لعل الوسوسة بسلامة غشاء البكارة من عدمها Hymen Obsession عرضا تمر به غالبية مريضات الوسواس العربيات في مرحلة ما من حياتهن، وربما زارت المريضة الطبيب النفساني بهذا العرض -وهذا نادر الحدوث مقارنة بمن تذكره في رشدها بعد الزواج- وتحكيه لطبيبها المعالج كجزء من تاريخها المرضي، والحقيقة أننا بعيدا عن الوسواس القهري والمريضات به نجد فرط الاهتمام والخوف على سلامة غشاء البكارة بمثابة العلة المتوطنة في الأفهام في مجتمعاتنا، وربما لا توجد أنثى عربية لم تقلق بشأن الغشاء وسلامته. ففي المجتمعات العربية بشكل عام ما يزال يعتبر غشاء البكارة السليم الذي ينزف ليلة الزواج دليل العذرية/العفة بالنسبة للبنت وأهلها ذكورا وإناثا، وما تزال الأم تربي ابنتها على اعتبار أن ما بين رجليها هو مثلث الخطر.
ولذا فإن الانشغال الدائم (والذي يصل حد الوسوسة والهوس أحيانا) بالعذرية وكيفية الحفاظ على العذرية وكيفية الإبقاء على سلامة غشاء البكارة حتى الزواج ربما نجده لدينا نحن فقط كمجتمعات شرقية وعربية، أي المجتمعات التى ما زالت تحافظ على قواعد دينية وأصول اجتماعية على الأقل في العلن.
وحين تتعرض البنت لما يمكن اعتباره من وجهة نظرها خطرا على الغشاء فإن قليلات جدا يمر عليهن الأمر مرور الكرام أما الغالبية فمنهن من تتكتم الأمر وتدعو الله ليلا ونهارا أن يسترها رغم أنها لم تفعل ما تخاف منه، وأخريات تخاف الواحدة منهن من مجرد ذكر هذا الغشاء، وهناك من تسقط في فخ الفحص الذاتي المتكرر وهناك كثيرات يذهبن لطبيبات النساء والتوليد ويفحصن أنفسهن ولا يقتنعن ويظللن أسيرات خوفهن.
وربما من فرط أهمية الموضوع يصح القول بأن مستوى القلق المقبول اجتماعيا والمرتبط بهذا الموضوع عالٍ بما يكفي للتغطية سنوات على أعراض مرض الوسواس القهري حين يقتصر الأمر على الانشغال بغشاء البكارة ... ففضلا عن السرية المفرطة التي تحيط بالأمر نجد استعدادا من الأهل لاعتبار كمٍّ مرضي من القلق طبيعيا لأن الأمر يستحق، ثم أخيرا غالبا ما ينظر طبيب/ة النساء والتوليد للحالة على أنها طبيعية رغم أنها تعرض نفسها عليه طالبة الفحص مرتين وثلاثة ... وفقط حينما يصبح الأمر مملا وغير معتاد في عيادات النساء والتوليد يبدأ التفكير في العرض على طبيب نفساني.
والذي لا شك فيه أن دخول الإنترنت إلى حياتنا مثل مخرجا وملاذا لكثيرات من البنات إذ لجأن إلى المواقع التي تقدم خدمة الاستشارات ورحن يسألن ويعدن السؤال، وتختلف كثيرا الأسباب المتخيلة لحدوث أذى لغشاء البكارة ما بين التعرض للتحرش في الصغر أو ممارسة الاسترجاز (العادة السرية في البنات) أو كثرة الحك أو الهرش في المنطقة التناسلية لأي سبب من الأسباب أو التعرض لتيار ماء قوي أثناء الاستنجاء أو إدخال الإصبع في فتحة المهبل لمعرفة نزول الطمث أو انقطاعه أو التأكد من ذلك، .... وأحيانا لمجرد الإحساس بألم خفيف في الحوض وأحيانا بسبب رؤية قطرة دم في غير وقت الطمث، وهناك من تشك في بكارتها دون أي أسباب واقعية إلا ربما سماع قصة عن فاقدة الغشاء أو أذية غشاء البكارة، ومن المضحك المبكي أن أصبحت توجد صفحات على الفيس بوك لها عناوين مثل أخصائية ترقيع البكارة تطلب من البنت صورة للفرج والغشاء وكثيرات يقعن في الفخ كما في استشارة اختصاصية ترقيع البكارة أهلا وسهلا! وأيضًا إرسال صور الغشاء لأطباء.
