الاضطرابات ذات العلاقة بالخطل الجنسي - الشذوذات الجنسية تقديم
السلام عليكم؛
قد قرأت مقالكم عن الاضطرابات ذات العلاقة بالشذوذات الجنسية، ويبدو أن الصورة بدأت تتضح لي، وستزداد وضوحاً بإذن الله تعالى عند قراءة المقالات التالية -أسأل الله أن يوفقكم لكتابتها- وقد كنت اعتذرت عن الخوض في جزئيات المسألة للإحراج، ولكن لا بأس في الكلام في العموميات، من أجل أن نتصور المسألة في مكانها بين المصائب التي حلت بمجتمعنا.
سيدي الكريم:
إن المصائب التي ترونها كل يوم في عيادتكم وتقرؤونها على الموقع كفيلة أن تزلزل الجبال، وأنا أعجب كيف يستطيع الطبيب النفساني العيش بهناء بعد كل ما يرى ويسمع... وأعلم أنكم تحترقون، وتصرخون بكل من يمكن أن يتدخل لإنقاذ الموقف لأن ما ترونه لا يراه غيركم أو على الأقل لا يقدر فداحته...
والذي أراه أن المسألة ذات شقين:
الأول: الحكم الفقهي للممارسات المنحرفة التي انتشرت.
والثاني: كيف يطبق هذا الحكم في مجتمعاتنا كي يتم تدارك الويلات التي حلت به؟
والذي يبدو لي أن المشكلة الكبرى في الشق الثاني لا الأول. لأن الأول واضح ومعروف بل والاجتهاد فيه يسير إن استجد شيء لم يكن من قبل. ولكنه إن لم يصاحبه تطبيق لم يكن له من الفائدة إلا رفع الإثم عن الذين اجتهدوا وبينوا الحكم!
إن الفقهاء عندما يدرسون هذه الاضطرابات ينظرون إليها ويصنفونها بطريقة مختلفة عن التقسيم الطبي، فهناك أحكام ثابتة أزلية إلهية المصدر لا تبديل فيها ولا تغيير ولا تخضع لرأي المجتمع وأعرافه، بل هي التي تخضع آراء المجتمع لها،-على عكس النظرة الغربية- هذه الأحكام يدخل تحتها جميع الحالات الماضية والمستجدة لاشتراكها بعلة واحدة.
ويمكن تصنيف أحكام الأمور الجنسية على النحو التالي:
1- ما يتعلق بغير المتزوجين.
2- ما يتعلق بالمتزوجين.
فأما غير المتزوجين: فلا يحل لهم أن يثيروا غرائزهم بأي وسيلة من الوسائل، لا بالاسترسال بالتخيل، ولا عن طريق الجنس الآخر أو نفس الجنس، أو الذات، أو الحيوان أو الجماد... (وطبعاً لهذا تفصيل لا يتسع له المقام).
إذن فالشاب والفتاة منذ بلوغهما -بل قبل ذلك- من المفروض أن يكونا يملكان الوازع الذي يصرفهم عن إشباع غرائزهم بالأمور المحرمة المذكورة، سواء كانت مما تقبله الفطرة -فيما لو كان بالحلال- أم لا. فإن حصل غير الذي من المفروض أن يحصل، فهو ليس من تقصير العلماء في بيان الحكم بل يعود لأمور أخرى سأذكرها.
وأما المتزوجون: فقد بين لهم الشرع بنصوصه ما يحرم عليهم مع أزواجهم: وهو الجماع وقت الحيض، وفي غير محل الولد. (ويحرم عليهم كذلك ما سوى العلاقات الزوجية مما كان يحرم عليهم قبل الزواج طبعاً). ثم هناك قواعد شرعية تستلزم إضافة قيدين على ما نُصِّ على تحريمه في العلاقة الزوجية:
أولهما: أن لا يكون فيما يقع بين الزوجين تفويت لحق الطرف الآخر في الجماع، ولا إكراه له على ما يشمئز من الأمور المخالفة للفطرة السوية (ويدخل ضمنها ما يعده الطب من قبيل الاضطرابات).
