التخزين أو التكديس والحرص المرضي Hoarding and Saving بين الموسوسين هو أحد المفاهيم التي بدأَ التركيزُ على دراستها حديثًا في مرضى اضطراب الوسواس القهري وليسَ كلُّ من يتصفونَ بممارسة سلوك التخزين طبعًا مرضى باضطراب الوسواس القهري، لكن نسبةَ 30% أو أكثر من مرضى الوسواس القهري يعانون من هذا العرض، وفي دراسة لأحمد عكاشة (Okasha , 2001) على العرب المصريين كانت نسبةُ أفكار الحرص والتخزين التسلطيةHoarding and Saving Obsessions 28% ، وفي نفس المجموعة كانت نسبة أفعال التخزين والتنظيم القهرية Hoarding & Arranging Compulsions 45% ، وهيَ نسبةٌ مرتفعةٌ في الحقيقة حتى عن النسب الغربية.
والحقيقة أن معدل الشكوى من مثل هذه السلوكيات أثناء ممارسة الطب النفسي حسب خبرتي الشخصية يوحي بأقلَّ من ذلك خاصةً في مرضى الوسواس القهري أو لعلهُ في بلادنا نادرًا ما يصلُّ إلى الحد الذي يجعلُ منهُ مشكلةً كبيرةً مثلاً، بينما مشكلةُ البخل تعدُّ من المشاكل الاجتماعية التي تزعجُ الكثير من الأسر لأنهُ سلوكٌ مُنَفِّرٌ ومكروهٌ حسب التصور الإسلامي للكون إلا أن معدل اللجوء للطبيب النفسي للشكوى من البخل معدلٌ قليلٌ لأن معظم الناس لا يرون فيه مرضًا نفسيا، أما ما نراهُ أكثرَ في عملنا كأطباءَ نفسيين فهو سلوك التخزين في مرضى اضطراب الفصام المزمنين وكذلك في بعض مرضى عته الشيخوخة (أو السَّبَـه) Dementia، ولعلَّ من الأفضل أن نوضحَ ما المقصودُ بمفهوم التخزين أولاً (Frost & Gross, 1993) و(Frost,et al., 1995) و(Frost, & Hartl, 1996) و(Frost,et al., 1996) و(Frost,et al., 1998).
فالمقصود بالتخزين المرضي هو الإسرافُ في تجميع وتخزين الأشياء أو الحيوانات إلى الحد الذي يتعارضُ مع الحياة الطبيعية من حيثُ إشغاله للمكان متعارضًا مع الحركة بصورةٍ طبيعية بسبب ما تشغلهُ الأشياءُ المجمعةُ من حيز، أو بسبب تعارضهُ مع أمن المكان فالكثيرُ من الجرائد والمجلات القديمة مثلاً يعرضُ المكان للحرائق والكثيرُ من الحيوانات قد يتسببُ في تلوث المكان، المهم بالطبع هوَ نوعيةُ الأشياء التي يتمُّ تخزينها بهذه الصورة فهيَ غالبًا أشياءٌ عديمةُ الفائدة أو قليلةُ الفائدة مثل الملابس القديمة أو الأحذية القديمة أو حتى أربطة الأحذية القديمة وهكذا.
والمشكلةُ في هذا السلوك إنما تنبعُ من عجز الشخص عن التخلص من هذه الأشياء التي تجعلُ المكان الذي يعيشُ فيه يتحولُ إلى فوضى في أحسن تقدير ومزبلةٍ في أسوأه وأما لماذا يفعلُ الشخصُ ذلك فإن الأسباب التي يقدمها من يسلكون مثل هذا السلوك قد تكونَ واحدًا أو أكثرَ من الأسباب التالية (Frost &Steketee,1998) و(Frost,et al.,1999) و(Frost,et al.,2000)a و(Frost & Steketee,2002).
