كرب ما بعد الصدمة PTSD لدى أطفال فلسطين: آفاق التشخيص والوقاية والعلاج
حين نسمع كلمة طفل تتوارد إلى الذهن صور ومعاني البراءة والعذوبة والمرح واللعب والتلقائية والسرير الدافئ والحاجة للرعاية والحماية والأمان في حضن أم وأب هما نفسهما ينعمان بالأمان والسلام والطمأنينة، وفي بيئة تخلو من الأخطار. أما حين يقال طفل فلسطيني فإن الصورة تتغير تماماً وتضطرب اضطراباً شديداً، وعلى الرغم من وجود الكثير من الهيئات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية والمواثيق التي ترعى وتدافع عن حقوق الطفل في العالم كله... إلا أن كل هؤلاء جميعاً يصيبهم الخرس حين يكون المعتدي إسرائيلياً أمريكيا والمعتدى عليه فلسطينياً.
تأثير الأحداث الصادمة على نفس الطفل الفلسطيني:
الطفل ليست لديه القدرات المعرفية الكافية لكي يستوعب تلك الخبرات الصادمة ويعطيها معنى مفهوما. لذا يصبح هضم هذه الخبرات صعبا، يضاف إلى ذلك عدم قدرته على التعبير اللفظي عن معاناته لذلك تحدث اضطرابات كثيرة في دائرتي المشاعر والسلوك. فالطفل الفلسطيني يواجه كماً هائلاً ومتزايداً من العنف المباشر وغير المباشر بشكل يومي وهو لا يعرف لماذا يحدث وإذا عرف لا يفهم مغزى الأحداث كما يفهمها الكبار.
وحين يتعرض أي طفل لخطر فإنه يحتمي بأمه أو أبيه أو يلوذ بالفرار نحو بيته ليجد فيه الأمان، أما في حالة الطفل الفلسطيني فلا يوجد مصدر للحماية ولا يوجد ملاذ آمن فالأب والأم حياتهما مستباحة والبيت حرمته منتهكة، وقوات الشرطة الفلسطينية مطاردة. أي أن الطفل الفلسطيني حين يداهمه الخطر فإنه يفتقد إلى أي غطاء للأمان ويفتقد إلى الحماية والرعاية بل قد يواجه الصواريخ والدبابات والمدافع والرشاشات بجسد عارٍ تماماً من وسائل الحماية. وهذا وضع متفرد لا يكاد يوجد مثيله في العالم كله، إذن فنحن أمام خبرات صادمة وأخطار هائلة وهذه الخبرات مستمرة ومتصاعدة ومفرطة وغير إنسانية وغير منطقية، يتعرض لها أطفال صغار يفتقدون للمأوى والملاذ والحماية، وهذا يجعلنا نقترب من الصورة الكارثية للحالة النفسية لهؤلاء الأطفال.
ما هو اضطراب كرب ما بعد الصدمة PTSD ؟
إن السمة المرضية (Psychopathology) الأساسية في هذا الاضطراب هي "الذاكرة الصدمية" (Traumatic Memory) وهذا ينعكس في أعراض نفسية محددة وردت في الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للأمراض النفسية (DSM IV 1994) كما يأتي:
أ) تعرض الشخص لحادث صدمي (أذوي) وحدث التالي:
1- مر الشخص بخبرة أو شاهد أو واجه حدثا أو أحداثا تضمنت موتا حقيقيا أو تهديدا بالموت أو إصابة بالغة أو تهديدا شديدا لسلامة الشخص أو الآخرين.
2- تتضمن استجابة الشخص خوفا شديدا وإحساسا بالعجز والرعب، وفي الأطفال يظهر هذا في صورة سلوك مضطرب أو هجاجة.
ب) تتم إعادة معايشة الحدث الصدمي بطريقة أو بأخرى من الطرق التالية:
1- تذكر الحدث بشكل متكرر ومقتحم وضاغط وذلك يتضمن صورا ذهنية أو أفكارا أو مدركات.
2- استعادة الحدث بشكل متكرر وضاغط في الأحلام.
3- التصرف أو الشعور وكأن الحدث الصدمي (الأذوي) عائد.
4- انضغاط نفسي شديد عند التعرض لمثيرات داخلية أو خارجية ترمز إلى أو تشبه بعض جوانب الحدث الرضحي.
5- استجابات فسيولوجية تحدث عند التعرض للمثيرات سابقة الذكر.
ج) التفادي المستمر لأي مثيرات مرتبطة بالحدث إضافة إلى خدر عام في الاستجابات.
د) أعراض زيادة الاستثارة بشكل دائم.
هـ) الأعراض مستمرة لمدة شهر على الأقل (أما إذا كانت أقل من شهر فيطلق عليها اضطراب الكرب الحاد).
و) يسبب هذا الاضطراب انضغاطاً إكلينيكيا واضحاً أو يؤدي إلى تدهور في الأنشطة الاجتماعية أو الوظيفية أو جوانب أخرى هامة.
وفي الأطفال ربما لا نجد عملية استعادة الحدث بالشكل المألوف لدى الكبار وإنما نجد عملية تمثيل الحدث أثناء اللعب، أو نجد أحلاما مفزعة لا يستطيع الطفل ذكر محتواها.
