إدمان الشراء مرض أم عرض أم رد فعل؟؟1
نبين في هذا المقال الصورة المرضية لاضطراب الشراء القهري Compulsive Buying Disorder عارضين أعراضه وعلاماتِه، ومن المفيد أن نتخيل متصلا معرفيا سلوكيا لنشاط الشراء يتصف بالخلل في إدارة الذات Deficient Self-Regulation ، ويمتد المتصل من سلوك الشراء الاندفاعي الطبيعي في جهة إلى سلوك الشراء المرضي (الإدماني القهري) في الجهة الأخرى من المتصل، وما يحدث في بعض الأشخاص هو أنهم ينتقلون على هذا المتصل من الشراء الاندفاعي الطبيعي في البداية إلى الشراء الاندفاعي المتكرر Repetitive Impulsive Buying وصولا إلى الشراء القهري Compulsive Buying ؛
فعندما يندفع الشخص مرةً أو مراتٍ في شراء شيء أو أشياء تحت تأثير أنه منتج جديد أو متطور أو تحت تأثير خواص حسية معينة في المنتج وفي بيئة المتجر بشكله الحديث -حيث كل شيء يشجع على الشراء-، عندما يحدث ذلك ويرتبط بنتائج إيجابية أو مكاسب للشخص سواءً فيما يتعلق بالمنتج الذي يلبي احتياجاته أو يرتبط بتحسن الحالة النفسية للشخص والشعور بالنشوة، فإن الشخص بالتالي يكرر عملية الشراء ليحصل على تلك النتائج الإيجابية، وبالتدريج فإن ما يمكن أن يحدث لكثيرين هو أن المحفزات الإيجابية المتعلقة بالشراء تلهي الشخص أثناء الشراء عن الانتباه لعواقبه السلبية، وبالتدريج أيضًا يتحول الحافزُ من الرغبةِ لشِراء منتَج معيّن إلى الرَغْبة لعمليةِ الشراء نفسها، وتتحول أعراض الشخص من نوبات شراء اندفاعي Impulsive Buying Binges حادة إلى سلوك شراء قهري مزمن ومستمر Chronic Compulsive Buying .
يظهر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب انشغالا بالغا بالتسوّق والشراء، ويُكرّسُون كثيرا من أوقاتهم له. ويَصِفُون مستوى متزايدا في أغلب الأحيان مِنْ الحافزِ أو الرغبة الملحة في الشراء أَو القلقِ الذي يُمْكِنُ فقط أَنْ يهدأ بالشروع في التسوق أو بالشراء فعلا، ويُميّزُ دونالد بلاك (Black, 2007) أربع مراحل لما نستطيع تسميته بدورة الشراء القهريِ هي:
(1) توقع
(2) تحضير
(3) تسوّق
(4) إنفاق.
في المرحلةِ الأولى، يُطوّرُ الشخص الأفكارَ، والحوافز، أَو الانشغال بالحاجة لشيء معيّن، أَو ينشغل بفعل التسوّق نفسه. وفي المرحلةِ الثانيةِ، يَستعدُّ الشخصُ للتسوّق والشراء. وهذه المرحلة يُمْكِنُ أَنْ تَتضمّنَ القرارات متى وأين يذْهبُ، أو ماذا سيَلْبسُ، أو حتى أَيّ بطاقات ائتمان سيستعمل. وربما تشمل أيضًا انشغالا مفرطا وبحثا عن إصدارات جديدة، أزياء جديدة، أَو أماكن بيع جديدة. وتَتضمّنُ المرحلةُ الثالثةُ تجربةَ التسوّق الفعليةِ، والتي يصفها عديد مِنْ المرضى بأنها تُثيرُهم بحدّة، ويُمْكِنُ أَنْ تُؤدّي إلى حتى شعور بالإثارة الجنسية!، وأخيرا تكتمل الدورة بالشراء، وفي أغلب الأحيان يلي ذلك إحساس بالندم أَو الإحباط من النفس.
