ختان الإناث يثير أسئلة ويستدعي أجوبة صريحة، فمن أين جاءت فكرة الختان؟
لا تُعرف بدايات الفكرة ومَن الذي أوحى بها، لكنها ربما تقرن بأبو الأنبياء الذي خرج من نار أور مهاجرا غربا وليس شرقا. وفكرة ختان النساء أيضا لا يُعرف مصدرها ودوافعها، وكيف توصل البشر إلى هذا الاختراع الأليم. فالموضوع يرتبط بآليات سلوكية معقدة تراكمت فيها الدوافع، وتفاعلت مع الغرائز والتداعيات حتى أوجدتها ومضت عليها.
وفي دراسات وبحوث التأريخ الجنسي للبشر، هناك الكثير من الرؤى والتصورات والتفسيرات للسلوك الجنسي، والذي جمعت مفردات التعبير عنه في موسوعات سلوكية وإرث مصور ومنحوت. ومن الملاحظ أن هناك وسوسة جنسية متراكمة عند البشر، فالمتابع للآثار والتماثيل عبر العصور يرى أن في بعض المجتمعات تماثيل للرجل يكون عضوه الذكري فيها بحجم كبير، ويكون صاحبه هو الإله.
وقد اقترنت القوة الإلهية بالجنس، وفي ملحمة جلجامش إشارات كثيرة لذلك، وفي معابد سومر وأكد وآشور والكرنك شواهد واضحة، حيث غرف ممارسة الجنس المقدس، وكيف أن الآلهة تتزوج فتكون المعابد مزدحمة بأجمل نساء المجتمع اللواتي يتزوجن الآلهة، وما ذلك إلا خدعة لتأكيد سلوك البغاء المقدس والإدمان على الجنس، فالرجل الواحد لا يُرضي والمرأة الواحدة لا تكفي.
وعندما نأتي إلى المرأة وسلوكها الجنسي، يظهر أن في أعماق آليات الرغبات الفاعلة فيها، أن الذكر الواحد لا يكفي، وخصوصا عندما تمتلك قدرات الأوركازم المتواصل، أي أنها تتحول إلى مدمنة على المواقعة لأكثر من مرة في اليوم، وقد لا يتمكن الذكر الذي معها من ذلك مما يدفع بها إلى أن تحقق ما تريده وفقا لما تراه وتتمكن منه، ويبدو ذلك واضحا في المجتمعات المتحررة جنسيا.
ويبدو أن الذكر قد اكتشف عبر العصور، أن هناك شيئا في الأنثى يتسبب في هذا السلوك الجامح الذي لا يستطيع أن يواجهه أو يرضيه، ولا يُعرف كيف اكتشف أن السر يكمن في بظر المرأة، وربما تعلم بأن هذه الحالة تتناسب وحجمه، وربما اكتشف بمساعدة أنثى شريرة لا تقدر على الوصول إلى الأوركازم، ووجد أن لابد من قطع هذا العضو وإخماد الرغبات الجنسية عند الأنثى وتحويلها إلى ماكنة إنجاب وحسب، يواقعها أنى يشاء.
وهو سلوك مرعب وظالم، ذلك أنه يحرم الأنثى من أعضائها الطبيعية، فاستئصال البظ، كأنه إستئصال للكلية أو أي عضو آخر في الجسم. وفي ختان الرجال يتم إزالة الجلد أو القلفة، وفي ختان النساء يتم قطع العضو. وهذه جريمة غير مبررة، لكنها تعكس مخاوف الذكر عبر العصور، فهو مسكون بأن الأنثى تمتص قواه وتخمد توتر قضيبه أو ترخيه، وأن لديها قدرات امتصاصية غير محدودة تأخذ منه طاقته وتضعفه، فهو لا يستطيع موافقة المرأة في قدراتها الامتصاصية لقواه، وهذا ما أوضحته ملحمة جلجامش حيث تم اصطياد أنكيدو بهذه الحيلة.
