اللغة أداة التفكير، فَلِكَيّ نُفَكّر نحتاج إلى مُفرَدَات تساعدنا على التفكير والتعامل مع الأفكار بقدرات إدراكية عالية. فالأفكار بحاجة لمُفرَدَات، وقُوَّتُها تتناسب طرديًّا مع كَمِّيَّة المفردات المُتَوَفِّرَة للعقل. فإذا ضَعُفَت اللغة ضَعُفَ التفكير، وهذا ينعكس على صورة الحياة القائمة ويَتَمَثَّل بها. ولهذا تَجِدُ المجتمعات القوية تبدأ بتعليم أجيالها منذ ما قبل المرحلة الابتدائية معاني الكلمات، وتَضُخُّ فيهم مَخزُونًا لُغَوِيًّا يُؤَهِّلُهم لإعْمَال عقولهم والاعتماد على تفكيرهم، ويستمر الضَّخُّ المُكَثَّف للمفردات ومعانيها ودلالاتها ومَرَامِيهَا حتى نهاية المرحلة الجامعية التي يكون الشخص فيها قد امتَلَك أدوات التفكير اللازمة للتعبير عَمَّا يُريده ويراه.
إن وعي مفردات أي لغة يُحَتِّم على العقل التفكير، لأنَّ المُفرَدَات ذات طاقة حيوية وقدرة على التَّوَاشُج والتَّوَالُد والانطلاق في كينونات ذات قيمة تعبيرية عن فكرة ما. وواقعنا العام يشير إلى نُضُوب المفردات في أجيالنا، وعدم ابتكارنا للمناهج التعليمية المعاصرة للغة الضاد، فلا نَتَّبِعُ خطوات المجتمعات المُتَقَدِّمَة في تعليمها للغاتها، ونأخذ منهم ما يَضُرُّ بِلُغَتِنا ويُساهِمُ في نُضُوب مفرداتها وتَغْرِيبِها عن وعي الأجيال.
فمنذ منتصف القرن العشرين والنُّخَب تجتهد في النَّيْل من اللغة وتَقْوِيض أُسُسِها وأعمدتها التي تَوَارَثْتها الأجيال بذريعة الحَدَاثة والتجديد. وما حدَّثت ولا جدّدت بِقَدْر ما استنسَخَت من الآخرين ما يُناهِضُ اللغة ويُعادِيهَا في ميادينها الإبداعية المتنوعة. فتَجِدُنا نَغرَق في كتابات عَبَثِيَّة هُرُوبِيَّة خالِيَة من الإضافات المعرفية والزَّادِ اللُّغَوِي الشَّهِي الذي يُعِينُ على إِثْرَاء المُعْجَمِيَّات الذاتية، بل تَرَانا نقرأ نَصُوصًا خاويةً على عروشها لا تُعِينُنا على اكتساب معنى لمُفْرَدَة أو اقتباس عبارة ذات قيمة. وهذا يعني أن نُخَبَ الأمة يُساهمون في تَجْدِيبِها من المفردات الضرورية لإنتاج الأفكار والإبداع الأصيل.
وعليه يتَوَجَّب الاهتمام بالكلمة ومعناها منذ سِنٍّ مُبَكِّرة، وأن تكون النصوص المكتوبة بأنواعها رَافِدًا مُهِمًّا لإغناء القارئ بالمفردات المعاصرة اللازمة للتفكير التنويري وتفعيل العقل. وبهذا يمكننا أن نقول بأن اللغة العربية أداة تفكيرنا، ووسيلتنا للإتيان بما يتوافق والاستجابات اللازمة لمواجهة التحديات القائمة. أمَّا القول بتفعيل العقول وهي خالية من أدوات التفكير فهذا هو الهُرَاء بِعَيْنِه!
واقرأ أيضاً:
الماضي التَّلِيد والحاضر الطَّرِيد / الأوطان حية لا تموت / أمة العلم والعلم!!