يتابع الفلسطينيون في قطاع غزة بكثيرٍ من القلق والاهتمام، وبعظيم الأمل والرجاء، اللقاء الذي يجمع في القاهرة أبناء قطاع غزة الحزين، وسكان المنطقة المنكوبة من فلسطين، أبناء المخيمات وبلدات القطاع ومدنه، وأهل الجرح النازف والمفتوح أبداً والملتهب دائماً، الذي بات يؤلم الجميع ويوجع الكل، إذ طالت أزمته وتعمقت مع الأيام مشاكله، وتعددت همومه ومطالبه، وانعكست على كل جوانب الحياة آثاره، حتى بات محل قلقٍ ومحطَ خوفٍ، إذ ما مرَّ على شعبنا في قطاع غزة أياماً بهذه المرارة، ولا ظروفاً بهذه السوء، ولا أحوالاً بهذه القسوة، ولا نعتقد أنه يوجد ما هو أسوأ منها أو أكثر بؤساً ومعاناةً مما يلقاه سكانه هذه الأيام.
مما لا شك فيه أن هموم قطاع غزة ومشاكل أهله ومعاناة سكانه قد طغت بكليتها على اللقاء الذي جمع قيادة حركة حماس ووفداً من التيار الإصلاحي في حركة فتح، إذ أن أعضاء الوفدين من سكان القطاع، الذين يسكنون مخيماته البائسة ويعيشون في بلداته الحزينة ومدنه الممزقة، ويعرفون هموم الشعب ويدركون مشاكله، ويلمون بتفاصيلهم اليومية ومعاناتهم الدائمة، فهم جزءٌ أصيلٌ من نسيج هذا المجتمع المعاني، ولا يستطيعون الانفصال عن واقعهم، أو التخلي عن أهلهم، أو التعالي عليهم وعدم الاهتمام بهم، إذ أن مصداقيتهم اليوم تجاه أهلهم في القطاع تقوم على مدى إخلاصهم لأهلهم واهتمامهم بشعبهم، وعملهم الدؤوب للتخفيف عنهم ورفع الحصار المفروض عليهم.
لا نعتقد أن المجتمعين في القاهرة في حاجةٍ إلى من يذكرهم بالأولويات الوطنية، ولا بالحاجات الشعبية، ولا يريدون من أحدٍ أن يضع لهم برنامجهم أو أن يقترح عليهم قضايا النقاش وبنود الحوار، وإلا فإنهم لا يستحقون أن يكونوا قادةً، ولا يستأهلون المناصب التي يتمتعون بها، ولا يستحقون الثقة التي أوليت إليهم، فحاجات أهلهم في القطاع بادية للجميع وظاهرةٌ للعدو قبل الصديق، ولذا عليهم أن يتحلوا بالمسؤولية الوطنية والأمانة والأخلاق التي تمليها عليهم مناصبهم التي يشغلونها، ويطرحوا في لقائهم حلولاً جذريةً وعلاجاً شافياً لكل الأمراض والأدواء التي يعاني منها سكان قطاع غزة.
وعليهم أن يتحلوا بالجرأة والشجاعة، والوضوح والشفافية، فلا يجبنوا عن فتح أي ملفٍ، ولا يتأخروا في إثارة أي قضيةٍ، ولا يمتنعوا عن اتهامٍ فريقٍ أو تحميل أي طرفٍ معنيٍ المسؤولية، وأن يطلبوا من القيادة المصرية أن تتعاون معهم وأن تقف إلى جانبهم، وأن تقوم بما يمليه عليها موقعها من الأمة العربية والإسلامية، ومكانتها لدى الشعب الفلسطيني، ودورها التاريخي وواجبها القومي، فهذا الحصار المفروض على قطاع غزة لا يليق بمصر العظيمة أن تكون شريكاً فيه، أو جزءاً منه، وما إغلاق معبر رفح الذي هو سيادة مصرية إلا جزءٌ من هذا الحصار، وأحد أكبر أسباب معاناة السكان، ولو أنه مفتوحٌ على الدوام أو بانتظامٍ، والسفر من خلاله ميسرٌ لكل طالبٍ ومحتاجٍ، لهان على سكان قطاع غزة معاناتهم من العدو، ولصبروا على ظلمه، ولثبتوا في مواجهته، وأثبتوا قدرةً كبيرةً على منازلته ومقاومته.