كما تختلف ردود أفعال البنات أيضًا كثيرا فمنهن من تكتفي بسؤال أختها أو أمها أو صديقتها وتطمئن لردها وينتهي الأمر ومنهن من يصبح الأمر بالنسبة لها وسواسا قهريا بحق ورغم أن الفكرة التسلطية واحدة هي ربما تعرض الغشاء للأذى إلا أن القهور تختلف كثيرا كما يبين الجدول التالي:
1- قهور التحاشي Avoidance Compulsions |
2- قهور التحقق Checking Compulsions : والذي يعني التأكد وتكرار التأكد بالفحص سواء كان فحصا ذاتيا متكررا باستخدام المرآة وحديثا أصبح منهن من تقوم بتصوير غشائها مستخدمة المحمول لكي تطالع الصورة لتطمئنها كلما داهمها الوسواس، أو فحصا تقوم به إحدى الإناث في محيط الأسرة، أو فحصا يقوم به طبيب/ة النساء. |
3- قهور طلب الطمأنة Reassurance Compulsions : |
4- قهور الاسترجاع والتذكر Remembering Compulsions : |
وهناك شكل ربما أكثر تعقيدا من أشكال وسواس الغشاء يمكن تسميته وسواس غشاء البكارة بالوكالة تكون فيه الموسوسة ليست صاحبة الغشاء وإنما أمها أو أختها الأكبر (ونادرا أبوها أو أخوها) ويصبح تطبيق القهورات مفروضا على الضحية أو الطفلة فتتمثل قهورات التحاشي فيما يمكن تشبيهه بسجن الطفلة ومنعها منعا كاملا من التواجد وحدها مع أي ذكر كائنا من كان، وتصبح قهورات التفحص وطلب الطمأنة والتأكد من سلامة الغشاء شكلا من أشكال التحرش الجنسي بالطفلة رغم اختلاف النوايا وربما قيام أطباء بالفحص دون انتباه، كما يمكن أن تمارس قهورات الاسترجاع والتذكر على الطفلة التي يطلب منها بإلحاح تذكر وحكاية تفاصيل ما حدث مثلا حين انفرد بك فلان ...إلخ، ولأي من تلك الممارسات غالبا آثار سلبية قريبة وبعيدة المدى.
ما يحدث عادة لمريضات وسواس قهري الغشاء يظهره الشكل التوضيحي أمامك في هذه الصورة، فعلى خلفية من الأفكار بشأن هشاشة الغشاء وأهمية سلامته المفرطة في ليلة البناء و/أو مشاعر الذنب الجنسي لسبب أو لآخر واقعي أو غير واقعي ينفجر القلق بشأن سلامة الغشاء دافعا للرغبة في الاطمئنان عليه من خلال الفحص سواء الذاتي أو بمساعدة أخرى أو الفحص الطبي فلا تكون نتيجة ذلك إلا قلقا وشكا بشأن صدقية الفحص وصدقية إعطاء النتيجة أو بشأن آلية الفحص وما شعرت به البنت قبلها أو بعدها ... ثم شكا في سلامة الغشاء ورغبة في تكرار فحصه طلبا للاطمئنان الذي لا تناله البنت عادة إلا بعد ليلة الدخلة ورؤية الدم!! وأحيانا رغم كل ذلك لا تطمئن رغم نجاح الزواج !.
وأخيرا من المهم بمكان بالنسبة للمعالج السلوكي المعرفي (م.س.م) وللاختصاصي النفسي والاجتماعي أن يلم بالمعلومات التشريحية والفسيولجية التي تمكنه من معرفة متى يمكن أن يضار غشاء البكارة، وكذا أن يكتفي في الحالات الملتبسة بطلب الفحص النسائي مرة واحدة فقط –إذا لم يكن حصل من قبل- وعدم السماح بتكرار الفحص مهما كانت الأسباب التي تسوقها المريضة، كما أن من المهم التواصل مع من تقوم بالطمأنة لمناجزة مشكلة طلب الطمأنة، كما يحتاج التعامل مع القهور الخاصة بهذا الموضوع كثيرا من القدرة على تحفيز المريضة وابتكار الوسائل التي تشعرها بالأمان دون الحاجة لطلب الطمأنة......
واقرأ أيضًا:
نفسجنسي PsychoSexual : غشاء البكارة Hymen Obsession