسعادة)، إكوادور، الإمارات، فنزويلا.
أما مصادر المعلومات للتقييم فهي متعددة مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والمعلومات الواردة من الدول نفسها، ولكن أهمها مؤسسة جالوب العالمية للاستطلاع، ويعكف على تمحيص المعلومات لجنة متخصصة من العلماء في مختلف التخصصات.
والآن نأتي لترتيب الدول طبقا لحالة السعادة المرصودة بالمعايير المذكورة، فقد أظهر التقرير أن النرويج تُعد أكثر الدول سعادة على الإطلاق، لتسجل تقدمًا ملحوظًا بعد أن جاءت في المرتبة الرابعة العام الماضي، وتُزيح البُساط من الدنمارك التي تصدّرت القائمة ثلاث مرات كان آخرها في تقرير عام 2016، لتأتي في المرتبة الثانية هذا العام.
وبحسب نتائج التقرير، فقد احتلت أيسلندا المرتبة الثالثة في قائمة أكثر عشر دول في العالم، تلتها سويسرا، ثم فنلندا، ثم هولندا، ثم كندا، فنيوزيلاندا، فاستراليا، ثم السويد التي جاءت في المرتبة العاشرة.
وتبقى إسرائيل في المرتبة 11 مثل العام الماضي، وهو مركز متقدم بالنسبة لدولة صغيرة تعيش في وسط عربي كاره ورافض ومعاد لها (على الأقل شعبيا) وتعيش على الاحتلال والعنصرية، ولكنها مع ذلك تعتبر واحة الديموقراطية في المنطقة وتهتم جدا بالعلم والتكنولوجيا وتحقيق الرفاهة والازدهار لشعبها .
أما على الصعيد العربي فقد جاءت اليمن في المرتبة الـ 146 باعتبارها الدولة الأقل سعادة في العالم العربي (على الرغم من شهرتها القديمة باليمن السعيد)، تلتها جنوب السودان في المرتبة الـ 147، ثم ليبيريا، ثم غينيا، فتوغو، فرواندا، ثم سوريا في المرتبة الـ 152، فتنزانيا، ثم بوروندي، وجمهورية أفريقيا الوسطى .
أما على الصعيد العربي، فكان الترتيب كالتالي : الإمارات (21)، قطر (35)، السعودية (37)، الكويت (39)، البحرين (41)، الجزائر (53)، ليبيا (68)، الأردن (74)، المغرب (84)، لبنان (88)، تونس (102)، فلسطين (103)، مصر (104)، العراق (117)، السودان (130)، اليمن (146)، سور يا (152). ويلاحظ أن مصر تأتي متأخرة في الترتيب بعد ليبيا (حتى لا نصبح مثل ليبيا) وبعد فلسطين (التي تعاني ويلات الاحتلال الإسرائيلي).
أما أقل الدول سعادة على الإطلاق فكانت: سوريا، تنزانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى .
ويلاحظ أيضا :
• أن الناس في الصين لم تزد سعادتهم عن المستويات المسجلة منذ 25 عاماً.
• لا زالت الكثير من دول القارة الإفريقية في خضم معاناة مستمرة.
• لم يكن للقوى العظمى في أوروبا وأمريكا نصيب بين أسعد عشر دول في العالم. وحلّت الولايات المتحدة في المرتبة الـ 14، وجاءت ألمانيا في المرتبة الـ 16، وبريطانيا في المرتبة الـ 19، وروسيا في المرتبة الـ 49. أما اليابان فحلّت في المركز الـ51، وحلّت الصين في المركز الـ 79.
وواضح أن القوة العسكرية أو القوة الإقتصادية وحدها لا تصنع السعادة بدليل أن الدول العظمى عسكريا أو اقتصاديا لا تحتل المراتب الأولى في هذا التقرير. ولكن يلاحظ ارتباط مستويات السعادة أكثر بنظم الحكم حيث تأتي الدول الديموقراطية في المراتب الأولى تليها الدول التي تتبع نظم حكم تعويضية (مثل الدول الخليجية التي لا تتبع النظام الديموقراطي في الحكم ولكنها تعوض شعوبها بالرخاء والرفاهية وسبل الحياة الميسرة)، ثم تليها البلاد التي تتبع السلطة القهرية (الدكتاتورية، الاستبدادية) في الحكم، وأخيرا تأتي في نهاية الترتيب الدول التي انهارت فيها سلطة الدولة بسبب الصراعات الأهلية والساسية.
وركّز تقرير هذا العام على السعادة في مكان العمل، وخصوصاً على عوامل مثل معدل المعاشات، وقدرة الموظف على إيجاد التوازن ما بين العمل وجوانب أخرى في الحياة، ومقدارالاستقلالية في مكان العمل، وتنوّع خيارات العمل المعروضة. ويعكس التقرير تبايناً واضحاً في مقدار السعادة بين موظفي المراكز الدنيا والموظفين الإداريين.
والتقرير يرى أن السعادة ليست مجرد حلم نتوق إليه وننتظر حدوثه بشكل قدري، وإنما هي علم ومهارة وقدرة وأشياء محددة يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها لكي نحقق السعادة في حياتنا.
والدول السعيدة الآن لا تكتفي بما حققته من سعادة لشعوبها وإنما تصبوا لمستوى أعلى هو مستوى "الازدهار".
قد يعترض البعض على النتائج أو على منهجية التقرير أو على مصدر المعلومات، ولكن يبقى أن تقرير السعادة يلفت الأنظار إلى هذا البعد المهم في حياة البشر وهو أن الدول والحكومات لابد وأن تسعى وتغير أنظمتها وسياساتها وطرق تفكيرها وممارساتها لكي تحقق لمواطنيها السعادة، والتقرير هو بمثابة شهادة على نجاح أو فشل المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل دولة .
واقرأ أيضًا:
أنا السيسي / مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد! / الدم الرخيص / سيكولوجية الثورة
التعليق: بالنسبة للنرويج كما قالت لي مهاجرة سورية، إن رواتبها أعلى من السويد وضرائبها أقل، لكن المعيشة فيها غالية جدًا، لهذا يذهب النروجيون إلى السويد ليشتروا احتياجاتهم!! (أدام الله عليهم سعادتهم!!) أما بالنسبة لنا في سورية الغالية وقد نلنا شرف رابع دولة في التعاسة المنشودة حسب مقاييسهم، تعال وسر في شوارعها وارقب القلق والخوف، والغلاء وقلة الرواتب، حيث أكثر من 85% من السكان أصبحوا دون خط الفقر بمراحل،... وفي ذات الوقت اسأل أحدهم ممن ترك بيته، كيف حالك يا فلان؟ يقول لك: الحمد لله، ربك مفضلها علينا... الله يفرج وإن شاء الله نزوركم في الأفراح!!!!! كثير ممن هاجروا إلى أوربا عادوا أدراجهم يقولون: لم أتحمل الجو هناك...، يا ما أحلى القصف أمام المجتمع الأوربي!!! أو: مستحيل أن أربي أولادي هناك. أو: كل شيء غالي جدًا بالنسبة لسورية، والحياة مملة وانتظرنا رجوعنا بفارغ الصبر!!!!! واحدة قالت: هناك بيوت وأشجار، وعندنا بيوت وأشجار، لكن هنا بيتي، وهناك لا يوجد بيتي!!!