الفصل التاسع عشر
ومازال الألم معلما من نوع خاص، وبالذات لبعض الشخصيات العنيدة من أبنائنا؛ فالتجربة عندهم هي الأساس كي يتعلموا، والنصيحة الغالية أرخص عندهم من حفنة تراب؛ لذا فهم لابد أن يعانوا المر حتى يقتنعوا بكلام العقلاء الناصحين المخلصين، والقصة التالية تُظهر هذا المعنى وتؤكده بوضوح:
حُكِي عن بعض الملوك أنه ركب سفينة وبصحبته ولده الذي لم ير البحر أصلا ولم يجرب محنة السفينة، فابتدأ يصرخ ويئن وقد تهافت على نفسه وهو يرتعد خوفا من الغرق، وبمقدار ما لاطفه الناس لم يستقر له قرار، فتنغص عيش الملك حيث أعيته به الحيلة، وصادف أن كان في تلك السفينة حكيم فقال للملك، إذا أمرت فإنني سأسكته؟.
فأجابه الملك: تكون بذلك قد بلغت غايـــة اللطف.
فأمر الحكيم بأن يُلقى الغلام في البحر، فتقاذفته الأمواج، حتى إذا أشرف على الهلاك أمر أن يُجذَب من شعره إلى السفينة فتشبث الغلام بكلتا يديه بسكانها، ولما أحس أنه أصبح على سطحها جلس منزويا واستقر آمنا، فكبر عندئذ تدبير الحكيم بعين الملك، وسأله أن يوضح له السبب؟!.
فقال: إن الغلام يا سيدي لم يتجرع قبل غصة الغرق حتى يعرف قدر السلامة في السفينة، وكذلك لا يعرف أحد قيمة العافية من النوائب ما لم تمر على رأسه المصائب وتحنكه التجارب.
أهمية التجربة والخطأ
إن هدفنا في العلاج هو إقامة سيناريوهات الجدار التي يحتمل فيها أن يجدوا أنوفهم مزروعة في الطوب الأحمر والأسمنت وقد يبدو هذا قاسيا وقد يخطر بفكرك مدى سوء هذين المعالجين إننا نعطي أولادنا فقط الفرص للتعلم على سبيل المثال المرة الأولى التي تعرض فيها أحمد إلى هذا المفهوم عندما كان في التاسعة من عمره وكان يعيش في جدة أخذه والده معه في رحلة طيران إلى الرياض لزيارة جده وجدته بالرياض، وبينما كان في المطار قرر عبد العزيز أن يعطي أحمد فرصة ليعلم نفسه كانت جدته متقدمة في السن ضعيفة السمع والبصر لا ترى ولا تسمع إلا بالكاد وطلب الأب من أحمد أن يتظاهر بأنه الجدة وأنه يقودها إلى البوابة الصحيحة ووضع ذراعه تحت كوع أحمد ذلك البرعم الصغير الذي سوف يحصل في يوم ما على درجة من جامعة الرياض رافق أباه إلى بوابة خاطئة في مطار جدة ولم يصحبه إلى البوابة الصحيحة، ولم يعط الأب أي إشارة على وقوع الابن في الخطأ وأخيرا طرأ على ذهن أحمد شيء ما وأدرك مكان البوابة الصحيحة بدقة ورافق أباه إليها ووصلا ولم يتبق إلا ثوان؛
وبعد سنوات سأل أحمد أباه لماذا لم تتدخل؟!، ولماذا غامرت بدفع مبلغ ثمانمائة ريال لتلحق برحلة أخرى؟ لو أننا لم نلحق بتلك الرحلة لماذا لم تخبرني إلى أين يجب أن نذهب؟!،
قال الأب وعلى وجهه ابتسامة: لو فعلنا ذلك لأمكننا اكتشاف شيء ما أدرك الأب قيمة أن يتعلم الابن في مكان محدود ومن الشائع أن يطلب منا الآباء والمعلمون مساعدة أطفالهم على تطوير مهارات النجاح والتغلب على الصعوبات ومهارات حل المشاكل ويعتقد هؤلاء الكبار أننا نمتلك قوى سحرية للتحدث مع أطفالهم، إنهم يعتقدون أنه بإمكاننا بإشارة من أصابعنا أن نساعد الطفل على إدراك مهارات النجاح!!!.
أنت لست بحاجة لأن تلجأ إلى السحر لمساعدة الطفل على اكتساب هذه المهارات، إنه يحب أن يجرب الاحتياج إلى المهارات، وهذا يحدث فقط عندما يجرب الطفل مواقف غير مريحة أو صعبة ويختار أن يفعل ويتصرف بطريقة مختلفة في المرة التالية وبمجرد أن يقوم بالتجربة يمكنه أن يصبح مبدعا في حل المشكلة، وكل ما ينبغي على الكبار أن يفعلوه هو أن يوفروا الفرص للأطفال.
