توجد معلومات حديثة كثيرة تشيرُ إلى انتشار اضطراب الوسواس القهري في الأطفال Childhood OCD وأحقيته بالاهتمام، إضافةً إلى اكتشاف علاقةٍ لبعض حالات الوسواس القهري في الأطفال بالتهاب الحلق وواحدةٍ من أكثر مضاعفاته شيوعًا وهيَ الحمى الروماتزمية، وكلك هناك إشارات إلى احتمال كون اضطراب الوسواس القهري الذي يبدأ في فترة الطفولة مختلفًا عن ذلك الذي يبدأ لأول مرةٍ في فترة الرشد، وبالرغم من أن وصفًا لاضطراب الوسواس القهري في الأطفال ذكرَ منذُ حوالي القرن (Janet,1903) إلا أن الموضوع لم يحظ بالاهتمام والدراسة المنظمة إلا في العقد الأخير؛ وربما كان السبب في ذلك راجعًا إلى عدم وعي الناس باضطراب الوسواس القهري من جهة بالإضافة إلى عدم إفصاح الطفل من جهةٍ أخرى عن أفكاره التسلطية أو أفعاله القهرية لأنهُ عادةً ما لا يفطنُ لها وعادةً ما يعرضُ على الطبيب لسبب آخرَ كاكتئابه مثلاً أو التهاب جلده من كثرة الغسيل واستخدام المنظفات أو التهاب لثته من كثرة استعماله للفرشاة ومعجون الأسنان وذلك بالطبع دونَ أن يذكرَ لا هوَ ولا أحدٌ من أهله شيئًا عن الأعراض القهرية إلا إذا تنبه الطبيبُ وسأل عنها.
وبالرغم من أن الدراسات القديمة على مرضى الوسواس القهري من الكبار كانت تشيرُ إلى أن نسبةً تتراوحُ بين الثلاثين والخمسين بالمائة منهم بدأتْ أعراضهم في الظهور خلال الطفولة أو المراهقة، بالرغم من كل ذلك تأخرَ البحثُ في اضطراب الوسواس القهري في الصغار على أساسِ أنهُ اضطرابٌ نادر الحدوث، والحقيقةُ أن الإحصاءاتِ الحديثةَ (Flament et al.,1990) و(Valleni-Basile et al., 1994) و(Douglas et al.,1995) تشير إلى معدل حدوث لاضطراب الوسواس القهري في الأطفال أعلى بكثيرٍ مما كانت تشيرُ إليه الإحصاءات القديمةُ (كما هو الحال في الكبار) فهو يصيبُ طفلاً أو طفلين من بين كل مائتي طفل ورغم تأثيره السلبيِّ الكبير على حياة الطفل الاجتماعية والأسرية وعلى أدائه الدراسي (Leonard et al.,1993) إلا أنه يظلُّ أقلُّ تشخيصًا وأقل علاجًا بالتالي مما يستحق خاصةً في مجتمعاتنا العربية ومع نقص وعي الناس والأطباء بالطب النفسي كله فضلاً عن الوسواس القهري.
كما أن وعيَ الأطباء النفسيين أنفسهم إلى اختلاف اضطراب الوسواس القهري في الأطفال عنهُ في الكبار لم يكنْ في وقت من الأوقات كما هو الآن فبالرغم من أن الأعراض القهرية متشابهة في الشكل وفي المحتوى (Hanna ,1995) و(Thomsen,1995) ما بينَ الكبار والصغار إلا أن هناك احتمالاً لوجودٍ اختلافٍ في الأسباب وربما شيئًا من الاختلاف في نوعية الاستجابة لطرق العلاج المختلفة ما بين اضطراب الوسواس القهري في الأطفال والكبار بل إن هناك ما يشيرُ إلى احتمال وجود عدة أنواع من الوسواس القهري في الأطفال (Swedo et al., 1989)و(Flament et al.,1990)؛ كما أن هناك علاقةٌ أوضحُ بالتغيرات العصبية في أنسجة المخ العصبية في كثيرٍ من الأطفال المصابين بالأعراض القهرية مثلما يلاحظُ بعد حالات رَقَص سيدنهام (أو الرقاص) Sydenham’s Chorea والذي يلي الحمى الروماتزمية (Swedo et al., 1997) و(Swedo et al., 1998) أي أن له علاقةً باضطراب المناعة الذاتية، وكذلك تلاحظُ الأعراض القهرية في الأطفال بعد إصابات النوى القاعدية في الدماغ وكذلك بعد التهاب المخ الفيروسي وكل ذلك إضافة إلى علاقتها باضطراب العرات أواللوازم الحركية أو الصوتية إنما يشيرُ إلى حدوث أعراض الوسواس القهري كنتيجة لتلف مناطق معينة من المخ هيَ في معظم الأحوال في النوى القاعدية خاصةً النواة المُذَنَّبَةُ وكذلك الحزام والفص الأمامي للمخ.