ثانيهما: ألا يكون فيما يمارسه الزوجان ضرر عليهما أو على أحدهما. فإن تم التراضي بين الزوجين على شكل من العلاقة بينهما، وكانت هذه العلاقة لا تتسبب بضرر ما فالعلاقة جائزة. وأما إن فات أحد هذين الشرطين فالعلاقة غير جائزة. وشرط التراضي مرتب على شرط عدم وجود الضرر، أي لا قيمة لتراضي الطرفين إن كان هناك ضرراً فيما تراضيا عليه... والتراضي أمر خاص بين الزوجين فلا دخل للفقهاء به. (كذلك هناك اختلاف بين الفقهاء في التفصيلات المتعلقة بذلك لا يتسع لها المقام).
فيبقى دور الفقهاء محصوراً في قضية وجود الضرر:
ولكن إذا نظرنا إلى الضرر فهو ينقسم إلى قسمين: ضرر يختلف من شخص لآخر، وهذا لا يمكن للفقهاء أن يعطوا حكماً بتحريم نوع من أنواع العلاقات مطلقاً، فهم يذكرون قاعدة تحريم ما فيه ضرر عموماً، ثم يتركون تحديد هذا الضرر للأطباء وللشخص نفسه في كل حالة من الحالات، فمن تضرر من فعل ما حرم عليه.
وأما الضرر العام، الذي لا بد أن يلحق كل شخص يمارس علاقة ما مع زوجته إلا في الحالات النادرة، فهذا الذي يمكن للفقهاء أن يجتهدوا فيه هذه الأيام بعد تقدير ضرره الذي يبينه لهم الأطباء، ثم بعد ذلك يصدرون الحكم المناسب بحل العلاقة الفلانية أو حرمتها...
فالأمر إذن محصور في دراسة العلاقات القائمة بين الزوجين والتي لم يرد نص بتحريمها، ولكن القواعد الشرعية تقتضي حرمتها لضررها، فيكون دور الأطباء بيان الأضرار، ويكون دور الفقهاء الاجتهاد لمعرفة الحكم على ضوء الأضرار المذكور والثابتة بالاستقراء للحوادث والوقائع المستجدة، ليصنفونها تحت الأفعال التي حرمت لضررها.
إلى هنا الأمر يسير ومحصور في إصدار الأحكام: افعل أو لا تفعل. والمؤمن مطالب بالامتثال طاعة لله تعالى، لكن لو نظرنا إلى الذين حل بهم البلاء، نجد أن الغالبية العظمى منهم ممن لم يستطع التزام الأحكام الشرعية المتعلقة بالمحرمات المقطوع بها والمعلومة من الدين بالضرورة، والتي لا تقبل الاجتهاد، فكيف نضمن التزامه بهذه الأحكام بعد انزلاقه إليها وإدمانه عليها؟
إن الطريق المنطقي الأول تنمية الصلة بالله تعالى في قلوب الناس وتكوين وازع داخلي يجعلهم يلتزمون الأحكام التي تضمن لهم سعادتهم وسلامتهم في الدنيا والآخرة.
وهذا تقوم به عدة جهات:
الجهة الأولى والأساسية: الأسرة التي من المفروض (وليس كل مفروض يقع) أن تنبه أبناءها على ما يحل ويحرم من الأمور الجنسية والأحكام المتعلقة بها، وتذكرها لهم على أنها أمور طبيعية في الإنسان تعبدنا الله تعالى بأحكام تعلقت بها.
وعرض الأمور الجنسية بهذه الطريقة يثقف الأولاد دون أن يثير عندهم أدنى شهوة أو شعور منحرف، وتجعلهم يستغنون عن التعرف على هذه الأمور من خلال القنوات فاسدة، كالتجريب بالنفس، أو سؤال أصدقاء السوء، أو عن طريق وسائل الإعلام... وهذا أمر ملموس عند البقية الباقية من الأسر التي تهتم بتربية أبنائها على هذا النحو. وأما سائر الأسر فاقرأ عليها الفاتحة.
الجهة الثانية: المجتمع، إذ من المفروض أيضاً، أن يجد الشاب والفتاة -اللذين فاتتهما التوعية داخل لمنزل- من يعلمهم من أقاربهم أو في المدرسة أو من بين الأصدقاء، أو في وسائل الإعلام (نكتة)، وذلك على النحو الصحيح شرعاً!!! ولكن كما تعلمون الأمر بخلاف هذا تماماً! ومن المفترض -أيضاً- أن تقوم الجهات المسئولة بمنع كل ما يؤدي إلى انحراف الشباب -وإن كان مباحاً في أصله- مساعدة لهم على العفة، وهذا ما لا يحق للفقهاء فعله، ولا إلزام الناس به...
