التقاطع يعني ضرب العزلة على بلد عربي من قبل بلدان عربية، وهو سلوك مروع وخطير التداعيات والتفاعلات، وينجم عنه ما لا يخطر على بال من الويلات المتراكمات المتوالدات، وقد كرر العرب هذا السلوك وما اتعظوا ولا تعلموا منه درسا واحدا.
فعلها العرب مع مصر، وكان أغبى قرار تسبب بانهيارات وخيمة في الوعي العربي والمفاهيم والمنطلقات، التي كانت تتحكم بالمسيرة العربية منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين. وفعلها العرب ثانية وثالثة مع العراق، وأسهموا بفعالية وثقل كبير في تدميره وترويع وتجويع أهله وقتل الملايين من الأبرياء، حتى انتهى الحال إلى ما هو عليه اليوم، وأعادوها في سوريا واليمن، واليوم تدور الدائرة على قطر الورقة المهمة في لعبة شفط الثروات العربية.
ولا جديد في الأمر، فالفعل مشحون بالغباء وتأدية مراسيم التبعية والخنوع وعدم وعي المصالح العامة للأجيال، ونتائجه معروفة وتداعياته متفاقمة، والخسائر تتنامى وهدر الثروات في أوجه، حتى ستخلو خزائن العرب من عائدات النفط الذي أخذ الهزال يدب في أبقاره التي لن تدوم حلوبا، وإن أضرعها ستجف فتهلك وتتدثر برمال الصحارى اللاهبة الرمضاء.
فالعرب لا يتجرؤون ولا يقدرون على مقاطعة ومحاصرة إلا العربي من أبناء جلدتهم، فهم على أخوتهم أسود وذئاب وعلى أعدائهم أرانب وفئران، ولا يعرفون سوى تأدية مراسيم الإذعان والتوسل للبقاء في كراسيهم، وتقديم الخدمات اللازمة لتحقيق مصالح الأسياد والأعوان، وذوي القرار والأمر القاطع الرنان.
إن فعل المقاطعة ليدل على رغبات انتحارية وطاقات تدمير ذاتية كامنة في السلوك العربي، وكأن هناك استعدادا موروثا للتبعية والخنوع والإذلال والاستعباد، فالأمة تبدو وكأنها أمة أتبع وأخنع وأتوسل وأتذلل للقوي المهيمن الفتاك، وتجدها قد تناست أو أنكرت "إياك نعبد وإياك نستعين" التي تكررها في اليوم ما يقرب من عشرين مرة ولا تدرك فحواها.
فالعرب عندما يقاطعون أخاهم العربي يستعينون بالأجنبي عليه، ويستحضرون أعداءهم عونا لهم على أخيهم العربي، وشواهد العراق واضحة ودامغة، وكذلك دول الوجيع العربي المتورطة بدائها وخرابها، وهي تساهم في الانقضاض على ذاتها وموضوعها، بإرادات أجنبية وعربية متحالفة للنيل من الأخ العربي الذي يوضع في خانة الأهداف المرسومة.
ومن المعروف أن الذي يتقاطع سيتقطع، أي سيكون إربا إربا، وهذا هو المطلوب على المدى البعيد، فالتقاطع في المدى القريب، سيلد التقطيع المروع في المديات الستراتيجية المحسوبة بدقة العارفين والمهندسين لآليات السلوك في بلاد العرب أوطاني.
وأن الدول التي تقاطع ستتقطع، وأن دائرة التقاطع ستدور عليها وبلا استثناء، مهما توهمت وطاردت سرابات القوة والأمن والأمان، فالمشروع واضح وساطع، والعرب لا يرونه أو أنهم يغمضون أعينهم ويتغافلون أو يتجاهلون، أو يستمرؤونه ويؤدون أدوارهم فيه وهم إلى جحيمات السعير يتسابقون.
تلك وقائع التقاطع والتقطيع العاصفة في دنيا العرب، وهم صاغرون!!
فهل من هبة نحو صراط عربي مستقيم؟!!
واقرأ أيضاً:
الفن المُنحَط والعنف المُشْتَد!! / الممحاة الحضارية!! / الشاشة مرآة واقع حزين!! / نحن ونحن!! / لا تصالح بين الدين والسياسة!! / القِوى تريد صراعا!!