ومنَ المهم أن أبينَ قبلَ الدخول في تفاصيل هذا الموضوع أن هناكَ طقوسًا طبيعيةً يمرُّ بها معظمُ الأطفالِ خاصةً ما بينَ السنة الرابعة والثامنة من العمر مثل قفزِ الدرجةِ الأخيرة أو الدرجتين الأخيرتين من السلَّم عند الوصول إلى البيت ومثل العدِّ، وترتيبِ الأشياء بطريقةٍ معينةٍ وغيرها إلا أن هناكَ فرقًا بينَ هذه الطقوس المتعلقة بعملية النموِّ الطبيعية والتي تساعدُ الطفل على التحكم في قلقه الطبيعي وعلى تمثلِ القواعد الاجتماعية المختلفة وبينَ الطقوس القهرية التي تُـحَسُّ حتى من جانب الطفل كغير مرغوبٍ فيها، وعادةً ما تأخذُ الأعراضُ القهرية التي يعاني منها الطفلُ أو المراهقُ أحد الأشكال التالية (Rapoport , 1988) و(Rapoport , 1989) وليس الغرضُ هنا بالطبع إلا إعطاء الأمثلة لا الحصر لأن كل أنواع السلوك البشري يمكنُ إذا انطبق عليها تعريف الفكرة التسلطية أو الفعل القهري أن تكونَ كذلك“(Rapoport , 1988) و(Rapoport , 1989) و(El-Rakhawy , M.,1992):
أولاً: الأفكارُ التسلطيةُ:
-1- الاهتمام الزائد بالقذارة أو الجراثيم أو ملوثات البيئة.
-2- الخوفُ من حدثٍ مرعبٍ كالحرائق أو الموت أو المرض يحدثُ للذات أو لشخصٍ مهمٍ كالأم أو الأب أو الجد مثلاً.
-3- التنظيم والترتيب والدقة الصارمة.
-4- الشكوك الدينية.
-5- الاهتمام الزائد أو الاشمئزاز من مخلفات الجسم أو إفرازاته المختلفة كالبول أو البراز أو اللعاب.
-6- الانشغال الزائد بالأرقام (التي تجلب الحظ والأخرى التي تجلب النحس مثلاً).
-7- أفكار أو صور أو اندفاعات جنسية شاذةٌ أو محرمة.
-8- الخوف من إيذاء الآخرين أو الذات.
-9- الحاجة إلى السؤال المتكرر (عن أن شيئًا سيئًا لم يحدثْ) أو الاعتراف المتكرر.
-10- التكرار اللاإرادي لأصوات أو كلمات أو أنغام لا معنى لها ولكنها تحشرُ نفسها في وعي الطفل.
-11- الخوف من قول أشياء لا يجب قولها أو أسرار لا يريدُ الطفلُ إفشاءها.
ثانيًا: الأفعال القهرية:
-1- الغسيل (للأيدي أو الأسنان) أو الوضوء أو الاستحمام بشكل طقسيٍ أو مبالغ فيه.
-2- تكرار طقوس معينة كالدخول والخروج من الباب أو الصعود والهبوط على السلم عددًا معينًـا من المرات.
