كتبت نصوصاً ومقالات عن اليدين، تناولت موضوعات رمزية وفكرية وفلسفية، وما تصورت سأكتب عن تحولهما إلى قوتين معاديتين لحياة البدن الذي تتصلان به.
"ارفع يدك لا تفرك عينك" تعلمناها في الابتدائية عندما كان مرض التراخوما Trachoma شائعاً وباقي الأمراض السارية والمعدية من النكاف إلى شلل الأطفال وغيرها. وما علمونا أساليب الوقاية وأهميتها، فكنا نشرب الماء من ذات الحنفية، ولا نفهم أبسط شروط النظافة والوقاية من الأمراض، بل أن الأمراض كانت معشعشة في صفوفنا خصوصاً في فصل الشتاء الذي يأتينا بأنواعها لكنها ما تمكنت من قتلنا أو بموت بعضنا، ويبدو أننا قد اجتزنا المراحل العمرية الحرجة التي توافدت فيها الأمراض المستوطنة في البلاد خصوصاً السنتين الأوليتين من العمر.
وبعد أن دارت عجلات العمر وتنوعت محطاته وجدتنا فجأة نحترز من اليدين لأنهما العامل الفعال والخطير في نقل وباء لم تعهده البشرية من قبل.
فالجميع ينادي وفي أقوى المجتمعات وأكثرها تطوراً "احترز من يديك، لا تقرّبهما من وجهك، اغسلهما واغسلهما وطهرهما فاليدان يشُنّان العدوان على صاحبهما الإنسان!!"
لا تلمس عينك وأنفك وفمك، تعلم كيف تطرد شر اليدين عن وجهك، وإن لمست شيئاً فاغسلهما وطهرهما!!
وما تعوّد البشر على هذا السلوك ولا يمكنه أن يقيّد يديه ويضعهما في الأصفاد، فكيف سيأكل ويقضي حاجاته الأخرى?!
إن البشر بلا يدين يكون عاطلاً عن الحياة التي عهدها.
فكيف يمكنه أن يُدرّب اليدين ويحدد حركاتهما ويقمع استجاباتهما الانعكاسية التي تعوَّد عليها؟
إنّ البشرية في محنة سلوكية شديدة مما يعني أن الحد من انتشار هذا الوباء سيكون صعباً وقاسياً وربما سيؤدي إلى تداعيات غير محسوبة.
فهل سيستطيع البشر القبض على يديه بيديه؟
إنه موقف مُحيّر وتوجّه سلوكي غير مسبوق يحتاج إلى مجاهدة ورياضات نفسية وسلوكية متكررة، وإقناع أكيد بأن اليدين عدوتان للحياة.
ترى هل سيتمكن البشر من قمع يديه؟!!
وإن الوباء يسري كالنار في الهشيم!!
وعند رب الأكوان مخرجها!!
واقرأ أيضاً:
الكورونا والوسوسة المأمونة / ادخلوا مساكنكم / العلم والعمل