ما هو مصدر الفكرة التسلطية (الوسواسية) الأولى؟ (2)
أرسلت أمنية (20 سنة،طالبة صيدلة، مصر) تقول:
د. وائل..... بعد التحية؛
قرأت مقالك عن مصدر الفكرة الوسواسية الأولى وقرأت الرأي الذي أوردته عن ارتباط الفكرة بأحداث مؤلمة في قولك:
"والحقيقةُ أن الأفكار الأساسية لمحاولات الفهم السلوكي للاضطرابات النفسية إنما تنبعُ أصلاً من التجارب على الحيوانات وأصحابها يرونَ كما ذكرتُ من قبل أن الأفكارَ التي تكونُ في البدء عاديةً تتحولُ إلى أفكار مؤلمةٍ أو منفرة من خلال ارتباطها الشرطي بشكل ما مع أحداثٍ مؤلمةٍ".
حسنا، من منطلق أنني قبل ذلك أصبت بوساوس العقيدة وأنني تعرفت إلى بعض الحالات التي عانت أيضا منه يمكنني أن أقول لك أن مصدر الفكرة الوسواسية الأولى في مجال العقيدة هي الخوف ومحاولة العقل الدفاع عن نفسه. وكي أكون أكثر توضيحا لكلامي: أنا مثلا منذ الصغر كنت أعاني من وساوس "سب الذات الإلهية أثناء الصلاة" لكن غالبا ما كنت أستبدل الفكرة بأخرى مقبولة وهذا الأمر لم يُعِقني عن أداء وظائفي ولم أعطِه الأهمية الكبيرة وبالتالي لم يسبب لي مشاكل نفسية. ولكن الشيء الذي كاد أن يصيبني بالجنون فعلا هو الوساوس المشككة في العقيدة في سن ال18 .
وأنا أتذكر جيدا السبب في أول فكرة وهو موت أحد الأقارب فجأة في حادث ورغم أن ذلك لم يسبب لي صدمة كبيرة إلا أنني بعد فترة حاولت أن أكون أكثر خشوعا في الصلاة وبدأت أفكر في الموت ولسوء الحظ بدأت أن أفكر فيه على أنه عذاب وكلنا سيتعرض لذلك فتملكني الخوف الشديد وأعتقد أنه كوسيلة للعقل للدفاع عن نفسه فإن جزءا منك يقول لك "ما الذي يجبرني أن أعيش بقية حياتي خائفا مرعوبا؟" وبالتالي يحاول أن يشككك في كل ما يتعلق بالعقيدة وهنا يبدأ الصراع بين جزء منك متدين تربى على الإيمان بالله والآخرة وجزء آخر خائف ومشكك ويتخذ من الإنكار حيلة دفاعية.
ثم تبدأ دوامة لوم النفس ومعاودة الأفكار ومحاولة مقاومتها فأنت لا تريد أن تموت كافرا، وهنا تحولت الفكرة من فكرة عادية يمكن أن تتخلص منها بالاستعاذة إلى فكرة استحوذت على كل تفكيرك لأنها أصبحت متعلقة بذاتك، بكينونتك، بمصيرك في الآخرة، فما الفائدة من فعل أي شيء آخر أو التفكير في أي أمر آخر ما دمت قد خسرت أعظم وأهم شيء وهو ديني، هكذا يفكر من ابتلي بهذا المرض، ولعل هذا هو الإجابة على لماذا تتحول الفكرة من عادية إلى وسواسية ولماذا نوليها هذا القدر من الاهتمام.
كما أنني قرأت عن حالتين كانتا مصابتين بوسواس العقيدة أيضا:
الأولى ماتت أختها أمام عينيها ثم أصيبت برهاب الموت ثم بدأت معها وساوس العقيدة.
والأخرى مات أخوها وتقول أنها كانت الأكثر صبرا في البيت ثم بعد فترة أصيبت بوساوس العقيدة.