-3- التحقق المتكرر من غلق الباب أو أنبوب الغاز أو من إتمام الواجب المدرسي أو القدرة على كتابة كلمة معينة.
-4- طقوس معينة للتخلص من الملوثات (مثلا الغسيل من اليمين إلى اليسار أو من أعلى إلى أسفل).
-5- اللمس بطريقة معينة.
-6- ممارسة طقوس معينة لمنع الأذى عن النفس أو عن الآخرين.
-7- الترتيب أو التنظيم.
-8- العد (حتى رقم معين مثلاً)
-9- تخزين وتجميع الأشياء بطريقة طقسية (مع استثناء الهوايات بالطبع كجمع الطوابع مثلاً)
-10- التنظيف الزائد عن الحد المعقول للأدوات المنزلية أو المدرسية أو قطع الأثاث.
-11- الحركة بشكل معين أو الكلام بشكل معين أو الكتابة بشكل معين.
وعادةً ما تكونُ بدايةُ الأعراض في سن الخامسة أو أكبر من ذلك ونظرًا لأن الطفلَ يحسُّ على مستوى ما بغرابة ما يفعلهُ واختلافه فيه عن أقرانه أو عن بقية أفراد أسرته فإن الكثيرين منهم يخفون أعراضهم القهرية عن أهلهم؛ خاصة في الطفل الأكبر سنا والذي يحس إلى حد ما بعدم منطقية ما يفعل؛ ويخافُ من لوم الأهل له أو اعتقادهم بأنه يستطيع أن يتوقف عن أفعاله تلك التي لا معنى لها ويظل الطفل في معاناته الدفينة تلك محاولاً احتواءها إلى أن يفوقَ إخفاؤها طاقته؛ والملاحظة العملية في الطب النفسي تقول أنه في عدد لا يستهان به من الحالات يمارس الطفل أفعاله القهرية ويصارع أفكاره التسلطية لمدة تصل إلى العام وربما أكثر قبل أن ينتبه أحد أفراد أسرته أو مدرسته أو حتى طبيبه إلى وجود اضطرابٍ نفسي.
وعلى النقيض من ذلك نجد الكثيرين من الأطفال يشركونَ أفراد الأسرة في وساوسهم وأفعالهم القهرية خاصةً أولئك الأطفال الذين تتكونُ طقوسهم القهرية من شقين: الأول هو سؤالهم لأحد أفراد الأسرة عن أنهم لم يمرضوا أو أن مكروها لم يحدث لشخص محبوب لديهم ويكون الشق الثاني من الطقس هوَ أن يجيب الأب أو الأم بأن الطفل على ما يرام أو أن الشخص المحبوب لم يصبه مكروه!وعندما يرفض الأب أو الأم المشاركة في ذلك لأنه تكفي الطمأنة مرة أو مرتين نجدُ أن الطفل يضطربُ ويتوترُ بشدة وهنالك من يطلب من أفراد الأسرة جميعًـا مشاركته في الطقوس التي يمارسها كطقوس النظافة أو التنظيف أو مراقبته للتأكد من أنه يفعل المفروض بشكل مضبوط.
والحقيقةُ أن الدراسات العلمية لاضطراب الوسواس القهري في الأطفال في منطقتنا العربية قليلةٌ جدا إذا ما قارناها بالدراسات الغربية ففي مصر قامت مي الرخاوي (El-Rakhawy,M.,1992) بدراسة مجموعة من الأطفال المصابين باضطراب الوسواس القهري مستخدمةً مقياس ليتون للأطفال بعد ترجمته وتقنينه كما درست عائلات هؤلاء الأطفال، وكان أهم ما خلصت إليه الباحثةُ هوَ كون الضغوط العائلية من أهم الأسباب المرسبة لاضطراب الوسواس القهري في هؤلاء الأطفال، وفي الكويت قام فريح العنيزي(فريح العنيزي، (1997 بدراسة طبقَ فيها المقياس العربي للوسواس القهري على تلاميذ المرحلة المتوسطة (200 تلميذًا و198 تلميذة) وأظهرت النتائجُ أن التلميذات الكويتيات لهن متوسطات أعلى من التلاميذ في الوسوسة القهرية، وفي البحرين طبق توفيق عبد المنعم (توفيق عبد المنعم ، 2000) المقياس العربي للوسواس على عينة (402 شخص) من طلاب المدارس الثانوية والجامعة وكان أهم أهداف هذه الدراسة توضيح المعالم الأساسية لاضطراب الوسواس القهري وأعراضه لدى البحرينين ؛ بحيثُ يستفادُ من ذلك في تخطيط برامج الإرشاد النفسي.
