مفتاح التفاهم: اللمسة الرفيقة والكلمة الرقيقة
أمي دائمًا تذكرني بأنني سمينة، ثم تتهمني بأنني حسَّاسة وعصبية، مهما فَعَلْتُ فإن أمي تجد عيبًا فيما أفعله، بعثت لها رسالة حميمة أبثها حبي وأشواقي وإذا بي أفاجأ بها تقرأ الرسالة لتصحح أخطائي اللغوية، أمي تنتقدني بكلمات لاذعة، ثم تتركني بسرعة دون أن تسمع ما يبرر لها ما حدث مني، أمي تلقبني دائمًا بالغبية، حب الأم المفرط يختفي، أمي تعاملني كأنني ملكية خاصة، أمي لا تفهمني، أمي لا تحترم خصوصياتي.
هكذا تصف الفتيات الأزمة.. التي تحولت إلى ظاهرة تكاد تنتشر في كثير من مجتمعاتنا العربية، الفجوة النفسية في العلاقة بين الأم وابنتها ما هي أسبابها؟ وما يمكن أن تقوم به الأم في أحد أهم أطراف الأزمة في تحقيق التقارب وسدِّ هذه الفجوة؟
التَقينا بمجموعة من المتخصصات في علاج أزمة المراهقة من اللائى تصدَّيْن لهذه الظاهرة في الكويت في محاولة للتعرف على أبعادها وتأثيراتها.
الأستاذة "كماظر المطوع" مراقبة الخدمة الاجتماعية والنفسية تلقي الضوء على أحد جوانب المشكلة، تقول: لا شك في أن الأم عليها دور كبير في تحقيق التقارب مع ابنتها المراهقة بحكم كونها الأكبر سنًّا والأكثر خبرة ومسؤولية، ولكن الواقع أن هذه الأم مربية وزوجة وموظفة في أغلب الأحوال، هي امرأة منهكة تتكدس عليها وحولها أعباء الحياة؛ مما يؤثر بشكل كبير على طبيعة علاقاتها بابنتها التي تتحول نحو الفتور وفقدان الحوار البناء نسبيًّا أو نهائيًّا، وكما تؤيد الدراسات الميدانية التي أجريت على بعض المدارس المتوسطة (الإعدادية) للبنات في الكويت، فإن الفتيات يلجأن إلى أشخاص آخرين غير الأم يتنوعون ما بين الصديقة، والأخت، والخادمة.. ذلك كله وغيره يدل على فقدان التواصل والحوار بين هؤلاء الطالبات وبين أمهاتهن.
وسائل للتقارب:
وعمَّا يمكن أن تقوم به الأم لتحقيق التقارب والتواصل مع ابنتها تقول المطوع: يجب على الأم كما أرى أن تعمل على:
1 - مراعاة صفات ابنتها ومستواها الفكري، ومن ثَّم تحديد الهدف من الحوار.
2 - تجنب الحديث عن الابنة في ظروف غير مناسبة تسبب بتر الحوار أو سلبيته، فمراعاة الظروف النفسية والاجتماعية للبنت مهم وضروري.
3 - تهيئة نفس الابنة لقبول النصح قبل الحوار معها، وذلك بذكر مميزاتها وصفاتها الحسنة.
4 - التبسم في وجه الابنة والتلطف معها في العبارات، فالكلمة الطيبة تقرب النفوس، قولي لها: يا حبيبة يا غالية.
5 - لا تقولي لها (أنت مخطئة) أو (أنا أكثر فهما منك)، فهذه الألفاظ تجرح شعورها.
6 - ساعدي ابنتك على توضيح ما تشعر به، فاستمعي جيدًا لآرائها وأعطيها الفرصة والوقت.
7 - ابتعدي نهائيًّا عن الاستهزاء والوعيد والتخويف، فتلك أساليب تنتج شخصيات سلبية تتلقى ولا تعطي، تتقبل ولا تبدع، وديعة تميل الخنوع.
8 - أَظْهِري لابنتك مشاعر الثقة، فذلك يدفعها لأن تكون أهلاً للثقة.
9 - لا تغرسي القيم الدينية والاجتماعية بأسلوب التوجيه المباشر وتريثي في إصدار الأحكام على مواقف ابنتك وتصرفاتها.
10 - انتبهي لتصرفاتك وأقوالك فأنتِ المثال لابنتك، وعليك احترام ذاتها واستقلالها وتشجيع روح النقد الذاتي بها لمراجعة أفكارها بين الحين والآخر.
افتقدتك اليوم
أما المربية والداعية "خولة العتيقي" فتتساءل: لماذا يضير الأم لو قالت لابنتها بعد يومها الدراسي على قصره، افتقدتك اليوم، أتوقع أن الرد سيكون متشابهًا وهو حتى أنا وَلهت عليك، وأقصد بذلك أنه من الضروري أن يكون التفاعل بين الأم وابنتها قائمًا على الحب والحنان، فنحن لسنا ممولين فقط لاحتياجات بناتنا وأبنائنا المادية، بل ممولين لاحتياجاتهم العاطفية التي هي أهم من الماديات.
وتستطرد العتيقي في حديثها تقول: هل هناك فتاة مراهقة يكون لها مع أمها جلسات مصارحة ومشاركة وأخرى خاصة، ثم نجدها تفضفض مع الصديقة أو حتى – للأسف – الخادمة؟ بالطبع لا، وما أريده أن الأم الواعية عليها أن تجلس مع ابنتها تسألها عن أحوالها، وعن مشاعرها، وعن صديقاتها، فهذه الجلسات تعطي الأم مؤشرات عن شخصية ابنتها، ولكل أم أقول: ابحثي عن ابنتك، ولا تدعيها تبحث عنك، كوني جزءاً من حياتها، عوِّدِيها من الصغر الدخول إلى غرفتها والجلوس معها ولا تبحثي في أشيائها، ولكن اسأليها عن الأشياء، إن كان كتابًا اسأليها متى اشتريته، اعرفي تضاريس غرفتها وأدواتها حتى تلاحظي أي تغير عليها، كأن تكون متدينة فتتبدل أو العكس، فأول ما يحدث التغير في شخصيتها ستتغير ملامح غرفتها، ونوعية ملابسها والكتب والمجلات التي تقرأها، كل ذلك يؤدي إلى تدارك الخطر قبل وقوعه، فلا يفوت الأوان في إصلاح المعوج، وتعزيز الجيد.
اللمسة الرفيقة والكلمة الرقيقة
وتشير الباحثة شريفة الخميس المعالجة النفسية بمكتب الإنماء الاجتماعي إلى أهمية الانتباه إلى لغة أخرى غير متحدثة، وهي لغة الجسد حركات اليدين (Body Language)، ولغة العيون (Eye Contact)، فهي ذات أثر بعيد إضافة إلى لغة الحوار، ومهارة الإنصات والاستماع، وتضيف: لا بد من أن تلفت الأم ابنتها إلى أنها تتقبلها كما هي لا كما يجب أن تكون، وأنها تحبها بلا شروط، ولا أرى مانعًا من أن تستمتع الأم بالحياة مع ابنتها، فيخصصا وقتًا للخروج معًا، ويتبادلا أطراف الحديث الممتع والمرح؛ إذ يعني ذلك مزيدًا من الاقتراب بينهما، كما أن متابعة هوايات الابنة واهتماماتها طريق جيد لتعزيز ذلك.
واقرأ أيضا:
هل التعليم العام لا يزال حياً؟ / اعترافات ابنة.. أهرب من أحزان أمي!!