السلوك البشري الاقتداري المعاصر تحالفي الطباع والنزعات، فلا يمكن لقوة واحدة أن تتسيد وتقبض على أعناق القوى الأخرى وترتهنهم، كان ذلك نسبيا صحيحا على مدى العصور التي كانت تتحكم فيها إمبراطورية واحدة بمقدرات الوجود الأرضي ومن حولها قوى تخاف منها، لكن ذلك السلوك أدى إلى ولادة قوى ونهوضها وانحسار القوة الكبرى، أي أن أية قوة ما أن تنهض حتى تبدأ بوضع البنى الأساسية لضعفها وانهيارها ذات يوم ما. وآخر الإمبراطوريات كانت الإمبراطورية العثمانية التي تهاوت في الحرب العالمية الأولى، بعد أن بلغت ذروة ضعفها، وآخر المحاولات للانفراد بالعالم كانت في الحرب العالمية الثانية التي باءت بفشل كبير بعد أن أحدثت دمارات مروعة في أرجاء الدنيا.
وبعدها أدركت القوى أن الأمر لا يمكنه أن يكون انفراديا ولهذا دخلت في تحالفات وصار العالم بعد الحرب العالمية الثانية ذي قطبين بتحالفاتهما المعروفة، وسقط قطب في العقد الأخير من القرن العشرين، ومضى القطب الآخر بتفرده ولكن بتحالفاته السابقة ففعل ما فعله في العراق وغيره من البلدان، وحاولت القوة الكبرى فيه أن تتفرد فوجدت أن ذلك يكلف كثيرا جدا وتسبب لها بانهيارات اقتصادية قاسية، فعادت إلى تحالفاتها، ومن ثم إرتجت أواصر التحالفات وها هي تسعى للانكماش. وبقيت القوى المتحالفة معها في تحالفاتها ودورها التآلفي مع بعض الاستثناءات، وبهذا هي تخوض غمار التفاعلات الأرضية المحتدمة.
والمنطقة الوحيدة في الأرض التي تخلو من التحالفات المصيرية هي المنطقة العربية التي تعيش حالة تنافرات مؤذية ومكلفة، وحتى التحالف الخليجي تم صدعه، أما التحالفات العربية العربية فإنها ممنوعة ولا يمكن لنظام عربي أن يتحالف مع آخر، ولا يجوز تحقيق تحالف عربي إقليمي مع إيران وتركيا، وبسبب الفشل التحالفي الذريع الذي يعيشه العرب فإنهم أصبحوا أهدافا سهلة وفرائس يتسابق نحوها المتحالفون. ووفقا لذلك فإنها سوح للوحوش المتصارعة على الفرائس العربية السمان، والتي لا تستطيع حتى أن تثاغي بل أسلمت أمرها للمفترسين، وحسبت أن ذلك هو قدرها المكتوب وعليها أن تستكين للقدر!!
والذين يتحدثون عن السلام والازدهار في المنطقة يعيشون في وهم كبير، ويغفلون أن ذلك لا يمكنه أن يكون إلا بالتحالف والتآلف العربي العربي والعربي الإقليمي، وبما أن ذلك من رابع المستحيلات، فإن تنور الويلات العربية في أجيج والأجيال هي السجير.
وتبقى القوة المعاصرة في التحالف والتآلف، فهل من رؤية بصير ودراية بالمصير؟!!
واقرأ أيضاً:
أعداء اللون الأخضر!! / العرب أرقام وليفخر الحكام / سنكون عندما نريد أن نكون!! / ما يحبه وما لا يحبه الله!! / صناعة الحياة!! / الطرق على الأبواب لا ينفع يا عرب!!