الأسرة فسدت وفقدت دورها، المجتمع كذلك فقد دوره، من بقي؟
لم يبق إلا العلماء والمساجد! فأما المساجد فالمقصود بها ارتيادها لتعلم العلوم الشرعية ولتقوية الصلة بالله، والتي تضمن التزام الإنسان بالأحكام بحب ورضا وليس تعلمها فحسب ثم مخالفتها. وغالب المصابين بالاضطرابات لا يعرفون إلى المساجد سبيلاً، اللهم إلا فئة منهم يرتادونها في بعض المواسم الدينية لتأدية بعض الحركات والطقوس ثم يخرجون منها كما دخلوا!!
ولما كان الأمر كذلك فليخرج العلماء إلى خارج المسجد! ماذا عساهم يفعلون وحولهم هذا الفساد الذي عم وطمّ! والناس حولهم كما تعلمون كلهم آذان صاغية وينتظرون من يكلمهم ليهرعوا للتطبيق عند أدنى إشارة(أظن فهم المقصود)!
لا يملك العلماء المساكين إلا أن ينبهوا الناس إلى علاقتهم بالله وإلى حقيقة وجودهم، فيرغبون في طاعته، ويرهبون من اقتراف المعاصي. ونظراً لأن هناك أولويات فهم يركزون على المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة كالتنبيه على حرمة الزنى، ويحاولون سد الطرق المؤدية إليه وإلى غيره بالتنبيه إلى الأحكام الأساسية الأخرى من ضرورة غض البصر وعدم الاختلاط أو إقامة الصداقات والعلاقات العاطفية... إلخ، ثم بعد ذلك، هم يبينون الأحكام الأخرى لمن كان عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وجاء يسألهم عن أمور دينه، علماً أنهم لا يقصرون في بيان تلك الأحكام جميعها في مجالسهم في المساجد التي زهد الناس بها!
وهناك من يتعرض للشذوذات وسائر الاضطرابات في وسائل الإعلام، ولكن جهودهم فيما يبدو تحتاج إلى تكثيف وإلى عرض للموضوع على أسس علمية لا الاكتفاء بمجرد المواعظ التي لا يلقي لها شبابنا بالاً... أو لعلي لا أدري إن كان الشباب يهمه أن يعمل عقله في الأبحاث العلمية! صراحة إنما نحن في فتن كقطع الليل المظلم تجعل الحليم فيها حيران!
الآن وبعد هذا العرض: ما الذي تريدونه من الفقهاء المساكين يا دكتور؟ وهل يمكنهم بذلك أن يحلوا الأزمة برأيكم؟
أظن أن الحكم الشرعي حتى يعطي نتائجه الملموسة في المجتمع لا بد أن ينتظم مع مجموعة من الأحكام الشرعية التي تأتي قبله وبعده، أما أن نجتزئ حكماً واحداً لنجعل منه حلاً لتلك المشكلات والاضطرابات المريعة التي تذكرونها وتشرحونها فهذا ما لا يمكن أبداً أن يكون...
الأمر كما ترى يا سيدي خارج عن الوسع حالياً، وإنما نبين ونعمل لنبرئ ذمتنا عند الله تعالى، ولنقوم بمهمتنا تجاه الذين يملكون نفوساً طيبة لكنهم حرموا ممن ينير لهم طريقهم، وممن يدلهم على الحياة السعيدة في الدارين... ولعله -إن صبرنا وثابرنا على ذلك- أن يكرمنا الله تعالى في يوم من الأيام فيقف هذا السيل الجارف من الفساد الذي يغرق مجتمعاتنا ولا يستطيع سد أن يقف في طريقه...
أسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال، وأرجو أن يكون فيما كتب ما يفيد الموضوع، ويساعد على إيجاد حل لما يحدث.
اقرأ أيضاً:
الشذوذات الجنسية(2) THE PARAPHILIAS / مراهقة تتساءل هل أنا شاذة؟ م1 / توثين القدم، طفرة: فيتشية أنثوية / تطور الحال للأسوأ ما العمل؟؟ / زوجي يطلب مني خيانته مع آخر