تأملات نفسية في الحب الزّوجي1
(2) انجذاب الشبيه إلى شبيهه
إنّ التّشابه في الصّفات الحلوة الّتي نحبّها في أنفسنا يؤدِّي إلى الإعجاب والانجذاب، فالمرأة الذّكيّة تنجذب إلى الرّجل الذّكي، والرّجل المثقّف ينجذب إلى المرأة المثقّفة، والمرأة المتديّنة يعجبها الرّجل المتديّن، والرّجل قوي الشّخصيّة تعجبه المرأة قويّة الشّخصيّة، وهكذا ينجذب المتشابهون إلى بعضهم بعضاً، إن كان التّشابه في صفات هم راضون عنها في أنفسهم، أمّا لو كان هنالك صفة في الإنسان لا يحبّها في نفسه، ويتمنّى لو لم تكن فيه، فإنّه لن ينجذب إلى من يشبهه في هذه الصّفة، فالخجول لا ينجذب إلى الخجول، بل ينجذب إلى الشّخص المنطلق اجتماعيّاً، الّذي فيه الصّفة الّتي يتمنّاها لنفسه، والبدين ينجذب إلى الرّشيق، لأنه يتمنّى لو كان رشيقاً، فيُعجَب بمن فيه هذه الصّفة، وهكذا الحال بالنّسبة لجميع الصّفات الإنسانيّة، وبذلك يمكننا أن نفهم انجذاب الرّجل إلى المرأة وانجذاب المرأة إلى الرّجل رغم اختلافهما، فقد أعطى الخالق سبحانه وتعالى القوّة للرّجل، وأعطى الجمال للمرأة... قوّة تسعى إلى الفوز بالجمال وامتلاكه، وجمال مع ضعف يولد الحاجة إلى القوة ويسعى للحصول عليها، ممّا يجعل الرّجل القوي ينجذب إلى المرأة لجمالها الّذي تفوّقت به عليه، فهو يحبّ أن يمتلك جمالها وينجذب إليها في الوقت ذاته عندما يرى فيها الصّفات الّتي يحبّها من أدب وذكاء وثقافة وطباع معيّنة.
كلّ رجل بحسب صفاته الّتي يحبّها في نفسه أو الّتي يحبّها لنفسه... وكذلك تنجذب المرأة الّتي أعطاها ربّها نصيبها من الجمال إلى الرّجل القويّ، لأنّه قويّ من جهة، وهي تحبّ أن تكون قوّته لها تحميها وتكفيها، وتنجذب إليه لما فيه من صفات تشبه صفاتها الّتي تحبّها في نفسها أو الّتي تتمنّاها لنفسها. وهكذا ننجذب إلى من ننجذب إليهم لأنّهم يشبهوننا، وننجذب إليهم لأنّهم يكملوننا، فالحياة الزّوجيّة تجمع المتشابهين والمتكاملين، ليرتاح الإنسان وهو يصادق من يشبهه، وليرتاح وهو يصادق من يكمّله، فتجتمع له حسنات الذّكورة والأنوثة دون أن يتخلّى عن جنسه، بل يبقى على حاله الّتي هو عنها راضٍ وبها مباهٍ.
(3) من الرومانسي يولد الواقعي
خلال الشّهور الأولى من الزّواج الّتي يغلب عليها أن تكون شهوراً جميلة بما فيها من رومانسيّة حيث يحرص كلّ من الزّوجين على أن يُقدِّم للآخر أحسن ما عنده، تتكوّن خلال هذه الشّهور علاقة تربط الزّوجين، حيث يشعر كلّ منهما أنّ مستقبله مرتبط بالآخر وأنّهما سوف يمضيان رحلة الحياة سويّة... ومع الشّهور والسنين تتمتّن العلاقة رغم ما يحدث بين الزّوجين من خلافات بعد انقضاء فترة الرّومانسيّة... لكن الشّعور بالحبّ يزداد يوماً وينقص يوماً بحسب حالة الإعجاب والامتنان الّلذين يولِّدان الحبّ في النّفوس. فالإعجاب يزيد وينقص، حيث الإعجاب لا يقتصر على الإعجاب بالشّكل بل هو أيضاً إعجاب بالطّباع والسّلوك والأخلاق والثّقافة والشّخصيّة، وكلّما تحسّن الإنسان في شكله أو أيّة صفة من هذه الصّفات زاد إعجاب الطّرف الآخر به وزاد حبّه له، لكن الحبّ لا يتوقّف على الإعجاب وحده، بل هنالك الامتنان، فكلّما شعر الإنسان بالسّعادة بقرب إنسان آخر ولمس حرصه عليه وعلى إسعاده كلّما شعر بالامتنان له وازداد حبّاً له بالمقابل... أمّا إن جاءه من الطّرف الآخر الإيذاء المقصود أو غير المقصود فإنّ الامتنان ينقص وينقص حتّى يحلّ محلّه الغيظ والحقد، فيختفي الشّعور بالحبّ نحوه أو يكاد يختفي، ولا يمكن للحبّ المفقود أن يعود حتّى يتوقّف الطّرف المسيء عن إساءاته، وحتّى يغفر الطّرف المتأذِّي ويصفح عن المسيء ليتمكّن من حبِّه من جديد.
وهكذا حال الحبّ بين الزّوجين بين نقص وزيادة بحسب الأحوال، والموفّق هو الّذي يستطيع أن يحافظ على حبّ الطّرف الثّاني له عن طريق الحرص على الفوز بإعجابه دائماً، وعن طريق تقديم ما يشعره بالامتنان له، وإن أنت أكرمت الكريم ملكته، وهكذا الزّوجان الّذي يكرم كلّ منهما الآخر فإنّه يملكه بإحسانه إليه فقد قال الشّاعر:
أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم
لطالما استعبد الإنسان إحسان
ويتبع: تأملات نفسية في الحب الزّوجي3
بقلم الدكتور محمد كمال الشريف
استشاري الطب النفسي في مركز
كيور كير في جدة في السعودية
واقرأ أيضا:
الهُوال_2 PTSD: / أثر الصوم في نفس المؤمن 5