1- أنهم يعتبرونَ هذه الأشياءَ المجمعة ذات قيمةٍ ما، وهنا تبرزُ الحاجةُ إلى التفريق ما بينَ الهوايات في مجموعها وبينَ ما نتحدثُ عنهُ، فمثلاً من يجمعون طوابع البريد أو العملات النقدية القديمة أو الصور أو غيرها ليسوا كمن يجمعونَ علبَ الأكل الفارغةِ أو علب السجائر أو الكبريت أو علب المناديل الفارغة أو الأحذية القديمة أو أغلفة قطع الحلوى أو غير ذلك مما لا قيمةَ لتجميعه وتخزينه.
2- أن تجميعهم لهذه الأشياء يشعرهم بالأمان (Frost,et al.,2000) ولعل هذا التعليل في حاجةٍ إلى بعض الشرح فقد قابلتُ مريضةً بالوسواس القهري كانت تجمعُ الملابس التي لن تلبسها والأحذية التي لن تلبسها وحقائب اليد التي يستحيلُ أن تحملها مرةً أخرى لأنها تشعرُ بالقرف منها بسبب تلوثها بعد خروجها بها في الشارع ومرورها أمام أحد المستشفيات أو مرور أحد الشحاذين بجوارها مثلاً، وعندما سألتها لماذا لا تتخلص من هذه الأشياء حتى بإعطائها لبعض الفقراء كان ردها ذو شقين الأول أنها مادامت تشعرُ بالقرف من هذه الأشياء فلا يجوزُ أن تتصدقَ بها والشق الثاني أنها تشعرُ بوضع هذه الأشياء في إحدى غرف البيت أنها لن تكونَ مصدرَ خطرٍ لها فيما بعد، هذا هو الأمان المقصود إذن!
3- أنهم يخافونَ من نسيان شيءٍ من المعلومات المحتواة مثلاً في الجرائد القديمة، وهم يرون أنهم قد يحتاجون إلى مراجعته في وقتٍ من الأوقات (Steketee et al., 2001)، ولنتذكرَ هنا بعض العبارات التي نسمعها تتردد بين الناس مثلَ: ظللتُ أحتفظُ بالأوراق القديمة ولم أكد أتخلص منها حتى ظهرت الحاجةُ لها.
4- الشعور بالرغبة والحاجة الدائمة والملحة إلى تجميع وتخزين الأشياء، ومن أجل هذا المفهوم أجريت دراساتٌ قامت على افتراض يقولُ بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يعانون من الحرمان في طفولتهم ولكن هذه الدراساتُ لم تصل لإثبات شيءٍ من ذلك، اللهم إلا من تعليلات بعض المرضى أنفسهم، الأمرُ الذي حول نظرية الحرمان والتعويض تلك إلى أنه قد يكون لذلك دورٌ لكنهُ دورٌ بسيطٌ (Steketee et al., 2000) و(Frost. & Hartl, 2002)، لكنَّ السبب في هذا الشعور الملح بالرغبة في التجميع والتخزين ما زال غيرَ معروفٍ وإن كان البحثُ عن تفسيراتٍ بيولوجيةٍ يدورُ على قدم وساق.
5- الحصولُ على الحب الذي لا يجدونه مع البشر، وهو التعليقُ الذي نسمعهُ عادةً من الكثيرين من مَن يقتنون الحيوانات، ولكن الذي يقتني قطا أو كلبًا أو حصانًا ليس كمن يجمع حديقةَ حيوانات في بيته.
6- الخوفُ من التخلص من الأشياء بسبب الإحساس بأنها تحملُ شيئًا خاصًا بالشخص.
7- هناكَ بالطبع أسبابٌ أخرى خاصةً في حالة من يعيشونَ بمفردهم من المسنين، فقد لا يستطيعونَ القيام بإخلاء المكان أولاً بأول نظرًا لضعفهم الجسدي أو قد يكونُ هناكَ نوعٌ من إهمال الذات Self Neglect والمكان في مريض اضطراب الفصام أو السبه أو اضطراب الاكتئاب الجسيم.
