كشف كثير من الدراسات والإحصائيات أن المرأة أكثر عرضة للمتاعب النفسيه من الرجل، بل أن أحدث الدراسات أثبتت أن ما يقرب من ثلاثة أرباع النساء يتعرضن لمتاعب نفسية في خلال مرحلة ما من مراحل حياتهن، كما خرج تقرير حديثا من منظمة الصحة العالمية يفيد بأن عددا أكبر من النساء يتأثرن بالاكتئاب مقارنة بالرجال. وهذا الكلام ينطبق على جميع نساء العالم، فما بالنا بنساء المجتمعات والبلدان الشرقية اللاتي يتعرضن لضغوط مضاعفة سواء في مجالات الأسرة أو العمل أو في الحياة عامة.
السؤال الآن : لماذا ؟
هل لأن المرأة ضعيفة والرجل أقوى؟
هل لأن طبيعة المرأة العاطفية وتناولها لكل أمورها من منطلق وجداني- بعكس الرجل الذي يتحرك من خلال العقل- يجعلها تستهلك كثيرا من المشاعر مما أدى إلى هشاشة نفسيتها ؟، فأصبحت أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية؟
أم لأن المرأة تتعرض للاضطربات الهرمونية في مراحل عمرية مختلفة من حياتها، وبدورها تؤثر بالسلب على صحتها النفسية ؟
في الحقيقة كل هذة الأسباب مجتمعة بالإضافة إلى أسباب أخرى..أسباب قد تعود لفترات مبكرة من عمرها، من مرحلة الطفولة أو المراهقة أو الشباب المبكر وحتى وصولا إلى مراحل النضج المختلفة … في كل هذه المراحل تقابل حواء بالعديد من المواقف والتجارب التي لا تستطيع التعبير فيها عن نفسها بارتياحية ولا الإفصاح عن حقيقة ما يجيش داخل أعماقها، والسبب في هذا يعود إلى ثقافة التربية، التي تحتكر على المرأة مشاعرها، معظم النساء في المجتمعات الشرقية تربت على الكتمان وعدم البوح والتصريح بكل ما بداخلها من مشاعر غضب أو افكار رفض، وحتى تتضح الصورة سأتطرق لبعض الأمثلة على ذلك …
كم من فتاة عنفها أبوها أو أمها وهي صغيرة وكتمت بداخلها مشاعر غضب، كم من فتاه شعرت بفرق في المعاملة بينها وبين أخيها ولم تجرؤ أن تفصح عن كل المشاعر المعتلة داخلها، وإذا جرؤت تلام على جرأتها … تكبر الفتاة أكثر وتختار شريكا لحياتها وبعد الزواج تصاب بإحباط وندم على اختيارها فلا تجرؤ على اعلان ندمها حتى أمام نفسها كي لا تشعر بالفشل، وتكمل على أمل الإصلاح وتستمر الإحباطات وتستمر هي في كتمان مشاعرها الحقيقية من ندم أو غضب أو إحساس بالفشل، وهكذا حتى في مجالات العمل تواجه المرأة بخيبات كثيرة ومواقف صعبة كتعنيف رؤسائها أو حرمانها من فرص مساوية لزميلها الرجل وتحاول المواجهة ولكنها نادرا ما تصل إلى نهاية مريحة ومرضية لها…
مثل هذه التجارب والمواقف التي تواجهها بعض النساء تخلق بداخلهن نهايات لحكايات تظل معلقة وغير مغلقة … بل هي حكايات يستمر صداها داخليا ينعكس على علاقتها بالآخرين، فمثلا نجدها تتعامل مع زوجها بندية واضحة ومع أقل موقف تختار أن تغضب وتثور وهي ما يسميها الرجال (بالزوجة النكدية) وهي في الحقيقة تثور بسبب الحكاية القديمة بداخلها – حكاية غضبها المكتوم ضد والدها- ومخزون داخلها كل هذه السنين …المرأة التي دائما تشعر بالظلم وتعيش دراما إنسانية هي لم تكن هكذا ولكنها لم تستطع في حكاية قديمة أن تبعد الظلم عنها أو تدافع عن نفسها فتأتي بمشاعر حكايتها القديمة وبمشاعرها المختزنة لتمارس حقها في الدفاع عن نفسها أمام أدنى ملامة، ولأن نفسيتها التي عانت من قبل في حكايات سابقة تصور لها إنها مظلومة، وقد يراها كل من يتعامل معها إنها امرأة مبالغة (المرأة الأوڤر) وهكذا تستمر اللعبة، وإذا ما لم تستطع المرأة إنهائها وغلق حكايتها القديمة عن طريق التعبير عن مشاعر الغضب أو الرفض أو الاستياء، نجدها تجلبها معها في المستقبل، فنجدها قلقة متوترة متوجسة قد تفقد الثقة في الآخرين، وقد تصبح امرأة هجومية او امرأة مبالغة في التعبير عن غضبها ومثل هذه الأنواع من النساء إذا أضيفت إلى حياتهن ضغوطات آخرى وصدمات حياتية مجتمعية يقعن فريسة للمرض النفسي وخاصة الاكتئاب.
لذا لكل امرأة أقول من فضلك عبري عن غضبك ..من فضلك استخرجي من صندوقك الأسود كل المشاعر السلبية وواجهي بها الطرف الآخر أبا، أما، أخا، زوجا، ابنا، رئيسا في العمل، وكل من تشعرين أنه أذاك نفسيا، لا تصمتي لا تكتمي، ولا تهربي من المواجهة وتتركين الحكايات القديمة معلقة وذات نهايات مفتوحة مستترة داخلها غضبا مكتوما سيقودك يوما إلى المرض النفسي.
واقرأ أيضًا:
الليبرالية هي الإيمان الحقيقي / عندما تتشوه الأرواح / تأملات امرأة من داخل مستشفي الأمراض النفسية / في عيد ميلاد الثورة / من منكم بلا خطيئة / عفوا أمي …