الأرض ميدان حروب متنوعة ومتجددة ومبتكرة، وفيها من أدواتها وآلياتها ودوافعها ما لا يمكن حصره بمقال، فالحرب التي تعارفت عليها البشرية ما عادت موجودة، وإنما الذي يدور هو قائمة لا تنتهي من الحروب، ومنها النفسية والإعلامية والفكرية والثقافية والتجارية والعلمية والبحثية والابتكارية والصناعية، فالدنيا في سباق محموم في هذه الميادين وغيرها. فالحرب التقليدية التي عهدناها ما عاد لها أثر، والسبب هو ما أنجزه العقل البشري من ابتكارات ذات قدرات تدميرية لا يمكن تصورها، فالأسلحة المعاصرة تتطور بسرعة مذهلة، وما يُصنع اليوم يبدو قديما بعد ستة أشهر أو سنة واحدة، ولهذا فإن مصانع الأسلحة المجنونة لكي تتخلص من منتوجاتها بسرعة، فإنها تفتح أسواقا وتطورها لاستيعاب الموديلات القادمة من إنتاجها، وهذا يعني أن الحروب لن ولن تضع أوزارها، لأن الطلب يجب أن يتفوق على العرض، وهذا هو القانون الذي سيتحكم بسلوك القرن الحادي والعشرين.
والحروب التدميرية التي تستخدم فيها الأسلحة المتطورة هي التي تطغى على وسائل الإعلام واهتمام البشر، لكن الحروب الأخرى، كحرب المياه والغذاء والحروب الجرثومية والبايولوجية المتنوعة والقتل بالأشعة والصوت والرجات والاهتزازات التي لا يشعر بها البشر، فتمضي في دخان الحروب الدموية التخريبية الفاحشة المتنامية في المجتمعات المستهدفة لثرواتها ومصادر الطاقة التي فيها، ولا يوجد مصدر للطاقة في الأرض إلا وحوله قوافل حروب. والواقع العربي يتعرض لحروب شرسة بكل الأنواع والقدرات، ولم تعد الحرب الفتاكة بالأسلحة المتطورة إلا واحدة منها، فالهجمات الفكرية والنفسية والثقافية والأخلاقية والعقائدية والإعلامية والغذائية والتجارية والمواصلات والحصارات والصولات الإحباطية على أشدها، لقتل العربي نفسيا وفكريا وعقائديا وتحويله إلى موجود متحطب قابل للاشتعال والتحول إلى رماد ودخان.
وهذا جوهر الذي يجري، ولهذا تجد الواقع العربي مصابا بمعضلات متفاقمة لا تعرف حلا، ولا يمكنه أن يفكر بمخرج من المأزق، لأن وابلا من المعضلات المتأهبة للانقصاص تتربص فرصها وبوابات نفوذها لكي تحقق رسالتها التدميرية القاسية. وهكذا فما أن يتم إطفاء نار هنا حتى تتأجج نار هناك، وما أن يخمد صراع هنا حتى يبدأ صراع آخر هناك، وخلاصة هذه المتواليات الخسرانية هو استنزاف طاقات الوجود العربي، وتجفيف عروقه الحضارية والانقضاض عليه بعد أن أصبح كالعصف المأكول، بلا قدرات تؤهله للتحدي والمقاومة والبقاء.
وأخطر ما يجري في الواقع العربي أن العديد من العرب قد تم تأهيلهم لكي يكونوا ضد الوجود العربي، ومن المساهمين في إنهاكه وتفريغة من قدرات الحياة.
وتلك حروب ما بعدها حروب، وفيها يموت الأبرياء والآخرون يخونون فيملأون الجيوب، ولكن خوّان أهله ووطنه سيكون ذات يومٍ تحت أقدام الخطوب!!
و"...إن الله لا يحب كل خوّانٍ كفور" 22:38
واقرأ أيضاً:
الطرق على الأبواب لا ينفع يا عرب!! / تحالفوا وتآلفوا يا عرب !! / الانتكاب والانتهاب!! / عباس محمود العقاد في مكتبة سامراء العامة!! / غياب العدل خراب العقل!!