يقدر العلماء عدد ذرات الكون بـ 82^10 (أي 1 و82 صفراً على يمينه). رقم يصعب على خيال أي منا استيعابه. وربما ظن بعضنا أنه مثيل "اللانهاية" في الأرقام. إلا أن فينا ما يثير دهشة أكبر...ـ فلننظر لمثالين: الدماغ البشري، والحمض النووي
تركيبة الدماغ البشري تسمح "حسابياً" بوجود دوائر عصبية بأعداد مهولة.ـ
توجد في الدماغ البشري الواحد ما تم تقديره بـ80 مليار خلية عصبية (10^10 *8). الغريب وغير المعروف لدى العامة أن هذا الرقم الهائل قد لا يمثل سوى عُشْر الخلايا التي تم إنتاجها في الدماغ أثناء تخلقه في الرحم!ـ
الأهم هو أن لكل خلية عصبية اتصال بخلايا عصبية أخرى قد يصل عددها إلى 10,000 خلية.ـ عند حساب الدوائر العصبية المحتملة بهذه المدخلات اتضح أنها قد تصل إلى 8,432^10 !ـ أي عدة صفحات من الأصفار!ـ
بالتأكيد، لا توجد دوائر عصبية بهذا العدد (الذي يطرح بعدد الذرات في الكون عرض الحائط) في الدماغ
إلا أن هذا الرقم يمثل السقف الحسابي للتنوع في التركيبة الحيوية للدماغ ولمدى لدونته وللعمق المحتمل لاحتواء البيانات (الذاكرة، التعلم). عملياً: لاحدود للّدونة العصبية!ـ إذا كانت تلك الأرقام (ولا يصح تسميتها بـ "الفلكية" ففي ذلك انتقاص منها) مثيرة للتعجب، فما بالكم بالحمض النووي(DNA)
واسمه الكامل (دِيُوكْسي رَيْبُو نِيُوكْلِيِيك أَسِيد). هو المركب الجزيئي الذي بتركيبته أتاح للدماغ البشري تلك اللّدونة اللامنتهية. الحمض النووي (جزيء "اللولب المزدوج") هو الذي يحمل الشفرة الوراثية المحددة لكل مكونات الخلية ووظائفها الحيوية وبالتالي كل مكونات الجسم وكل وظائفه.ـ
إليكم بعض الأرقام المتعلقة بهذا الجزيء:ـ
كل جزيء من الحمض النووي مكون من سلسلتين من عدد ضخم من النيوكليوتايدات، ترتبط السلسلتين معاً في لولب. عدد النيوكليوتايدات في السلسلة الواحدة يختلف من جزيء لآخر.ـ
إضافة للتركيبة اللولبية للجزيء فإن الطول الإجمالي لكل جزيء يتراوح من 3.2 الى 5 سنتيمتر إن تم فرده! وهذا الجزيء، بعد أن يلتف بدرجات متتابعة من التعقيد هو كروموسوم واحد من الـ46 التي تحتويها كل خلية في الجسم البشري! للمعلومية فإن عدد الخلايا في الجسم يقدر بـ 13^10 (أي 10 تريليون)!ـ
تخيل الآن معي لو تم جمع كل جزيئات الحمض النووي في الجسم في شريط واحد فكم سيكون طول الحمض النووي لدى الفرد الواحد؟ تم تقدير ذلك بـ 13^10 *2 متر (أي عشرين تريليون متر! هذا الرقم يعادل 69 ضعفاً لمسافة رحلة ذهاب وعودة من الأرض للشمس!ـ
عوضاً عن طول الحمض النووي، فإن وظيفته هي حفظ معلومات وراثية مشفرة. تم حساب كمية البيانات الرقمية التي يمكن نظرياً حفظها في الحمض النووي. لأن كل نيوكليوتايد يمكنه حفظ ما يعادل 2 بِت من البيانات، فإن ذلك يعني أن الچرام الواحد من الحمض النووي يمكن نظرياً أن يحفظ 455 مليون تيرابايت!ـ
أما الرقم الذي ربما تُقاس به سواها من الأرقام، فهو العدد المحتمل نظرياً من الأفراد ذوي الشفرة الوراثية المتفردة. من الممكن حسابه من معرفة خواص الحمض النووي ومقداره في الجينوم البشري. توجد في الجينوم 3 مليارات من القواعد النيوكليوتايدية المزدوجة. وتوجد 4 أشكال محتملة لهذه القواعد
لذلك فإن عدد الأفراد ذوي الجينوم المختلف المتفرد هو (9^10 *3)^4 (أي 4 مرفوعة لأس 3 مليار) وهو عدد خيالي يقارب: 1,806,179,974^10 !ـ
(إذا اعتبرنا أن معدل عدد الحروف في الصفحة المطبوعة الواحدة هو 2500، فإن كتابة الأصفار فقط في العدد بعاليه بحاجة لـ 722,472 صفحة!)ـ
بعد الاطلاع على كل هذا الإعجاز المختبئ في خلايانا والذي تنبني عليه حيويتنا وتفردنا وعقولنا وبالتالي تنشأ عنه خبراتنا الذاتية شديدة التفرد والخصوصية... أمن الممكن لنا أن نقبل بتعميمات سطحية أو استنتاجات مبنية على خبرات فردية فقط وكأنما فيهما تفسير لما لم يناسبنا تفسير العلم له؟
هذه الأرقام"البيولوجية"، والتي جعلت من الأرقام الفلكية أقزاماً، لا تصف تفردنا وحسب، بل تصف حيويتنا وتعقيدنا وعمقنا وجمالنا وقبحنا. لذلك فإن من الاستصغار والاستخفاف بالعقل البشري أن ننجرف وراء كل تبسيط وتعميم لنريحه من تبصر وفهم قد يتطلب منا جهداً ذهنياً أو مواجهة لماخفي عن وعينا.ـ
واقرأ أيضاً:
الفكرة الوسواسية: ما هي؟ وما هو السلوك القهري؟