ومنَ المهم بالطبع أن نفهم الموقفَ جيدًا قبل الحكم على شخص ما بأنهُ يسلكُ سلوكَ التخزين المرضي هذا فليسَ لأن شخصًا ما محاطٌ بفوضى من الكتب والمجلات والأوراق نعتبرُهُ واحدًا من السالكين لهذا السلوك، وإلا فأنا أولُ من سينطبقُ عليه هذا الوصفُ وأنا أكتبُ هذا المقال لمجانين! فحوالي مراجع ودراسات، والعديد من الأوراق والأقلام، وشيء يكاد يقول اللهم أدمها فوضى وأحفظها من النظام!... ما علينا.... ما علينا.
ما أعنيه هوَ أن الظواهرَ البشرية في مجموعها يجبُ أن تفهمَ في إطار من معطيات الشخص محل التقييم وثقافته وبيئته ومغزى ما يفعلهُ ومدى أهمية هذا الفعل في ضوء هذه الثقافة وهذه البيئة، ومن المهم أيضًا أن أقولَ أن سلوك التخزين بوجه عام يجبُ أن ينظرَ إليه أيضًا على متصل يمتدُّ من الطبيعي الذي هوَ جزءٌ من حياة كل إنسان لهُ أشياءٌ يعتزُّ هو بها إلى الشكل المرضي الذي يصبحُ فيه التخزينُ والحفظُ معيقًا للحياة بشكل أو بآخر.
ومن المهم أيضًا أن أوضحَ أنهُ لابدَّ من وجودٍ اختلافٍ في طبيعة هذا السلوك التخزيني ما بين الإنسان العربي وبينَ الإنسان الغربي فالإنسانُ الغربي يعيشُ في مجتمع ماديٍّ لا مكانَ للمشاعر والمعاني التي لا تقيم ماديا فيه إلا في أضيق الحدود، بينما الإنسانُ العربيُّ ما تزالُ لديه مساحةٌ أكبرُ من المشاعر والمعاني والالتزام أمام الله بما في ذلك بالطبع كونُ الحياة التي يحياها حياةً عابرةً وكونهُ سيحاسبُ أمام الخالق عز وجل، رغم تناقص هذه المساحة المتسارع في السنوات الأخيرة، ولذلك في الحقيقة معنى أقصدهُ لأنَّ تخزين الأشياءِ التي يرونها في الغرب ذات قيمةٍ كتخزين النقود والذهب والفضة مثلاً لا يعتبرهُ أحدٌ منهم تخزينًا قهريا بينما يوجدُ في تراثنا الإسلامي وفي شريعتنا الإسلامية ما يحثُّ على الامتناع عن ذلك وعلى ضبط النفس ومقاومة ميلها إلى كنز ما لا يحتاجُ إليه المرءُ في حياته إضافةً إلى التشجيع على الإنفاق من كلِّ ما هو مخزونٌ لدى الإنسان المسلم، وفي التاريخ المرضي التالي ما يوضح الصورة الإكلينيكية للتخزين القهري:
"أعقاب السجائر وأكياس الشيبس!"
كان نعمان شابًا حول العشرينَ من العمرِ، يلعبُ معَ أبيه لعبةَ الطبيب النفسي والمدرس لأنهُ متعثرٌ في دراسته، وقالَ لي أبوهُ دونَ أن يدري الفتى أنَّ ابنهُ فيهِ شيءٌ من التجميع والتخزين لأشياءَ لا قيمةَ لها وقد تقتلهُ أحيانًا المهم أنني سألتهُ ماذا تقصدُ فقالَ: يا دكتور إنهُ يخزنُ أعقابَ السجائر في جُـوالٍ تحتَ السرير، تخيلْ؟ فسألتهُ هل في ابنكَ شيءٌ من الوسوسةِ؟ فقالَ نعم ورثها عن جدهِ يرحمهُ الله....
