عالم الْيَوْمَ غير عالم الأمس، وأصبح استعمال المواقع الإلكترونية والتواصل عبر مواقعها الاجتماعية حقيقة يجب التعامل معها. عالم الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence (AI الذي نعيش فيه بدأ يخطو خطوات سريعة منذ منتصف العقد الأول لهذا القرن، وتصادف ذلك مع ولادة الموقع. علينا أن ندرك بأن إطار استعمال المواقع الاجتماعية ومنها موقع مجانين تغير، ومحتوى الاستشارات ربما يعكس هذه القفزة في الحضارة البشرية التي يمكن تلخيصها بعبارة واحدة وهي : تبادل معلومات بدون حدود.
رغم أن استعمال المواقع الاجتماعية ومنها موقع مجانين لا يقتصر على مجموعة معينة من السكان، ولكن عدد الاستشارات الواردة من الجيل الجديد الذي نعرفه الآن بجيل الألفية Millennium Generation أكثر بكثير من الجيل الذي يسبقه. هذا الجيل الألفي هو الذي يراسل الموقع أكثر من غيره هذه الأيام وخاصة على مدى الثلاث سنوات الماضية. ربما تعريف هذا الجيل بجيل المراهقة غير دقيق تماما لأن مراهق الْيَوْمَ غير مراهق الأمس. الْيَوْمَ نتحدث أكثر عن النضج العاطفي والفكري الذي يصاحب البلوغ وانتهى العصر الذي نتحدث فيه عن أعوام المراهقة بين ١١ – ١٩ عاما. هذه الأيام الحديث هو عن النضج الفكري/العاطفي الذي لا يتوقف وأصبح متشابكا مع مفهوم المراهقة التقليدي، ولذلك نسمع بأن مرحلة النضج العاطفي/ الفكري/المراهقة لا تنتهي قبل ٢٥ عاماً. على ضوء ذلك علينا أن نتحدث الْيَوْمَ عن مصطلح جديد غير مصطلح المراهقة البيولوجي الإطار وذي أبعاد اجتماعية ونفسية وتعليمية.
احتياجات البشر والمجتمعات
يولد الإنسان في واحد من مجتمعين. مجتمع يراقب احتياجات جيله الجديد ويحاول تلبيتها وفي المقابل يسمح للجيل الجديد بالتعبير عن احتياجاته والمطالبة بها. وهناك مجتمع آخر يتميز بارتباكه في دراسة وسد احتياجات الجيل الجديد، وكذلك لا يسمح للجيل الجديد بالتعبير عن احتياجاته والمطالبة بها. يحاول المجتمع الأول تنويع الفرص وتشجيع التحرك الاجتماعي، ويحاول المجتمع الثاني استعمال دفاعات نفسية تعزل الفرد عاطفيا وتزيح مطالبه.
لكن عالم الذكاء الاصطناعي الذي نعيش فيه والذي استحدث عالم الإنترنت أدى إلى تغيير كل ذلك. يقارن من يعيش في بلدة فقيرة في الوطن العربي احتياجاته باحتياجات من يعيش في بلدة ثرية في غرب الكرة الأرضية. مفاهيم الجيل الألفي التي انتشرت في الحرم الجامعي الغربي تصل إلى الطالب الجامعي العربي. سلوكيات الجيل الألفي الجديد التي تنتشر في الغرب تصل إلى الجيل الألفي الجديد في العالم العربي. وما يتم تشخيصه بمشاكل نفسية في العالم الغربي لا يختلف كثيراً عن ما يصل الموقع هذه الأيام.
ولكن علينا أن نقبل أيضاً بأن المجتمعات العربية لها مفاهيمها الخاصة بها ومشاكلها الاقتصادية التي تؤثر بصورة مباشرة على الصحة النفسية للجيل الألفي العربي الجديد. حظ الإنسان العربي من الجيل الألفي في الحصول على وظيفة بعد تخرجه من معاهد التعليم أقل بكثيرٍ جدا من حظ من يعيش في الغرب، وكذلك الحال مع تحركه اجتماعياً واستقلاله عن النواة العائلية الأصلية.
هذه العوامل المختلفة يمكن حصرها في أحاسيس وعواطف ومعلومات يستقبلها عضو الجيل الألفي الجديد، وإحدى المصادر هي الإنترنت. ما يستقبله من أحاسيس وعواطف لها تمثيلها الخاص بها في دماغ الإنسان. ولكن الأهم من ذلك كيفية معالجتها في القشرة المخية ومناطق تحت القشرة المخية. هذه المعالجة الأخيرة تتأثر بعوامل عدة منها البيولوجية والبيئية على حد سواء، وهنا تلعب الإنترنت دورها القوي.
