علاقة الإيمان الديني بالطب النفساني علاقةٌ متأزمة ولها تاريخها الطويل في ثقافات الشعوب المختلفة. تأزمت هذه العلاقة بين الدين والطب النفساني في نهاية القرن التاسع عشر ووصلت الذروة في القرن العشرين وخاصة مع تحالف بعض المذاهب الدينية مع مدرسة دون أخرى من فروع المدرسة التحليلية النفسية. لم تتحسن العلاقة بين مختلف الطوائف الدينية والطب النفساني بعد طلاق المدرسة التحليلية من الممارسة العملية للصحة النفسية. رغم ذلك فإن العلاقة بين المعتقدات الدينية المختلفة والطب النفساني لم تتحسن كثيراً، والقواعد المهنية الطبية في العالم الغربي لا تسمح للطبيب النفساني بتحدي عقيدة المريض الدينية مهما كانت ولا يتوقع المريض من طبيبه النفساني أو معالجه النفساني الخوض في هذه الأمور وإن فعل ذلك فقد يكتشف بعد أيّام تقديم المريض لشكوى ضده.
رغم هذا التشنج في العلاقة بين الدين والطب النفساني، إلا أن الممارسة العملية في الصحة النفسية تركز هذه الأيام على تقييم احتياجات الفرد وقياسها ومساعدته على تلبيتها إن كانت ناقصة وهي كالآتي:
١- الاحتياجات الصحية العقلية.
٢- الاحتياجات المنزلية.
٣- الاحتياجات العاطفية.
٤- الاحتياجات المهنية.
٥- الاحتياجات الاقتصادية.
٦- الاحتياجات العائلية.
٧- الاحتياجات الطبية العامة.
٨- الاحتياجات الروحية.
وما تعنيه الاحتياجات الروحية هي مساعدة المريض في العثور على منفذٍ لممارسة شعائره الدينية ومناقشتها مع رجال الدين أو من يمثلهم. لكن لا يقوم بهذه المهمة الطبيب النفساني أو أَي عامل في الصحة النفسية لأن ذلك خارج اختصاصهم.
هناك جوانب عدة لمناقشة العلاقة بين الإيمان الديني والصحة النفسية وفي هذا المقال سيكون الحديث عن فقدان الإيمان بالعقيدة الدينية.
التنقيب عن العقيدة الدينية
لا يتوقف الإنسان عن البحث لمعنى وجوده وتفسيره ودوره في الحياة. وكذلك لا يتوقف الإنسان عن البحث عن سلام يعيش معه ويستوطن حياته النفسية. هذا السلام يجده الإنسان في عقيدته الدينية وحين ذاك يستعمل كلمة إيمان وإن هجر عقيدته الدينية إلى عقيدة أخرى فهو يستهدف البحث عن عقيدة تعطيه السلام لا غير وحين ذاك يستعمل كلمة الإيمان بالعقيدة الجديدة. لذلك يمكن تصنيف هذه الرحلات كما يلي:
١- العثور على عقيدة جديدة ومعها السلام.
٢- العثور على سلام بدون عقيدة دينية.
٣- عدم العثور على السلام والعقيدة.
أولاً يفقد الإنسان إيمانه بالعقيدة التي تربى عليها واكتسبها من المحيط الذي يعيش فيه. يبحث الإنسان بعدها عن عقيدة أخرى قد نسميها عقيدة دينية أو غير دينية وتراه يقتنع بها. لا يراجع مثل هذا الإنسان طبيباً نفسانياً ويكون أكثر حماساً لعقيدته الجديدة إن نجحت في تلبية احتياجاته الروحية ووفرت له السلام لفترة قد تطول أو تقصر.
ثانياً هناك الإنسان الذي يفقد إيمانه ومعه السلام الذي هو في أعماق نفسه. هذا الإنسان لا يبالي بالاحتياجات الروحية ويحاول تعويضها بأفكار جديدة وتغيير سلوكه وإقامة علاقات جديدة مع البشر. لكن هذا الإنسان عكس الأول يحاول البحث عن السلام الروحي بدون عقيدة كما يتصور هو ولكن ليس بالضرورة غيره.
ثالثاً هناك المجموعة البشرية التي تُمارس التنقيب في العقيدة الدينية لأنها لا تشعر بالسعادة في الحياة، ولا تقوى على سد احتياجاتها المختلفة من اجتماعية وحميمية ومهنية ومادية وغيرها. هذه المجموعة لا تجد أمامها سوى العقيدة الدينية لكي تسقط اللوم عليها. رحلة هذه المجموعة تتميز بوصولها إلى نهاية لا تختلف عن البداية وهي عدم العثور على السعادة. الكثير منهم يعاني من اكتئاب طفيف في بداية الرحلة وينتهي باكتئاب جسيم في نهايتها، ولكن في البعض منهم بداية ونهاية الرحلة هي اكتئاب جسيم لا يصعب تشخيصه. هذه المجموعة هي التي تصل إلى مراكز الطب النفساني.
مشاكل التشخيص
رغم أن الاضطرابات الوجدانية تتصدر قائمة الاضطرابات النفسية، إلا أن هناك بعض التشخيصات الأخرى كما يلي:
١- اضطراب الفصام والوهام المزمن مع وجود أفكار متطرفة غريبة المحتوى.
٢- اضطراب الحصار المعرفي (الوسواس القهري) والشك في العقيدة.
٣- اضطراب الشخصية الحدية حيث يتحول الإيمان إلى عدم ايمان بالعقيدة بين ليلة وضحاها.
٤- الاضطرابات النفسية المرافقة للصرع حيث تتميز الأعراض بمحتواها الديني.
العلاج
العلاج هو علاج الاضطراب النفساني والتركيز على احتياجات الفرد المختلفة. أما خوض الطبيب النفساني في أمور العقيدة ومناقشتها فهي خارج اختصاصه ومن الأفضل نصيحة المريض باستشارة رجل دين
واقرأ أيضاً:
علم النفس على الشاشة الفضية / لحظات في الطريق