وعندما سمعتُ ذلكَ تحفزتُ لهُ وقلتُ: يعني أيُّ نوعٍ من الوسوسةِ هل الإكثارُ من غسل اليدين؟ مثلاً، هل في النظافةِ؟ هل في التهَيُّؤِ؟ فقالَ في النظافةِ والتنظيف، وعندما جاءَ الفتى بعد عدةِ مواعيدَ كانت لازمةً لاستمرار اللعبة مع أبيه، جاءَ الولدُ وعرفتُ منهُ أنهُ ورثَ المثاليةَ عن أمهِ "ولا أخفيكم ذهولي وأنا أسمعُ منهُ وهوَ في موقفِ الراسب في التعليم الفالح في القعود على مقاهي الإنترنت وشربِ السجائر، أيُّ مثاليةٍ إذنْ تلك؟" لكنهُ في الحقيقةِ يحسُّ نفسهُ مثاليًّا وهذا هو سببُ مشاكله في الحياة، وربما يكونُ من الممكنِ أن نضيفَ العناد كصفةٍ تصبغُ تصرفاته مع أبيه ومع أخيه ومع أمهِ ومع مدرسيه ومع أصحابه ومع الدنيا كلها! (وأسألُ اللهَ أنا ألا تصبحَ معي في يوم من الأيام) فهوَ يصفُ أفعالهُ بأنها ردود أفعالٍ وهذا ما لا يعجبهُ لكنهُ العناد.
أما التخزينُ فقد رحتُ أفتشُ عنهُ بشكلٍ غير مباشرٍ فقالَ لي دونَ أن يتعِبَني ما يلي: لقد بدأ منذُ سنتين، وربما قبلهما يخافُ من إلقاء عقبِ السيجارةِ من الشرفةِ خوفًا من تقعَ على أحد المارة! وأنهُ كانَ يوسوسُ خوفًا من ذلك لو حدثَ وألقى عقبَ السيجارة من الشرفة وكانت هناكَ مثلاً سيارةٌ واقفةٌ في الليل، أليس من الممكنِ أن يتسبب ذلك في إشعال حريق، أليس إطارُ السيارة قابلاً للاشتعال؟
لقد كان يخافُ وكان لذلك لا يرمي أعقاب السجائر وكانَ يضعها في علبٍ فارغةٍ كعلب كريم الشعر أو الجلد مثلاً، وكانَ أيضًا يجمعُ علبَ السجائر الفارغة ولا يدري لماذا! فهو كانَ يجمعُ الأعقاب ربما لأنهُ يخاف وربما لأنهُ كان يريدُ أن يعرف ماذا سيحدثُ لعقب السيجارة من تغيرات لو خزنـتُـهُ؟ لكنهُ لا يدري لماذا كانَ يُجمِّعُ علبَ السجائر الفارغة، وكذلك أكياس الشيبس؟ ودولابه الخاص الآن في حالةٍ يرثى لها من الفوضى وهو يعترفُ بذلك لكنهُ لا يستطيعُ رميَ الأشياء التي خزنها ولا يدري لذلك سببًا!، ثمَّ أخبرني بعد ذلك أن أمهُ موسوسةٌ وشكَّاكةٌ وهوَ يعتقدُ أن من بينِ أسباب لجوئه لسلوك التخزين هذا أنهُ لم يكنْ يتمتعُ بأي قدرٍ من الخصوصية عندما كانَ طفلاً فقد درجتْ أمهُ وإخوتهُ وكلهم أكبرُ منه على التفتيش في حاجياته وهوَ صغير، وكانَ ذلك بسبب خوفهم عليه كما يقولون ولكنهُ يعرفُ أنهم كانوا يشكونَ فيه رغم أنهُ كانَ أيامها مؤدبًا ومتفوقًا في دراسته الابتدائية والإعدادية.