ومن الأسئلة البسيطة التي تفيد في معرفة ما إذا كان الشخص مصابا باضطراب الشراء القهري الأسئلة التالية التي أخذتها عن دونالد بلاك (Black, 2000):
1- هَلْ تَشْعرُ أنك منشغل بالتسوّق والشراء أكثر من اللازم؟
2- ألم تَشْعرُ أبداً بأنّ سلوكك أثناء الشراء لا يمكن السيطرة عليه أو غير ملائم أو مفرط؟
3- هل شعرت يوما أن رغباتك أو دوافعك أو تخيلاتك الشرائية أو سلوكك الشرائي
- مضيع جداً للوقت
- جَعلَك تشعر بالانزعاج أَو بالذنبِ
- سبب لك مشاكل خطيرة، مثلا صعوباتِ الماليةِ، مشاكل قانونية، أَو خسارة أسرية؟ أو اجتماعية؟
وفي دراسة اهتمت بمعرفة المشاعر والأفكار السابقة لعملية الشراء أو الأسبقيات Antecedents والمشاعر والأفكار التي تعقبها أو العواقب Consequences وجد أنّ الأسبقيات السلبية (كالكآبة والقلق، والملل، والأفكار المحرجة ذاتيا، أو الغضب) كَانتْ أكثر الأسبقياتِ ذكرا من المرضى، بينما العواقب الإيجابية كالسرور المفرط أَو الشعور بالإغاثة والخلاص مِنْ العواطفِ السلبيةِ كَانت العواقب الأكثر شيوعاً (Miltenberger et al., 2003)
وغالبا ما يتسوق هؤلاء المرضى منفردين أو فقط في صحبة أمثالهم من المهووسين بالشراء (Schlosser et al., 1994) وسبب ذلك أن نشوة الشراء تميل أكثر لأن تكون نشوة شخصية لا يشارك فيها أحد (باستثناء البائع)، إضافة إلى لجوء غالبية المرضى إلى اعتبار الأمر سريا لما يستشعرونه من عدم منطقيته، ويمكن أن يقصد مرضى الشراء القهري أي نوع من أنواع المحلات ضخمة كانت أو صغيرة أو حتى تلك الملحقة بمحطات البنزين أو مترو الأنفاق، ولا تبدو علاقة مؤكدة بين مستوى الدخل وحدوث أعراض الشراء القهري فحتى من لا يمتلكون المال يمكن أن ينشغلوا تماما بأحلام يقظة وأفكار تتعلق بالشراء وربما يختارون خيارات تتناسب مع قدراتهم الشرائية المحدودة لكنها تبقى مَرَضَيةً لانعدام أو تفاهة الحاجة لما يشترون.
ومن المهم التفريق بين من يشترون بإفراط أو بانفلات بينما هم تحت تأثير نوبة هوس Mania أو هوس خفيفٍ Hypomania ومن يشترون بإفراط وانفلات لأنهم مرضى باضطراب الشراء القهري، فبينما يقتصر سلوك الشراء المنفلت في الحالة الأولى على مدة النوبة أو النوبات ويكون منبسط المزاج وباعثا الشعور بالبهجة في من حوله، كما يكون شاعرا بالعظمة والقوة، لكنه في نفس الوقت يظهر عدم اتزانه وانفلاته في غير الشراء ككثرة الكلام أو الحركة مثلا كما تبدو خططه غير واقعية، مثلما تبدو مبرراته أحيانا لما يشتريه أو لما اشتراه وهو كثيرا ما يتباهى به أو على الأقل يظهره ولا يخفيه.
بينما مريض الشراء القهري يشتري بإفراطٍ وانفلات بشكل مستمر زمنيا طوال العام كما يظهر انشغاله الذهني بالشراء والمشتريات واضحا معظم الوقت (باستثناء من يضطرون أو يلجئون إلى السرية في سلوك الشراء)، ورغم أن مرضى الشراء القهري يشعرون بسعادة غامرة وربما بقوة ذاتية أثناء الشراء إلا أن ذلك كله عابر وغالبا ما يعقبه شعور بالخزي أو الذنب أو الندم أو مجرد اللامعنى، وهذا ما يجعل المريض يضيق ذرعا بسلوكه أو ما يدل عليه وكثيرا ما يخفيه عن الآخرين.