إن وضع الشرائط الواقية على ركب الأطفال عند تعليمهم التزلج أمر مستحب لأنها تقيهم من إصابة الركب عند وقوعهم ولكنها أيضا تمنعهم من تعلم كيفية التزلج بطريقة جيدة لا بد أن يسقط الأطفال فهذا جزء من تعلم التزلج وهذا يفسر لنا سبب أهمية وحيوية قصة الجدار في تفسير هذا المفهوم فهي تعرف الوالدين كيف يتعرف أطفالهم أنها ليست عملية للمتعة، أنها تستغرق كثيرا من الوقت وليست سهلة دائما بل تحزنك أحيانا.
من الطبيعي أن التجربة والخطأ تؤلم الآباء أكثر مما تؤلم الطفل فعندما يضرب الأطفال رؤوسهم في الجدار فإننا نحن الآباء نظل نتألم من الداخل بينما يعود أولادنا إلى ركوب الدراجة يضحكون ويتعلمون.
تنمية العلاقات
قالت أم حكيمة ذات مرة "يمكنك أن تجذب كثيرا من النحل بالعسل وليس بالخل"، ولقد لاحظنا طيلة مسيرتنا في الحياة خلال ما يقرب أربعين عاما كالعادة أن تلك الأم كانت دائما على صواب وليس فقط في مسألة النحل، إن نفس هذه الفلسفة هي واحدة من التي نستخدمها مع الأطفال العنيدين فإن الانتقاد والسلبية لا يخرجان لنا أفضل ما لدى الأطفال أو أي شخص آخر، إنهما في الحقيقة يفعلان العكس تماما إن التعليق على ما يفعله الطفل بطريقة خاطئة لا يعطيه فقط قليل من التوجيه نحو السلوك الصحيح بل يسبب له أيضا المزيد من العناد والتحدي.
تعتبر السيطرة شيئا هاما بالنسبة للأطفال العنيدين ويعتبر هؤلاء الأطفال السلبية والانتقاد والصراخ الذي يصدر عن الآخرين نوع من السيطرة عليهم بمعنى أنهم يشعرون وكأنهم يضغطون على الريموت كنترول ليجعلوا الكبار يتصرفون على نحو معين، ولكن الشيء الجيد أن بعض الأطفال كما يفضلون السلبيات فإنهم يحبون ويستجيبون بطريقة محببة للإيجابيات؛ لهذه الأسباب نوصيك أن تبدأ بالإيجابيات كوسيلة لبناء علاقة أفضل مع طفلك.
والسبب الثاني الذي من أجله ننصح بالتركيز على الإيجابيات أولا هو أن والدي الطفل العنيد كثيرا ما يجدون أنفسهم في حلقة التغذية الرجعية السلبية فهم يتوافقون فقط مع الأفعال السلبية ويتجاهلون الخطوات الصغيرة التي يتخذها الطفل كي يتحسن.
بصراحة، السلوكيات السلبية دائما ما تكون أكثر بروزا ووضوحا فمثلا: هل الأكثر احتمالا هو أن تلاحظ طفلا جالسا بهدوء يؤدي الواجب أم تلاحظ الطفل الذي يقذف الأطباق في المطبخ؟!، الأطفال العنيدون يوفرون لك فرصة مواتية لتلحظ سلوكهم غير المناسب، ويقومون بمثل هذه الأفعال كثيرا ويكررونها طيلة اليوم، ومن الطبيعي أن يساعد هذا على زيادة عقدة السلبية ولكن إذا سلك الطفل سلوكا حسنا فإن الوالدين يميلان إلى افتقاد الفرصة في ملاطفة طفليهما لأنهما يتوقعان ويتعجلان الفعل السلبي التالي والنتيجة هي: أن السلوك الإيجابي الذي يقوم به الطفل لا يتم تعزيزه أو تقويته ولذلك لا يكرر هذه الأفعال الحسنة كثيرا!!!، إن السلوك سواء أكان سلبيا أم إيجابيا يحدث غالبا عندما يتم تعزيزه أو تقويته، وبدون ذلك التعزيز فإن هذا السلوك يتلاشى.
من المهم أيضا أن نلاحظ السلوك الإيجابي لأنه يوفر لطفلك العنيد شيئا يستمتع به كل إنسان؛ ألا وهو الاهتمام، وعندما يظهر الأطفال رغبتهم في الاهتمام السلبي فمن المحتمل جدا أن يكون هذا تضليلا أو خداعا فقد يعتقدون ببساطة أن الاهتمام الذي يمكنهم أن يجتذبوه من الكبار قد يكون نتيجة لسلوكهم السلبي، فهم يفضلون الاهتمام السلبي عن عدم الاهتمام على الإطلاق.
يتبع >>>>>>>>>>> قوة الاهتمام الإيجابي