العربية من أغنى لغات الأرض بمفرداتها، وليس هذا ادّعاءً، فقد استمعت في تسعينيات القرن الماضي لسلسلة محاضرات عن المقارنة بين اللغات، وتبين لي أن اللغة العربية هي الأثرى والأقدر على المواصلة والعطاء، فمن بين أكثر من سبعة آلاف لغة بشرية، العربية هي الرابعة، ويتكلم بها أبناء اثنين وعشرين دولة، وتنتشر في أكثر من ستين دولة، ويوجد إقبال على تعلمها في دول الدنيا كافة، خصوصا وأنها مترافقة مع الإسلام والكتاب المنزل بلسان عربي مبين.
ويبلغ عدد المفردات باللغة العربية أكثر من اثني عشر مليون وثلاثمائة ألف كلمة، ولا توجد لغة أخرى تضاهيها بهذا الكم الكلماتي، فمن خصائصها أن للأشياء والموجودات أكثر من اسم، فالعسل له ثمانين اسم، والأسد خمسمائة اسم، والسيف ألف وخمسمائة وللناقة ألف اسم، وقس على ذلك.
ومعظم لغات الدنيا قد أخذت كلمات من العربية، فلا تكاد لغة تخلو من عدد من الكلمات العربية، فالعديد من الكلمات باللغة الفارسية والتركية والأثيوبية عربية، ولو نزعت منها الكلمات العربية لتعثرت، وفي اللغات الأوربية العديد من مفرداتها. فالعربية أعطت للغات أكثر مما أخذت منها، ويمكنها أن تستوعب الأسماء والمصطلحات المتوافقة مع العصر الذي تكون فيه، لأن أبجدياتها جامعة، فهي تضم ثمانية وعشرين حرفا، وبهذا تتفوق على العديد من اللغات، وأن أصوات حروفها ذات نسق فسيولوجي يستوعب قدرات النطق البشرية.
وأنها لغة سهلة وجميلة ومحفزة للانطلاقات الحضارية الأصيلة، وتختزن طاقة إبداعية مطلقة في الميادين والنشاطات العلمية والأدبية والفلسفية وما يمكن للعقل أن يتواصل معه ويعبّر عنه. ولديها القدرة على التعبير الأمثل عن الأفكار الأساسية والجوهرية والكونية بأسلوب عذب ومتناسق جذاب ومؤثر بالنفس والروح والعقل.
ويحاول البعض من الجاهلين التوهم بأن العربية من أصعب اللغات وأفقرها وأتعسها، وهناك هجمة عدوانية تنتهج أساليب نفسية وسلوكية مدروسة للوصول إلى بناء الحواجز النفسية ما بين العربي ولغته، بتكرار ضخ الأضاليل في رأسه، على أن سبب تأخره وقهره يكمن بلغته، وبأنها لغة شعر وحسب، ولا يمكنها أن تكون لغة علم ومعاصرة، وكأن على العربي لكي يتقدم ويعاصر أن ينسلخ عن لغته.
وهذا هو البهتان الكبير، لأن اللغات البشرية لا علاقة أساسية لها بالتقدم والتأخر، وإنما أساليب التفكير المعتمدة، وفقدان القيادات المقتدرة، من أهم عوامل التأخر، فاللغات أوعية أهلها ومستودعات ما فيهم وعندهم، فإن خوت عقولهم أصاب لغاتهم الخواء، وإن أثرت فإنها تثرى بهم، وما يميز العربية عن غيرها أنها تمتلك تراثا مكتوبا بها لا يمكن مقارنة أي تراث لغوي آخر به، وزيارة لمكتبة تراثية عربية تؤكد هذا المخزون والمكنون الفكري الذي لا يمكن أن يحيط به شخص لو أفنى عمره، كما أن مفرداتها لا يمكن لشخص أن يلم بها كلها، لأن العربية تراكمات أجيال أسهمت في تنوير المسيرة الإنسانية على مدى قرون زاخرة بالإبداع، وهذا لم يحصل للغة سواها.
تحية للغة الضاد، ملكة اللغات، وتاج المعارف الإنسانية، ووعاء الأنوار العربية الحضارية!!
واقرأ أيضاً:
الكلام الخائب والصائب!! / الإرادة العربية الغائبة والإرادة الدولية الحاضرة!! / الأنظمة الوطنية المجهولة!! / القيادة والإرادة!!