عندما يتحدث شخص ما عن التحرّش الجنسيّ ويقارن بين العرب الهمج والغرب المتحضر.. يأتي ويقول لك:
- الغرب ليس فيه تحرّش.. إنما التحرش عندنا نحن معشر المرضى الشهوانيين الذين لا نحترم المرأة.
طيب... أحب أن أوضح بعض النقاط هنا.
- هذه الفكرة مجرد انطباع فقط، ولا تحتكم للواقع أو الأرقام، والدليل أنّ الذي يتحدث جازما لم يكن في دولة غربية أبدا، وحتى من عاش فيها مقاربته تكون خاضعة لذلك الانطباع. فكيف عرف ذلك ؟ الصورة الإعلامية والتي لن تنقل إلا ما هو جيد. (فهل تتصور أن الصين مثلا ستنقل في قناتها CCTV مظاهر الوحشية ضد الحيوانات في الصين، سلخ وذبح وهم أحياء، وسلق للكلاب وهي أحياء.. وما شابه)!!
ثم قلة الاطلاع، لأنه في الإعلام نفسه هناك مواضيع تتحدث عن ذلك. والنتيجة انطباع نفسي راسخ (إسناد لأوصاف رائعة ومثالية للغرب) مع قلة إحاطة بالموضوع. إضافة إلى اشمئزاز من الواقع العربي الذي يعيشه ويعرف تفاصيله اليومية عبر الشارع وليس التلفاز... فيراه دون ماكياج ولا تحيّز. فيخرج الحكم متحيّزا ضد العرب ومتحيزا لصالح الغرب في الوقت ذاته. مع أن الخطأ حاصل بتحيز واحد فقط، فكيف بتحيزين!
- لنفرض أن التحرش مُنعدم عندهم (وهذا ما تكذبه الإحصائيات الحكومية للدول الغربية وليس مواعظ المتدينين) عن أي تحرشّ نتحدث؟ أو بدقة أكثر، عن أي أشكال التحرش.
فمقارنة مثل هذه يفترض صاحبها أن يجد الأشكال نفسها من التحرش بالطريقة نفسها. فإذا لم يجد تشابها ظاهريا، استنتج بسرعة بأن التحرش ظاهرة عربية عروبية! (بالدارجة أيضا)
وهذه مقارنة الطالب الكسول الذي لا ينسخ الجواب إلا إذا تأكد بأنه متطابق، ولا يبحث في المعنى، لدرجة أن ينسخ اسم الطالب الآخر كما وقَع.
المُجتمع طَبقات، عند العرب والغرب وحتى في الكائنات الفضائية.. فالمقارنة بين حي فقير لن تعطي نتائجا مشابهة مع الحي الراقي.. ببساطة لأن النشاطات ونمط العيش يغيّر من أشكال التحرّش (وأشكال التفاعل الاجتماعي عموما).
فلن تجد بكثرة مترفين يجلسون في الشارع يعاكسون المرأة. بل سيقيمون حفلات أو يحضرون لسهرات وينفقون مالا على تلك الأجواء والتي تكون "أكثر شرعية ورقيا" من أصحابهم في الشوارع.. لكنه تحرش في نهاية المطاف.
فالفرق بين "اسمحي لي برقصة" و "غزل وكلمات نابية في الشارع" هو الطريقة فقط والانطباع الذي يترك ذلك في نفسية المرأة، فتتهم الثاني بالتطفل وسوء الأدب، وتعتبر الأول مخلّصا ومؤنسا في سهرة ينقصها بعض البهارات العاطفية والجنسية...
فعملية النقد الكسولة ستحاول اختزال ظاهرة التحرش في الثانية لا الأولى...
ثم هناك تساؤل مشروع: لماذا سيضع الرجال أنفسهم في مواقف محرجة، ويعرّضون محاولاتهم للفشل، وقد أتيحت طرق ذكية ومرهفة للوصول للمرأة ؟!
طرق يمكنه التراجع بعدها إن اتّهمته المرأة، ويعزف على وتر الأدب واللباقة والأناقة!
وفي الوقت نفسه لا يُتابع قانونيا، فلا دليل واضح وملموس. إضافة (وهذا هو المهمّ) أنه يتجاوز دفاعات النساء بذلك، ويقدم لهنّ ما يحببنه من الرومانسية وفهم الأنثى ومراعاة مشاعرها !! حتى تعم أجواء الودّ والانجذاب.
هذه المقارنة السخيفة، تُغفل الجانب الخفي من الظاهرة والتحولات الطارئة عليها، مثلما تغيرت وتطورت أنماط الاستعباد الصريح للمرأة، فالكل يستنكر جر النساء كالجواري للمتعة، لكنه يستمرئ على ضوء النظام العالميّ أن تعمل المرأة "نجمة إباحيات" بل وتُسمى نجمة، ويستمرئ أن تكون بضاعة تسوِّق حتى للمنتوجات الذكورية و"الخشنة" مثل عجلات الآليات ! ويستمرئ أن تنتج الشركات معايير جمال تستعبد النساء وتتعبهنّ، نقبل أن يُفرض على المرأة نمط من التحرر والتعامل مع رجال ينهشونها، ثم تتّهم دونه بالتخلف والظلامية، ونقبل أن تكون المرأة سكرتيرية تُستبزّ وتتعرض لاستغلال المدراء، فتنظّم أوراقه وتقضي نزواته أيضا! وبأن تكون التحية من الرجل للمرأة قبلات وللرجل المصافحة، وأن يرافق الرجل المرأة فقط وهو يمسك ذراعها... كل هذا لا مشكل. والنساء مثل الرجال إلا عند الظلاميين !
نريد فقط أن يصحح الأستاذ الورقة ونمرر الاستعباد بالمعنى والجوهر، وليس بالطريقة القديمة، فالكلّ سيتهّم الطالب بالغشّ !
واقرأ أيضًا:
لا تزال الرصاصة في الجسد (في نقد التفكير الخرافي) / هل الفقهاء سبب تخلف الأمة ! /ميلاد الموقع الرابع عشر / تحليل لفلم Emily Rose 2005 عن المس
التعليق: سلمت يداك على كتابة هذا المقال.
لقد عريت بعقل صاف خديعة العالم الغربي المسمى بالمتحضر(والذي لايبدو متحضراً إلا في لحيته وذقنه المحلوق فقط) والذي يذهب إلى عمله الساعة الثامنة أو التاسعة ويبدأ بمقابلة السكرتيرة في المكتب ليسقط عليها مرضه بينما يتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان
(أين حقوق المرأة ابتداءً عندما تستغل ويتحرش بها ويسمى ذلك حرية إنسانية؟) وفي نهاية اليوم يأوي إلى فراشه وربما لايحسن النوم لما شاهده من مناظر,أو حتى لما فعله من أفعال من نظر وغير ذلك. أما كان أحرى به أن يغض بصره ويحاول فعل شيء مفيد؟
تحياتي.