وهكذا فإن ختان المرأة هو من حيل الذكر الدفاعية، لكبح جماح امتصاص الأنثى لقوته وفحولته، ورغبته في تحويلها إلى آلة يستخدمها أنى يشاء، ولا يعنيه إلا أن تنجب له ذرية. وهو سلوك بدائي توحشي، لا يفرّق الإنسان عن الحيوان، فالجنس عند المخلوقات الأخرى سلوك تناسلي، وعند البشر تناسلي وأكثر. فالسلوك الجنسي عند البشر إدماني، فهو يتكرر ويتعاظم وقد يسقط البشر في حبائله ويتملكه تماما. ويبدو أن المجتمع يتحمل سلوك الرجل الجنسي الإدماني، لكنه لا يطيقه عند المرأة، ولهذا ذهب إلى الختان لقتل جماح المرأة، فقطع بظرها. وفي الكثير من الحالات يتم إزالة جميع المعالم التشريحية للعضو الإنثوي.
وعند فحص إمرأة مختونة لا تجد شيئا يشير إلى شيء، وعندما تسألها تجيب بأنها مختونة. وزوجها الذي معها لا يعرف إلا أنها آلة إنجاب، ولو قرأ ما مكتوب عن المواصفات التشريحية الطبيعية لعضوها، لحسبه نوعا من الخيال، ففي دماغ مجتمعات ختان النساء لا يوجد شكل معين، الذي يعرفه أن هناك ثقبا يلج فيه ويتمكن من الوصول إلى حالة القذف وكفى. فالموضوع ليس ختانا بالمعنى المجرد، وإنما سلوك اجتماعي وحالة نفسية قائمة في وعي ولاوعي الجنسين. فالأنثى ربما صارت ضد عضوها بسبب التصورات القائمة حولها، ولهذا تسعى للختان للتخلص منه، ولا تقاومه وإنما تفرح به.
وهذا نوع من أساليب تأكيد الشعور بالدونية والإذلال والإمعان في مصادرة الآدمية. ولا أدري كم من البحوث قد توفرت ومن الدراسات قد نُشرت بخصوص موقف المرأة من ذلك وأحوالها النفسية والسلوكية في مجتمعات ختان النساء. فالأنثى في مجتمعات ختانها، ربما تكره عضوها وتخجل منه وتحسبه نوعا من العيوب.
وفي المجتمعات المتحررة جنسيا، تحسبه كأي عضو من جسمها ولا تتردد في إبرازه، وحتى التفاخر بجماله وجاذبيته مع خليلها أو غيره. ويبدو أن المجتمعات المتأخرة لا يمكن تحقيق التغيير فيها بالمباشرة والصراحة والتحدي، وقد قامت بذلك الدور الدكتورة نوال السعداوي في كتاباتها على مدى عقود، ولكن الوسيلة الأصلح تكون بالثقافة والإعداد النفسي والسلوكي الذي يحتاج إلى تفاعل أجيال.
فالموضوع صريح، لكن هل هو من مشاكلنا الأساسية التي تتسبب في تداعيات وجودنا، أم أنه موضوع كغيره من الموضوعات الماضوية البالية، التي يُراد بها استهلاك طاقاتنا وتبديد قدراتنا فيما نحسبه ينفع الناس.
وهل أن ختان النساء سلوك شائع وسائد في مجتمعاتنا، وهل لدينا إحصاءات صحيحة بذلك؟
وهل أن العلة في ختان الأنثى أم ختان العقل؟!
فختان العقل يعني تطيهره من نفايات العصور!!
واقرأ أيضًا:
الاستبيان قبل الختان: مكرمة أم هوان مشاركة / الختان والشهوة الجنسية / زوجتي والختان الفرعوني / الإرجاز المهبلي والإرجاز البظري! / ختان الإناث: الأسباب والمعتقدات