كما أنني قرأت في كتاب "لا تخف" لدكتور ادوارد كولز أن لخلايانا العصبية طاقة معينة، إذا قلت هذه الطاقة بسبب التعب والإجهاد أو الخوف فإن تدفق المعلومات إلى أدمغتنا يزداد وشبه هذه الحالة بحالة سد المياه (الخلايا العصبية) وأنه إذا كان مرتفعا (الارتفاع والانخفاض يقصد به الطاقة في الخلايا العصبية) فإنه لا يسمح للنهر بإغراق ما حوله من الأراضي ولكن إذا كان منخفضا قام الماء (يقصد به الرسائل العصبية والمعلومات التي نفكر فيها) بإغراق ما حوله.
ولعلك ستجد أن معظم من أصيبوا بالوسواس القهري عاشوا ظروفا نفسية قاسية في فترة ما من حياتهم سببت لهم هذا الإجهاد العصبي والتعب فأصبحت عقولهم أرضا خصبة للوساوس.
أنا الآن شفيت والحمد لله لكن أردت أن أشارك فقط في الموضوع.
شكرا وعذرا على الإطالة
أي أن الخوف دوما هو البداية وإذا صادفت الوساوس عقلا مجهدا وتعبا فإنها بالفعل تكون بمثابة عود الثقاب الذي اشتعل في البنزين.
15/5/2008
أهلا بك يا أمنية على مجانين وشكرا جزيلا على ثقتك وعلى مشاركتك، أتفق معك طبعا في أن الخوف من فكرةٍ ما أو شعور ما أو بالأحرى حدثٍ عقلي ما والانزعاج الشديد استجابة له يجعل أي إنسانٍ عرضةً للوسوسة، ولكن ذوي الاستعداد البنيوي للوسوسة أكثر عرضة للانزلاق في الوسوسة عند حدوث مثل ذلك الانزعاج، وهم بالتالي أكثر عرضة من غيرهم للوسوسة تحت تأثير الكروب الحياتية المختلفة، لأن الكروب الحياتية Life Stressors بوجه عام تجعل الإنسان أضعف، وتستنفذ طاقة العصبونات (أو الخلايا العصبية) أيضًا.
لكن خبرتي يا ابنتي تقول أن هذا كله جزءٌ من الصورة يصلح للتفسير في بعض الحالات وليس كلها، فهناك من تهاجمهم الوساوس دون حوادث وفاة أعزاء عليهم أو حتى دون كروب حياتية بالمرة، وليس في حياة كل موسوس بالضرورة فترة عاش فيها ظروفا صعبة أو قاسية، صحيح أن للخوف دورا مهما ولكنه كثيرا ما يأتي بعد الحدث العقلي التسلطي أي استجابة له، وأحيانا يسبق الخوف من شيء ما (أو حدثٍ أو معنى ما) الحدث العقلي التسلطي لكن الخوف الذي ينتج عن الحدث العقلي نفسه صاحب دور أكبر في آلية حدوث الأعراض كما نفهمها، يعني لا نستطيع اعتبار الخوف مصدرا للفكرة التسلطية (الوسواسية) الأولى أو للحدث العقلي التسلطي الأول مثلما أفضل تسميته الآن، بقدر ما هو وسط نفسي معرفي شعوري يهيئُ للوسوسة ويسقط بعض ذوي الاستعداد البنيوي للوسوسة في براثنها.
أشكرك على مشاركتك وأهنئك بالشفاء وأنتظر مشاركات أكثر بعد قراءات في مجانين أكثر وأكثر.
ويتبع ..........: ما هو مصدر الفكرة الوسواسية الأولى مشاركة1
واقرأ أيضًا:
فكرة ؟ أم حدث عقلي تسلطي؟ مشاركة/ هل الوسوسة خبرة بشرية عادية؟/ المادة المسببة للوسواس: سلامتك من الصدمة