ألا نستطيعُ هنا أن نرى الإحساسَ المتضخمَ بالمسؤولية، والعناد والتصلب النفسيَّ بل والمعرفي؟ كما نرى نوعًا غريبًا بعض الشيء من طريقة التفكير لتفسير الأفعال فما معنى أنهُ يريدُ أن يعرفَ التغيرات التي قد تحدثُ لعقب السيجارة بعد فترة من التخزين؟ هل هو يتوقعُ مثلاً أن تؤثرَ فيه عواملُ التعرية؟ لقد فاجأتني هذه الحالةُ وجعلتني أراجعُ الكثيرَ من المفاهيم في رأسي، وبدأتُ أفكر في ضرورة سؤال كل مرضى الوسوسة عن مثل هذه النوعية من السلوكيات.
وأما الظواهرُ التي غالبًا ما نجدها ما بين مرضى اضطراب الوسواس القهري الذين يسلكونَ سلوك التخزين هذا والتي توضحُ التداخلَ ما بينَ الظواهر البشرية بشكلٍ عام فهيَ: التردد Indecisiveness فهم يعجزونَ عن اتخاذ القرار بالتخلص من الأشياء التي لا حاجةَ ينتظرُ أن تبرزَ لها لأنهم يخافونَ من أن تظهرَ الحاجةُ بعد أن يتخلصوا منها ولا يعودُ لهم حكمٌ عليها فهم يخافونَ ذلك الاحتمال فقد يتخلصونَ من مجلةٍ قديمةٍ ثم يحتاجونَ إلى معلومةٍ كانوا قد قرءوها فيها.
ولأن التحكم والكمالية Control/Perfectionism عادةً ما يشكلان سمةً من سماتهم فهم لا يريدون ذلك وهم يتجنبونَ اتخاذ القرار ويتجنبون القيام بالفعل Avoidance وهم في نفس الوقت يعرفون كمَّ الفوضى والشكل السيئ لأكوام الأشياء التي يكدسونها حولهم لكنهم يترددون ويسوفون ويعطلون القرار، فهم عادةً ما يتصفونَ بالمماطلة والتسويف Procrastination، كلُّ هذه السماتُ تذكِّرُ المرءَ بأصحاب الشخصية القسرية، ولعلها تكونُ موجودةً في حالات اضطراب الوسواس القهري ذات العلاقة باضطراب الشخصية القسرية أي ذات العلاقة بالرغبة في الكمالية والشعور بعدم الاكتمال (Summerfeldt etal.,2000).
وأذكرُ مريضةً باضطراب الوسواس القهري المصحوب باضطراب الشخصية القسرية كنتُ أعالجها في بيتها الذي لم يكنْ يدخلهُ أحدٌ سواى عدا زوجها وأولادها بالطبع وكانت الأمورُ قد وصلت إلى حد كبيرٍ من السوء فإحدى الغرف كانت مملوءةً بأشياءَ قررت عدم استخدامها بل عدم لمسها أصلاً وكانت هذه الغرفةُ مغلقةً ومستثناةً من البيت، وأما الذي أودُّ الإشارةَ إليه فهوَ عملية التخلص من القمامة المتمثلة في علب الأكل وغيرها من الأشياء، لأن الأسرةَ كانت تعيش على الأكل من الخارج! فالأم لم تكنْ تطبخ! لأنها تريدُ تغيير الشقة والزوجُ لا يوافق!، المهم أن أكياس القمامةِ كانت تتجمعُ في أحد أركان الصالة ولم تكنْ تسمحُ لأي من أبنائها ولا زوجها بإلقائها من البيت وفي نفس الوقت لم تكن تقوم هيَ بذلك!.