المراجع الأجنبية:
1. Janet P. (1908) : Les obsessions et la psychiathenie 2nd edition Paris Bailliere, 1908.
2. Flament MF, Koby E, Rapoport JL, et al(1990) : Childhood Obsessive Compulsive Disorder: a prospective follow-up study. J Child Psychol Psychiatry 31:363-380, 1990.
3. Valleni-Basile L.A., Garrison, C.Z., Jackson K.L., et al (1994) : Frequency of obsessive compulsive disorder in a community sample of young adolescents. J Am Acad child Adolesc Psychiatry 33:782-791.
4. Douglass HM, Moffitt TE, Dar R, McGee R, Silva P (1995) : OCD in a birth cohort of 18-year-olds: prevalence and predictors. J Am Acad Child Adolesc Psychiatry 34:1424-1431.
5. Leonard HL, Swedo SE, Lenane M, et al (1993) : A2- to 7-year follow-up study of 54 obsessive compulsive disorder children and adolescents. Arch Gen Psychiatry 50:429-439, 1993
6. Hanna GL (1995) : Demographic and clinical features of obsessive-compulsive disorder in children and adolescents. J Am Acad Child Adolesc Psychiatry 34:19-27, 1995.
7. Thomsen PH (1995) : Obsessive compulsive disorder in children and adolescents: predictors in children for long-term phenomenological course. Acta Psychiatr Scand 92:255-259, 1995.
8. Swedo S, Rapoport J, Leonard H, Lenane M, Cheslow D (1989) : OCD in children and adolescents: clinical phenomenology of 70 consecutive cases. Arch Gen Psychiatry. 46:335–341
9. Swedo SE, Leonard HL, Garvey M, et al (1998) : Pediatric autoimmune neuropsychiatric disorders associated with streptococcal infections: clinical description of the first 50 cases. Am Psychi. 155:264-271.
10. Swedo SE, Leonard HL, Mittleman BB, et al (1997) : Identification of children with pediatric autoimmune neuropsychiatric disorders associated with streptococcal infections by a marker associated with rheumatic fever. Am Psychiatry 154:110-112.
11. Rapoport , J. L.(1988) : The boy who couldn’t stop washing. New York, E.P. Dutton.
12. Rapoport , J. L.(Ed.)(1989) :OCD in children and adolescents. Am. Psychiatric Press ,Washington D.C.
13. El-Rakhawy, M. Y. (1992): some variables related to the obsessional manifestations and symptoms in children attending psychiatric clinics. Unpublished master thesis, Cairo University Egypt.
المراجع العربية:
فريح العنيزي (1997) : الوسواس القهري لدى الأطفال الكويتيين ؛ مجلة دراسات نفسية ؛ المجلد الثاني ؛ العدد السابع . 202-181
توفيق عبد المنعم توفيق (2000) : الوسواس القهري ؛ دراسةٌ على عيناتٍ بحرينية. مجلة علم النفس،عدد يوليو 2000ص 64-77 .
وائل أبو هندي (2003): الوسواس القهري من منظور عربي إسلامي، عالم المعرفة إصدار يونيو 2003 عدد 293.
ويتبع >>>>> :علاج الوسواس القهري في الأطفال
واقرأ أيضًا:
هل يصاب الأطفال بالمرض النفسي؟؟!! / الاضطرابات النفسية عند الأطفال والمراهقين / تأثير وسوسة الوالدين على الأطفال / الوسواس القهري في الأطفال