يعرف سكان قطاع غزة قدرة التيار الإصلاحي في حركة فتح على الوساطة لدى القيادة المصرية، ولا يوجد لديهم شك في صدق قيادة التيار وحرصهم على أهلهم في قطاع غزة، فهم يتسابقون في توفير الأموال وتقديم المساعدات، وتيسير الحصول على الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، ولكن هذه الجهود لا تكفي، وهذه المساعدات المقطوعة لا تفي بالغرض، ولا تنقذ القطاع ولا تنتشل أهله من حمأة الفقر وبؤس الحاجة وغول الجوع والحرمان، ما لم يتم فتح معبر رفح، وتيسير سفر المواطنين، والتخفيف من معاناتهم أثناء إجراءات السفر وعلى الطريق من وإلى القاهرة، ولعل شكوى السكان من إغلاق المعبر مريرة، ويشهد عليها العدو قبل الصديق، والمراقبون الأوروبيون والمتابعون من مختلف المنظمات الدولية.
لا نبالغ أبداً ولا نشكو دلعاً ولا نطالب ترفاً، ولا نشهد زوراً ولا نعاني كذباً ولا نفتري ظلماً، ولا ندعي المظلومية ولا نتظاهر بالجوع الحرمان ونشكو من الضيق والحصار، ولا نحب أن نبدي صورتنا بمظهر المساكين الضعفاء، الذين يستدرون العطف ويستحقون الرحمة، ولا نحاول إثارة الرأي العام ولفت الأنظار بغير حقٍ ودون سببٍ، بل إنَّ ما نقوله هو الحق، وما نورده هو الواقع، وما نصفه هي الحقيقة مجردة، التي لا يخفيها إلا ظالم، ولا يتعمد تغييرها إلا متآمر، ولا يحاول طمسها إلا عدوٌ غاشمٌ، ولا يحرص على عدم إبرازها إلا خائف من فضيحة أو مشاركٌ في جريمة، ولهذا فإننا هنا نرسم صورةً صادقةً عن واقع قطاع غزة، ونبين بشفافية حال السكان وأوضاعهم، ونشرح معاناتهم ونستعرض أزماتهم، ونتحدث بوضوحٍ عما يلاقون، ولا نبالغ أبداً في سردنا، ولا نحاول أن نأتي بأمثلةٍ ليست من واقعنا، ولا هي من داخل مجتمعنا.
أيها المجتمعون في القاهرة اعلموا أنكم في مقاومة، وأنكم تحملون الراية، وترفعون لواء الكرامة، وأن المعركة التي تخوضون لهي من أشرف المعارك وأعظم المنازلات، فأنتم بمساعيكم الوطنية ومحاولاتكم المسؤولة تذودون عن شعبٍ شريفٍ، وتحملون هموم أهلٍ كرامٍ، فكونوا على قدر المسؤولية، وأثبتوا جدارةً وأهليةً، ولا تغادروا القاهرة قبل أن تحققوا كسباً وتثبوا حقاً، وزفوا إلى شعبكم بشارةً ينتظرونها وأملاً يترقبونه، وكونوا لهم خير روادٍ وأصدق قادة، إذ مصابٌ بالصمم من لا يسمع شكوى شعبه، ومبتلى بالعمى من يغمض عيونه عن معاناة أهله، وظالمٌ لنفسه ووطنه من يقصر في التخفيف من معاناة أبناء وطنه، فلا تبرحوا أماكنكم قبل إنجازِ ما يتطلع إليه أهلكم، وإلا فلا تعودوا إلى غزة، ولا تتقدموا صفوف شعبكم ولا تدعوا الوصاية عليه والقيادة له.
بيروت في 13/2/2018
واقرأ أيضا:
غزة تستصرخُ الثوارَ وتستغيثُ الأحرارَ / الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة حقبة ترامب / القدس إسلامية الهوية عاصمة فلسطين الأبدية