وكنتُ كلما حاصرتها أعطتني موعدًا ستسمحُ فيه لابنها الكبير بإنزال أكياس القمامة إلى الشارع فلم يكنْ من الممكن أن أطلبَ منها أن تفتح الباب لعامل النظافة طبعًا، المهم أنها كلما كانَ يجيءُ الموعدُ كانت تعطلُ العمليةَ لأسبابٍ مثلَ أن ابنها لم يغسل يديه بعد عودته من الخارج أو أنهُ كذبَ عليها ودخل الغرفةَ الممنوع دخولها وهكذا، وأما ما يبدو مثيرًا للعجب فهوَ أن هذه المريضة كانت في الأصل تعاني من أفكار النظافة والخوف من العدوى والتلوث التسلطية، والواضحُ أن هؤلاء المرضى يقعونَ فيما يمكنُ تشبيههُ بحلقةٍ مفرغةٍ أو مصيدةٍ تبدَأُ ببساطةٍ بعجزهم عن التخلص من الأشياء التي تتكدسُ من حولهم وتجعلُ مكانَ معيشتهم كما قلتُ من قبل غير لائق لاستقبال الضيوف بما فيهم الأقارب وهم بالتالي ينعزلونَ اجتماعيًّا وبعضهم يفقدُ تقديرهُ لذاته بسبب عجزه الذي يدركهُ! ولا يستطيعُ التخلصَ منه، ويفقدونَ بالتدريجِ ذلك الدافعَ الطبيعي لتجميل وتنظيف مكان معيشتهم!
وأما محاولاتُ علاج هذا النوع من السلوك أو بالأحرى محاولاتُ علاج مرضى الوسواس القهري الذين تكونُ هذه النوعية من الأعراض بارزةً بينَ أعراض اضطرابهم، فمعظم هذه المحاولاتِ يشيرُ إلى أن وجودُ سلوك التخزين هذا يشيرُ إلى مآلٍ أسوأ واستجابةٍ أقل للعلاج العقَّـاري باستخدام الم.ا.س.ا (Hahm et al., 2001) وأما طرقُ العلاج الأخرى كالعلاج الجمعي والأسري والمعرفي(Steketee et al., 2000) فقد أثبتت نجاحًا أكبرَ لكن بعد مدةٍ تزيدُ على السنة مع إشراك أعضاء الأسرة في العملية العلاجية واعتبارهم مساعدين للمعالج.
وقدْ بينت بعضُ الدراسات الحديثة (Frost,et al., 1996) و(Frost, et al., 2000) التي قسمت مرضى اضطراب الوسواس القهري إلى مجموعتين حسب وجود أعراض السلوك التخزيني أو عدم وجودها أن مرضى الوسواس الذين يعانون من سلوك التخزين يوجدُ لديهم تصاحبٌ مرضي مع اضطرابات الشخصية كما يوجدُ لديهم كمٌّ أكبر من الإعاقة النفسية والاجتماعية، كما لاحظَ الباحثونَ في دراسةٍ حديثةٍ أيضًا (Christensen & Greist , 2001) أن مرضى الوسواس القهري من المخزنين اتصفوا بعدة صفات قللت من فرص نجاح العلاج السلوكي معهم فرغم اهتمام أسرهم وإلحاحهم بضرورة تغير المرضى إلا أن المرضى تميزوا بالنكران Denial والتبرير Rationalization لسلوكياتهم مع دافع منخفض للتغير كما أظهروا مقاومةً خفيةً للعلاج مع مماطلة في تنفيذ ما يتعهدون بتنفيذه رغم ادعائهم بأنهم يحاولون بكل قوةٍ أن يتعاونوا!
كما لوحظَ عليهم التردد بالرغم من رغبتهم في إسعاد الباحثين كما أنهم كانوا يغالون في تقييمهم للتحسن، كما وجدت دراسةٌ (Seedat & Stein , 2002) أخرى شملت 15حالةً من المخزنين أن ستةً منهم هم مرضى باضطراب الوسواس القهري بينما التسعةُ الباقون مرضى باضطراب الشخصية القسرية، وكان التشخيصُ مبنيًّا على وجود أعراض أخرى لهذه الاضطرابات غير التخزين المرضي لكن الغريب أن 14 من هؤلاء المرضى لم يروا سلوكهم التخزيني في حد ذاته علامةً على وجود مرض نفسي أو مرضًا في حد ذاته رغم إقرار ستةٍ منهم بأنهم لا يستطيعون التحكم في سلوك الجمع والتخزين (وائل أبو هندي،2003).
المراجع:
1. Okasha A. (2001) : OCD : A Transcultural Approach from an Egyptian Islamic Perspective, In :Okasha A. and Maj , M. (Editors) Images in Psychiatry An Arab Perspective. WPA , Scientific Book House ,Cairo.