وأما ماذا يشتري مرضى الشراء القهري فرغم أن كل شيء يمكن أن يكون مادة للشراء إلا أن الدراسات الغربية تظهر ما يلي من البضائع مرتبا ترتيبا تنازليا: الملابس، الأحذية، الأقراص المضغوطة، المجوهرات، مستحضرات التجميل، والمواد والأدوات المنزلية (Miltenbergeret al., 2003)، كذلك غالبا ما يهتم أولئك المرضى بالكم أكثر من اهتمامهم بالكيف، كما يسقطون فريسة للعروض التجارية أكثر من غيرهم بكثير، ومن بين المرضى ربما نجد النساء أكثر شراء للملابس والأحذية ومستحضرات التجميل ومتعلقات المنزل بينما الرجال أكثر ولعا بالإليكترونيات والقداحات والساعات والأدوات الرياضية إلخ.
وبشكل عام يقر المرضى بأن الشراء القهري يمثلُ لهم مشكلة كبيرة على المستوى الأسري والاجتماعي والاقتصادي فقد اعترف 85% من المرضى في دراسة بأن ذلك أغرقهم في الديون بينما أقر 74% في دراسة أخرى بأن سلوك الشراء خارج عن سيطرتهم، واعترف 68% مِنْ المرضى بأنّ الشراء القهري أَثّرَ على عِلاقاتِهم سلبياً، وفي دراسة أخرى ( et al., 2003Miltenberger) يقر 92% من المرضى بأنهم يفشلون غالبا في مقاومة الرغبة الملحة في الشراء، وأنهم في 74% من المرات يخفقون فيكملون الدورة بالشراء (Black, 2007)، وأما مآل البضائع التي يشتريها هؤلاء فيتراوح بين خزنها دون استخدام إلى إعادتها للبائع أو بيعها لآخر أو حتى التخلص منها.
وأظهرت دراسة أخرى لدونالد بلاك (Black, et al., 2001) أن الحالات الشديدة من اضطراب الشراء القهري ارتبطت بإجماليِ دخل أقل، وبإمكانية أقل لكون الدخل العام فوق المتوسطِ، وإنفاق نسبة مئوية أقل مِنْ الدخلِ في الشراء من المزادات السنوية. وكان الحالات الأشد حدّة من مرضى الشراء القهري لديهم على الأرجح اضطرابات نفسية مواكبة، أو اِضطرابات شخصية. أي أنّ الأشكالِ الحادّةِ لاضطراب الشراء القهري تَوجدُ في ذوي الدخول الضعيفةِ والقدرة الصَغيرة للسَيْطَرَة على أَو تَأخير رغباتهم في الشراء الاندفاعي، وأما الارتباط بدخل أقل والذي أظهرته الدراسة السابقة فيتنافي مع نتائج واستنتاجات دراسة أقدم كانت قد أظهرت علاقة بشكل حرف الـ U المقلوبة أي أن علاقة الدخل بالشراء القهري تبدأ طردية ثم تتحول إلى علاقة عكسية (,1990d’Astous)، كما أظهرت دراسة أخرى عدم وجود علاقة بين الدخل وشدة الاضطراب (1989,O’Guinn & Faber).
وليست بين يدي دراسات في المنطقة العربية -مع الأسف- على أيٍّ من مرضى الشراء القهري ولكن ذلك لا يعني غيابهم فالحقيقة أن معظم الأطباء النفسانيين في المنطقة العربية -خاصة في دول الخليج- يصادفون أعراض الشراء القهري المرضي ولكن غالبا ضمن حالات اضطرابات المزاج أو اضطرابات الشخصية.
المراجع
يتبع>>>>>>>>: إدمان الشراء مرض أم عرض أم رد فعل؟؟3
اقرأ أيضاً:
مجتمع يربينا على الإدمان ولا مجتمع الفياجرا؟ / إدمان الجنس : الجنس القهري : توطئة وتقديم / الفهم الحالى للإدمان رؤية متحفظة