العرب يتواجعون أي يوجع بعضهم بعضا، وما أمهرهم وأقساهم وأشجعهم في التعبير عن هذا السلوك الإمحاقي المبين.
والأمثلة متراكمة وتحتشد في مرابعهم منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ولا تزال ماضية بعنفوان متصاعد وتسأل عن هل من مزيد.
والمثال الواضح ما حصل لدولهم التي تآكلت الواحدة بعد الأخرى، كالعراق وليبيا وسوريا واليمن، وما سيأتي منها وفقا لقائمة الافتراس المبرمج الخلاق.
والذي لديه اطلاع على تأريخ الأندلس وما جرى للعرب هناك، تتضح أمامه صورة التماحق العربي الفتاك، الذي جرى في الأندلس قبل ما يقرب من قرنين من نهايتهم المأساوية، فالعرب قد مكثوا في الأندلس ثمانية قرون، ربعها تم تسخيرها لمحق الوجود وبذات الآليات التي تجري اليوم في واقعنا المبتلى بالنواكب والويلات الجسام، وخلاصتها أن الأخ العربي يتعاون مع أعدائه والطامعين بوجوده وثرواته للنيل من أخيه، جرى ذلك على العراق وليبيا وسوريا واليمن، ويتم التحضير لذات السلوك على دولة عربية أخرى هي في دائرة المهالك المفرغة.
ترى لماذا يتواجع العرب ولا يتراحمون؟!!
سيقول البعض أنهم كذلك منذ أقدم الأزمان وأنهم يحملون نزعات قبلية، لكن مجتمعات الدنيا آنذاك كانت مثلهم وأقسى في سلوكها على بعضها، والشواهد مريرة في أوربا وغيرها من مجتمعات الدنيا، فالقبلية ليست ميزة عربية خالصة كما يتوهم الكثيرون، والحروب القبلية سلوك بشري غائر في القدم ويشمل جميع البشر وبلا استثناء. لكن الصفة التي تميز العرب جميعا هو الميل للتبعية والخيانة، وهذه الصفة متواصلة معهم منذ فجر التأريخ، ولها شواهدها العديدة وأدلتها العتيدة في بطون الكتب، مما دفع إلى ترسيخ أنظمة الحكم الفردية وتأهيل النفوس للقبول بالاستبدادية. فالتبعية والخيانة تجري في الدم العربي وكأنها أوكسجين التعبير عن النرجسية الحمقاء المتأصلة في الجينات العربية الأركان والممحوة العنوان. فلولا التبعية والخيانة لما تواجع العرب، ولما اندفعوا في مسيرات التماحق المروعة، التي تدور في ديارهم المبتلاة بالدمار والخراب والاحتراب.
واليوم تدور دائرة البلاء على دولة صغيرة ذات أوهام كبيرة وأحلام يقظة أميرة، مؤزرة بالقوى التي تأتمر بأمرها، وتنصاع لتنفيذ مشاريعها وبرامجها وصيانة مصالحها، وتمنحها حق التواجد على أراضيها، والقوى كما هو معروف لا يعنيها إلا كيف تجد فرائسها مطبوخة على موائدها، لتلتهمها وجبة شهية تساهم بتقويتها وإمدادها بمخالب وأنياب الفتك بالفرائس المنتظرات. والعجيب في العرب أنهم لا يعتبرون من الأندلس، لكنهم يجيدون التباكي والنواح على ما أصاب أجدادهم في تلك البلاد التي أطلقت أنوار العقل في المجتمعات الأوربية، ونقلتها من ظلمات الزمان إلى أنوار المعرفة والإنسانية المعطاء.
بل إن العرب لم يتعلموا من التجارب المعاصرة، وكأنهم مصابون بداء النسيان المقيم، ولا يريدون الرجوع إلى أرشيف الذاكرة فيما يقومون به ويفعلونه، ولا يتدارسون أو يقرؤون بل إنهم يندفعون وفي مصائبهم يعمهون. وكأنهم لا يعرفون أن من أعان على أخيه، فمن استعان به سيزدريه ويفريه!!
ويبدو أن الوجود العربي سينمحق في غضون قرنين أو ثلاثة قرون، إذا بقيت آليات ما جرى في الأندلس تمخر فيه، لأنها كالنار التي تأكل جذوع النخيل الخاوية فتحيلها بصمت إلى رماد، فهل من متيقظ ومعتبر، فقد بلغ السيل الزبى، ولاحت في الأفق علائم المصير الأليم؟!!
واقرأ أيضاً:
الموارد البشرية طاقة الحياة!!/ جيلنا المفقود!!/ تبا للوطنية والعروبة يا عرب!!/ لماذا نهتم بقادة المجتمعات الأخرى؟!!/ الشَعْبَوية!!/ العرب ينشغلون بغيرهم!!/ خمسون هزيمة وهزيمة!!