2. Frost, R., & Gross, R. (1993) : The hoarding of possessions. Behaviour Research & Therapy, 31, 367-382.
3. Frost, R.O., Hartl, T.L., Christian, R., & Williams, R. (1995) : The value of possessions in compulsive hoarding: Patterns of use and attachment. Behaviour and Research Therapy, 33, 897-902.
4. Frost, R.O., & Hartl, T.L.(1996) : A cognitive-behavioral model of compulsive hoarding. Beh. Res. Ther.34,341-350.
5. Frost, R.O., Krause, M.S., & Steketee, G. (1996) : Hoarding & obsessive-compulsive symptoms. Behavior Modification, 20, 116-132.
6. Frost, R. & Steketee, G. (1998) : Hoarding: Clinical aspects and treatment strategies. In M. Jenike, L. Baer, & J. Minnichelo, Obsessive Compulsive Disorder: Practical Management (3rd Ed.). Mosby Inc., St. Louis.
7. Frost, R. & Steketee, G. (1998) : Hoarding: Clinical aspects and treatment strategies. In M. Jenike, L. Baer, & J. Minnichelo, Obsessive Compulsive Disorder: Practical Management (3rd Ed.). Mosby Inc., St. Louis.
8. Frost, R.O., Steketee, G., Youngreb, V.R., & Mallya, G.K. (1999) : The threat of the housing inspector: A case of hoarding. Harvard Review of Psychiatry, 6, 270-278.
9. Frost, R.O., Steketee, G., & Williams, L. (2000)a : Hoarding: A community health problem. Health and Social Care in the Community, 8, 229-234.
10. Frost, R.O. & Steketee, G. (2002, in press): Issues in the treatment of compulsive hoarding. Cognitive & Behavioral Practice. “Quoted from :http://sophia.smith.edu/~rfrost/reprint .html”
11. Frost, R.O., Steketee, G., Williams, L., & Warren, R. (2000)b : Mood, disability, and personality disorder symptoms in hoarding, OCD, and control subjects. Behavior Research and Therapy, 38, 1071-1082.
12. Steketee,G.,Frost, R.O.,& Kim, H-J. (2001): Hoarding by elderly people.Health & Social Work, 26, 176-184.
13. Steketee, G., Frost, R.O., Wincze, Greene, K., & Douglass, H. (2000) : Group and Individual treatment of compulsive hoarding: A pilot study. Behavioural and Cognitive Psychotherapy, 28, 259-268.
14. Frost, R.O. & Hartl, T. (2002,in press) : Obsessive Compulsive Hoarding. In R.G. Menzies & P. deSilva (Eds.) OCDs. John Wiley and Sons. “ Quoted from :http://Sophia .smith. edu /~rfrost /reprint.html”
15. Summerfeldt, L.J., Antony, M.M., & Swinson, R.P. (2000)b : Incompleteness: A link between perfectionistic traits and OCD. In P.J. Beiling (Chair), Perfectionism and Psychopathology: Linking Personality and Dysfunctional Behaviour. Symposium conducted at the the 34th annual meeting of the A ABT, New Orleans, USA , November,2000. “Quoted from http://www.trentu.ca/ psychology/ lsummerfeldt/abstracts.html”
16. Hahm, D.S., Kang, Y. , Cheong S.S. et al. (2001) : A Compulsive Collecting Behavior Following An A-Com Aneurysmal Rupture. Neurology, 56:398-400.
17. Christensen, D.D. and Greist , J.H. (2001) : The Challenge of OCD Hoarding. Primary Psychiatry, V. 8 , P :79-86.
18. Seedat S. and Stein DJ (2002) : Hoarding in OCD & related disorders: a preliminary report of 15 cases. Psychiatry and Clinical Neurosciences. 56(1): 17-23.
19- وائل أبو هندي (2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة إصدار يونيو 2003 عدد 293.
واقرأ أيضًا: