مجتمعنا مؤهل للتشظي والانشطار والتفرق والتبعثر والتنافر والصراع العبثي، لأن الطاقات البشرية لا تجد سبيلا لتصريفها والتعبير عنها، ولهذا فهي تتخذ طريق الانحراف والتطرف والانحباس والانفجار والاحتكاك المرير مع الذات والموضوع، وهذا يفسر كيف أننا نتفاعل بسلبية وعصبية وانفعالية وبأسلوب تدميري لبعضنا البعض.
والعناصر الفاعلة في مجتمعنا والتي تؤهله لكي يتفتت ويضيع عديدة ويمكن النظر في بعضها.
أولا: الاختناق الاقتصادي
الوجع الاقتصادي في مجتمعاتنا قاسي وأليم، ولم تتمكن أنظمتنا السياسية من تخفيفه ومعالجته, وفقا لما يحقق السعادة والرفاهية للناس.
وإنما الموضوع يتفاقم والآلام تتعاظم وعناء الحاجات يتراكم، وهذا يحقق الإحباط المؤثر في بناء تفاعلات سلبية ذات تأثيرات ضارة على المجتمع، وتجعل أبناءه مستعدين للضياع.
ثانيا: الركود العام
عندما لا تجري مياه الحياة وتجد المجتمعات أنها تعيش في مستنقع خانق، فإنها ستساهم في دائرة الصراع البقائي المفرغة، والتي تستنزف طاقات وقدرات المجتمع وتجعله مؤهلا لأي منفذ أو وسيلة تتجدد بواسطتها مياه وجوده.
ثالثا: الظلم وضياع العدل
أنظمتنا تتحدث عن العدل لكنها تظلم بأفعالها، والظلم من أبشع الوسائل التي يتعامل بها الحكام مع أبناء وطنهم، لأن الظلم يحقق حالة من الكراهية والمشاعر السلبية المحتدمة، وبهذا تساهم الأنظمة في تأجيج ما هو معادي لوجودها ووجود أبناء المجتمع, وتؤهلهم ليكونوا ضحايا للآخرين.
رابعا: اندحار القانون أمام سلطة الكراسي
في مجتمعات تعلو فيها الكراسي على القوانين والأوطان لا يمكن بناء وجود اجتماعي يتحلى بالمعايير والقيم الوطنية، وتفقد المواطنة معانيها، ويكون المقياس مدى الاقتراب والابتعاد عن الكرسي، وبهذا تتوفر الأسباب اللازمة للنقمة والانتقام ومحاولة التفاعل مع أية قوة من أجل أن يتحرر البشر من مأزق الكرسي وفقدان قيمة القانون ودوره في الحياة.
خامسا: غياب المشاريع والاستثمارات العربية - العربية
سلوكنا بصورة عامة يميل إلى الإتلاف وليس إلى الاستثمار، فلا توجد مشاريع استثمارية عربية - عربية إلا فيما ندر، ومعظم الاستثمارات في دول أجنبية، وهذا السلوك يخلق حالة من الحنق والكراهية في الأعماق، ويجعل الفرد يختزن الكثير من المشاعر الضارة، لأنه يرى أموال بلاده تذهب إلى غيره وهو يتضور فوق لهيب العناء اليومي المتفاقم.
سادسا: العقل الاقتصادي المفقود
عبر مسيرة القرن العشرين يبدو أن عقلنا لا يمتلك القدرة على التفاعل الاقتصادي المفيد لأبناء المجتمع.
فجميع الأنظمة لم تبشر بسياسات اقتصادية بقدر ما اتخذت مناهج الحروب والقمع وسيلة للحكم، ولهذا لم تقدم لأبناء المجتمع مردودات اقتصادية ذات قيمة وطنية ومؤثرة في الحياة بأجيالها المتوافدة.
سابعا: قمع الإبداع وعدم رعاية الأفكار
الإبداع مقتول ومن الصعب أن تجد تفاعلا مؤثرا للمثقف في بناء المجتمع, أو أي دور في تحقيق التقدم والرفاه، لأن العديد من الأنظمة في مجتمعاتنا تحارب المثقف وتميل إلى اضطهاده وتدمير حياته ومطاردته، لأنه يعبر عن رأيه ويريد الخير لمجتمعه، وبذلك يناهض النظام الذي يخدع شعبه ويسعى إلى مصالحه الفردية والحزبية وحسب.
ثامنا: فقدان قدرات استثمار الطاقات
مجتمعاتنا غنية بالطاقات والقدرات الخلاقة، لكن أنظمتنا تميل إلى القهر ومنع الطاقات من التحول إلى مشاريع، وتحاول جاهدةً أن تقضي عليها وتدفنها في الحروب والصراعات، وبهذا تؤهل أصحابها للهلاك.
تاسعا: عدم احترام العلم والعلماء
العلم أساس التقدم والرقاء وهو فضاء رحب يستوعب الأجيال, ويساهم في تأسيس معالم التفاعل الحر السعيد ما بين أبناء المجتمع، وبغياب قيمته ودوره يختنق المجتمع.
وكذلك عندما لا يجد العلماء لهم دور في مسيرة مجتمعهم ويفقدون قيمتهم فإنهم يرحلون، وبذلك يصبح المجتمع خاويا وضعيفا لأن العلماء قوة أساسية في أي مجتمع.
عاشرا: قلة مراكز البحوث
مجتمعاتنا ترزح تحت ثقل المشاكل المتفاقمة ولا نملك القدرة العملية الناجحة على حلها، وذلك لأننا لا نقدّر البحث ولا نحترم أهمية البحث العلمي في ابتكار الحلول للمشاكل التي نواجهها. وبسبب المشاكل وغياب الحلول نكون في حالة مربكة ومؤثرة في تماسك المجتمع وتجعله هشا ومفتتا.
حادي عشر: التحزبية والصراعات السياسية
الأحزاب تتصارع بقسوة لأنها تفقد بوصلتها الوطنية وتنغلق في طموحاتها الكرسوية، فهي تريد أن تحكم وحسب، أما الوطن ومصالحه فهي قد لا تعرفها في أكثر الأحيان، ولهذا فإن الأحزاب في مجتمعاتنا تتصارع ولا تتفاعل بأخلاق وطنية، وهي بذلك تساهم في تمزيق المجتمع وتردي أوضاعه الاجتماعية بل وتخرب أخلاقه وقيمه.
ثاني عشر: ثقافة الخراب
الخراب قوة فاعلة في لا وعينا ومؤثرة على سلوكنا وقائمة من حولنا ونمارسه كل يوم, فنخرب نفوسنا وأخلاقنا وأفكارنا وما حولنا من الأشياء،.
فنحن نقطع أكثر مما نزرع, ونهدم أكثر مما نبني، ونساهم في العديد من التصرفات التي تمنحنا معاني الدمار، ولهذا فإن البناء في عرفنا عسير والخراب هو الفعل الذي نجرؤ عليه، وقد أبدعنا في وسائل الخراب المتنوعة, والتي أضعفت حالنا وأحرقت معالم وجودنا القوي وأهلتنا للانشطار.
ثالث عشر: الدين
نحن أمة يفرقها الدين الواحد، بل ويمزقها، وتجد أبناء الدين الواحد في صراعات دامية مخزية لا تمت إلى الدين بصلة، فالدين الواحد بدلا من أن يكون مصدر قوة أصبح مصدر ضعف وتشتت، وهذا يثير تساؤلات لا تعرف أجوبتها. فالدين تجارة مربحة وله تجاره المحترفون.
رابع عشر: انحراف مهارات التحدي والصراع
هل نعرف التحدي وإطلاق طاقات الحياة ومهارات التفاعل الإيجابي مع المستجدات، نعم نعرف ولكننا ننحرف في تفاعلاتنا وننقلب ضدنا بدل أن نواجه التحديات بتماسك واتحاد وقوة جماعية متفاعلة.
وأي مواجهة تدفع بنا إلى التبعثر والتحلل وتوفير الفرص الكفيلة بنفاذ ذلك التحدي فينا وخلخلة صفوفنا.
خامس عشر: الهوان الذاتي وفقدان الثقة بالنفس
الدونية شعور يطغى في مجتمعاتنا، والشعور بالتأخر قوة تفعل فعلها فينا وتسحق طاقاتنا, وتدفع بنا إلى أن نتدهور ونحترق في تنور الخيبات المتأجج.
وهذا يسلبنا الثقة بالنفس ويفرغنا من قدراتنا وأية قوة على الفعل المؤثر في الحياة.
سادس عشر: اليأس والكآبة
ظروف مجتمعاتنا توفر أسباب ودواعي الكآبة واليأس، وعندما تكون المجتمعات كئيبة فإنها تنحسر وتتدهور وتميل إلى فعل ما هو ضار بها، وتنعزل عن الحياة وتقبع في ماضيها, وتستحضر الذكريات السلبية التي تؤثر في سلوكها وتفكيرها ورؤاها.
وبتفاعل هذه الأسباب فإننا نكون من أكثر المجتمعات استعدادا للتمزق والتفتت، ولا يمكن للغة الواحدة والدين الواحد والتأريخ المشترك أن تمنع هذا التشظي الفتاك، والذي يُخشى أن يعم وينتشر وكأنه فيروس جديد لتحقيق الدمار الصاخب في مجتمعاتنا، المبتلاة بمَن يستثمر وسائل الاستبداد لفرض إرادة الكرسي على إرادة البشر، وسلب حقوقه الإنسانية وامتلاك مصيره ومصادرة حياته وتحويله إلى أرخص بضاعة.
فهل لنا أن نستيقظ ونستفيق من رقدة العدم؟!!
(الجمعة 07/08/2009)
واقرأ أيضاً:
مَن يرفع راية الإسلام يدمّر الإسلام!! / أبعدوا الدين عن الكراسي يرحمكم الله!! / تعطيل العقل بالدين!!