لذلك فإن ما نتحدث عنه أدناه هو ليس عن مشاكل المراهق العربي على الإنترنت وإنما نتحدث عن مشاكل العربي الألفي الجديد New Millennial Arabic.
شكوى العربي الألفي الجديد النفسية
يمكن صياغة الاستشارات والإجابات عليها من خلال إطارات متعددة منها:
أولا التعبير عن احتياجات ناقصة: اجتماعية، أبوية، عاطفية، تعليمية، اقتصادية.
ثانيا الاستفسار من أجل التخلص من تنافر معرفي يشعر به الإنسان
ثالثا التعبير عن مشاكل يمكن حصرها في مظاهر اضطراب نفسي.
الاستشارات الجنسية
تحتل الاستشارات الجنسية موقعا متميزاً على الموقع وبدأ محتواها في الثلاثة أعوام الأخيرة يعكس دور الإنترنت والمواقع الإباحية في تلبية الاحتياجات الجنسية الناقصة للألفي العربي الجديد. كانت الاستشارات السابقة تميل إلى العفوية في الطرح، وأما استشارات الأعوام الثلاثة الأخيرة فتعكس تأثير سلوكيات مكتسبة عبر الإنترنت. في عام ٢٠١١ وصلت إلى الموقع استشارة عن ذكر يعيش في الريف المصري في منتصف العقد الثاني من العمر يتحدث فيها عن فتشية حذاء بلاستيك. كان طرحه عفويا ويحاول التخلص من السلوك. أما في الأعوام الثلاثة الأخيرة فإن الطرح هو لسلوكيات اشتهرت عبر عالم الفضاء. ويمكن التطرق إلى هذه الاستشارات كالتالي:
١- العادة السرية
اختفت العادة السرية كسلوك مرضي من مجلدات الطب النفسي قبل أكثر من ١٠٠ عام. الشكوى من العادة السرية عبر الاستشارات سواء من الذكور أو من الإناث تعكس ما يلي:
غياب حياة تعليمية اجتماعية تدفع الفرد لمواجهة التحديات.
غياب شبكة اجتماعية تسد احتياجات الألفي العربي الجديد.
عدم وجود ثقافة جنسية تعليمية من خلال المعاهد التعليمية.
قوة العامل الديني في الشعور بالذنب.
تطبيب هذا السلوك من قبل البعض سواء في الطب النفسي أو غيره من الفروع محاولة يائسة. رغم ذلك هناك مصطلحات طبنفسية لا تزال تضع ممارسة العادة السرية في إطار اضطرابات أخرى مثل الاستمناء القهري وإدمان العادة السرية. هذه السلوكيات لا تصل إلى الطبيب النفساني بمفردها وتصاحبها دوماً أعراض أخرى تغطي على معالجة المريض بسرعة.
٢- غشاء البكارة
الخوف من فُض غشاء البكارة عن طريق الاستحمام وممارسة العادة السرية يتكرر على المواقع ويصاحبه كذلك الشكوى من إفرازات مهبلية. هذه الاستشارات مصدرها انعدام الثقافة الجنسية والصحية. الأهم من ذلك أنها تعكس مشاكل الخدمات الصحية في العالم العربي حيث لا تتوفر للألفي العربي الجديد مراجعة طبيب محلي ومراكز خدمات الصحة الأنثوية. بالطبع لا يمكن غض النظر عن أن الخوف من فُض البكارة وفقدان العذرية قد يكون مصدره بداية ظهور أعراض القلق والاكتئاب.
٣- الخطل الجنسي
يواجه الخطل الجنسي أزمة القضاء عليه في الممارسة العملية للطب النفسي. البيدوفيليا وباء عالمي تتفق الحضارات على تطهير المجتمعات منه. أنواع الخطل الجنسي الأخرى تم حصرها هذه الأيام بمصطلح الألفية الجديد وهو : ربط/انضباط/سادية/مازوشية (راسم) أو ما نسميه BDSM. تكاثرت هذه الاستشارات عبر الموقع كالتالي:
التفكير المفرط فيه من الألفي العربي الجديد.
ممارستها من الجيل الذي يسبق الألفي العربي الجديد.
كلاهما يكتسب هذا السلوك من الإنترنت ولا يعكس إلا حقيقة واحدة: البحث عن الإثارة في حياة مملة لا تلبي احتياجات الإنسان العصري.
الطب النفسي بدأ يميل بسرعة إلى عدم تطبيب راسم وهذا ما يحدث على الموقع أيضاً. ولكن راسم هو الآخر قد يكون محتوى لعلامات اضطراب نفسي جديد مثل القلق والاكتئاب.
٤- المثلية
موضوع المثلية على الموقع يظهر على الموقع كالآتي:
١- الاعتراف بالتوجه المثلي سواء بين الذكور أو بين الإناث والشكوى من أعراض نفسية بسبب القيود الاجتماعية.
٢- ارتباك هوية التوجه الجنسي.
٣- محتوى الفكرة الوسواسية والقلق هو عن المثلية.
انتهى تطبيب المثلية الجنسية، والموقع لا يدخل في جدال عن هذا الموضوع. ارتباك التوجه الجنسي كثير الملاحظة، ولكن شيوعه في الجيل الألفي الجديد لا يختلف عن الأجيال السابقة.
أما وسواس المثلية فهو لا يقتصر على العالم العربي وإنما ظاهرة أزلية في الوسواس القهري حيث تقليديا لا تزال الوساوس تصنف:
١- وساوس محتواها عنف
2- وساوس محتواها جنسي
3- وساوس محتواها ديني
٥- الهوية الجندرية
سيولة الهوية الجندرية (إحساس الإنسان بأنه ذكر أو أنثى) ظاهرة الألفية الجديدة في جميع أنحاء العالم، وتأثير الإنترنت على الهوية الجندرية أكثر وضوحا من تأثيرها على الصحة النفسية عموما. الاستشارات التي تصل الموقع قليلة ولكن ارتفاع انتشار الظاهرة في الجيل الألفي الجديد أكثر وضوحاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة. من جهة أخرى نرى بأن من يستشير الموقع له بعض الإلمام بالعلاج، والسؤال الذي يطرحه هذه الأيام هو أين يذهب للعلاج من أجل التحول من جنس إلى آخر.
الاستشارات العاطفية
عدم التوازن الوجداني كثير الملاحظة في استشارات الموقع. تتميز هذه الاستشارات بما يلي:
١- غياب شبكة اجتماعية على أرض الواقع.
٢- الغياب العاطفي للأب أو الأم.
٣- غياب الدعم النفسي في المؤسسات التعليمية.
٤- غياب الخدمات الصحية النفسية للجيل الألفي الجديد.
تكمن مهمة المستشار في صياغة الاستشارة في إطار اجتماعي نفسي أو طبي. رغم ارتفاع الشكوى من أعراض عاطفية ولكن الدليل على زيادة انتشار الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب كما هي معرفة إحصائيا لا وجود له.
تلعب الإنترنت دورها في زيادة الوعي عن المشاكل النفسية وتحفز الإنسان على العلاج.
سلوكيات الشخصية الحدية
المتتبع للموقع على مدى ١٥ عاما يلاحظ بسهولة ارتفاع عدد الاستشارات التي تحتوي على سلوكيات الشخصية الحدية وبالذات إيذاء النفس. هذه الاستشارات أكثر تفصيلا من السابق، ويتم استعمال المصطلح أحياناً من قبل المستشير نفسه.
أصبح سلوك إيذاء النفس سلوكا وبائيا في الجيل الألفي الجديد ولا يحمل وصمة المرض النفسي كما كان الحال سابقاً. الاحتمال الوارد بأن هناك علاقة بين استعمال الإنترنت وشيوع هذه السلوكيات عالمياً.
الاستنتاج
يجب علينا القبول بأن الجيل الألفي الجديد هو جيل الإنترنت أيضاً ويتأثر بما يحدث عالميا وشبكته على أرض الواقع هذه الأيام أقل تأثيراً عليه. اختيار الزوج عبر الإنترنت حقيقة يقبل بها الجميع الْيَوْمَ.
تأثيرات الإنترنت على الجيل الألفي الجديد ليست جميعها سلبية كما يتصور البعض وإدمان الناس عليها ضئيل جداً واستعمالها باعتدال له فوائده الصحية.
علينا أن نتعامل مع الجيل الجديد لتلبية احتياجاته الناقصة والاستماع إليه. دون ذلك تقف الشعوب تتفرج على قطار الحضارة السريع على جانب السكة الحديد.
واقرأ أيضًا:
الجنسانية الحديثة Neosexuality / الثناقطبي Bipolar