للنجاحات المصرية طعم عربي لذيذ، وأيا كانت الإنجازات والانتصارات فإنها تبعث في الروح العربية الحماسة والتوثب، وتغذيها بالأمل والتفاؤل وتشعرها بأنها حية وقوية. فمصر أم الدنيا وبودقة العروبة وشعلتها النوّارة الفواحة بأضواء الكينونة والاقتدار والإنجاز العربي الأصيل. ومصر القوية داينمو العرب وقدرتهم الحصانية على قطع المسافات الحضارية بأشواطها الصعبة ومصداتها العتية، إنها قوة الدفع الرباعي العربي!! ويعرف ذلك جيدا الذين يتحاوطون العرب ويتمتعون بافتراسهم وأخذ ثرواتهم واستنزاف طاقاتهم وقدراتهم.
تلك حقائق عربية مصيرية راسخة في الأذهان والكيان في كل مكان، فالعرب بمصر ومصر بالعرب، وأي تقطيع لهذه العلاقة يعني التردي العربي والضياع الأليم، وقد برهنت هذه الثوابت العقود التي انتحر فيها العرب عندما ارتكبوا خطيئة عزل مصر.
واليوم تعيد الكرة المصرية اللحمة وتلهب الروح العربية وتجددها وتبهجها، وتمنحها طاقات إنجاز وثقة بالقدرة على الفوز في ميادين التحدي والتباري مع الآخرين، ولهذا عمّت الأفراح الشارع العربي وكأنها تذكرنا بأيام كانت فيها مصر قلعة العروبة وصوتها وإرادتها، يوم كانت تغني أم كلثوم فيضغي لها العرب في كل مكان، ويخطب جمال عبد الناصر فتلتصق الملايين بالمذياع، ويوم كانت مصر هي القوة المحركة للحياة والمؤثرة في الوعي العربي والثقافة العربية.
وقد ابتهجتُ مع المحتفلين بفوز الفريق المصري وتأهله لنهائيات كأس العالم بكرة القدم، وتأملت الروح العربية التي انبثقت من أعماق الإنسان العربي، وكأنه استعاد حياته واستشعر بدبيب الأمل في عروقه، فالكرة المصرية وحّدت العرب وجمعتهم على كلمة واحدة وهدف واضح، وأشعرتهم بأن الإرادة في العمل والجد والاجتهاد، والإصرار على التحدي والاندفاع الواعي إلى الأمام، فالحياة هي القدرة على صناعة الغد الأفضل والفوز بالأجمل، وأن الكرة المصرية لجديرة برفع لواء العرب متمثلا براية مصر الخفاقة وإرادتها الوثابة.
تحية للكرة المصرية ولللاعبين الذين يدركون رسالتهم ومعاني صولاتهم وركلاتهم، وهجماتهم المتناسقة كفريق واحد نحو هدف واحد، وهذا أصدق مثال على أن روحية الفريق الواحد هي التي تنجز وتحقق الأهداف الكروية والوطنية والحضارية.
فهل لنا أن نتعلم من فريق الكرة المصرية معنى أن نتفاعل بهذه الروحية، لكي نزيل الصعوبات ونعبد طريق السيادة والحرية والكرامة والعزة الوطنية الإنسانية التي تليق بأمة العرب؟!!
واقرأ أيضاً:
الافترائية!! / السياسة والدين وأمة الأنين!! / حَضرَ التديّنُ وغابَ الدينُ!! / البناء الداخلي العربي المهلهل!! / تحديد اللامحدود والعقل المصفود!!