التقدير النفسي للحدث عند الطفل:
يتأثر تقدير الشخص للحدث الصادم بعوامل ثقافية ودينية تعطي للحدث معنى معيناً يترتب عليه حجم ونوعية التأثر به، يحدث هذا في الأشخاص الراشدين أما في الأطفال فإن البناء المعرفي لم يكتمل بعد ولذلك يبدو التقدير النفسي للحدث غامضاً وبالتالي يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، ولكن على أي فإن الحدث الصادم (أو الضاغط أو الأذوي) يدهم شخصية لم تنضج بعد معرفياً ووجدانياً وروحياً وبالتالي نتوقع إحداث تشوهات نمائية متعددة وعميقة تحتاج للعديد من الدراسات الطولية الممتدة عبر الأجيال لتقديرها.
تأثير الحدث الصدمى على المعتقدات الأساسية لدى الطفل:
من خلال تعامل الطفل مع أسرته ومع عالمه الصغير تتكون لديه صورة بسيطة عن نفسه وعن الحياة (تسمى افتراضات أساسية) تتلخص في:
1- أنه شيء محبوب من المحيطين به.
2- أنهم يقومون بحمايته ورعايته ولا يعرضونه للخطر، وهم قادرون على ذلك.
3- أن هناك منطقا يحكم العالم وهو أن الخير دائماً ينتصر لأن الله يحب الأخيار ويحميهم ويساعدهم.
وعند تعرض هذا الطفل للحدث الصادم فإن هذه الافتراضات أو القناعات الأساسية تتزلزل وتتهدم في لحظة الاعتداء على الطفل أو ذويه حيث يرى كل شيء يتغير أمام عينيه فتهتز كل ثوابته ويتعرض للتناثر والتشتت وتتعرض صورته عن نفسه وعن العالم للتشوه. وبما أن تكوينه المعرفي والوجداني لم ينضج بعد لذلك تكون الآثار عميقة ومؤثرة بشكل أكثر من الكبار.
وقد يقول قائل: "إن الطفل لديه قدرة كبيرة على التأقلم مع الأحداث ربما تفوق قدرة الكبار وذلك بسبب عدم وجود تصورات جاهزة كثيرة عن العالم لديه وبالتالي فهو أكثر تقبلاً للتصورات والأنماط الواقعة فعلاً دون مقارنتها بنمط قياس"؟.
وهذا القول صحيح من ناحية ولكنه من ناحية يعني أن التأقلم حين يحدث في هذه الظروف فإنه يؤدي إلى تثبيت أفكار واتجاهات العدوان والانتقام وعدم الثقة في أي شيء.
وبما أن الوضع في الأراضي الفلسطينية متفرد حيث الخبرات الصادمة متكررة ومتصاعدة وحيث المجتمع كله تحت التهديد والخطر وحيث انعدام مصادر الدعم والمساندة، فإننا نتوقع اختلاف حالة الأطفال الذين يعانون من مثل هذا الاضطراب واختلاف المسار والمآل لاضطراب كرب ما بعد الصدمة لدى الأطفال الفلسطينيين فنحن هنا لا نصل إلى حالة "ما بعد الصدمة" لأن الصدمات متتالية ومستمرة بل ومتصاعدة وقد دفع هذا بعض القائمين على برنامج الصحة النفسية لمجتمع غزة (فإن إينويك والمصري وأبو طواحينا 1992) إلى اقتراح ما يسمى بـ (زملة غزة) والتي تتميز بعلامات إكلينيكية خاصة مثل وجود ضلالات وأفكار اقتحامية وسواسية والضلالات هنا تختلف عن مثيلاتها في الاضطرابات الضلالية المعهودة في أن المريض يدرك أنها غير طبيعية.
ومن خلال تعاملي الشخصي المباشر مع بعض هذه الحالات التي حضرت إلى مصر للعلاج وجدت بعض الأعراض التحولية (مثل: الشلل الهستيري أو البكم الهستيري أو غيرها) والانشقاقية (مثل: فقد الذاكرة الهستيري أو النفسي وازدواج الشخصية) والتبول الليلي اللاإرادي واضطرابات التأقلم وتأخر النضج النفسي جنباً إلى جنب مع أعراض اضطرابات كرب ما بعد الصدمة.
إذن فنحن أمام صورة غير نمطية لهذا الاضطراب (Atypical form of PTSD) نتجت عن طبيعة الخبرات الصادمة وغياب الأمن وغياب مصادر الدعم والمساندة بشكل مزمن ومتصاعد.
الغضب غير المنصرف (الحنق):( Unresolved anger resentment )
يقصد به اختزان الغضب والعنف وانتظار لحظة الانتقام. وهذا الغضب الكامن يؤذي النفس ويؤذي الغير، أما عن إيذائه لنفس الطفل فهو يرسب حالة من التوتر المستمر واضطرابات النوم والاكتئاب ومشاعر الكره والعنف، وأما عن إيذائه للغير فذلك يرجع إلى إمكانية إطلاق دفعات الكره والعنف إلى المعتدي أو إلى أي شخص آخر يثير هذه المشاعر. وبتعدد تعرض الطفل الفلسطيني للأحداث الصادمة تتراكم مشاعر الغضب المكتوم وما يترتب عليها من آثار نفسية وكل هذا يعزز السلوكيات العنيفة لدى الطفل في الحاضر والمستقبل.
أثر العوامل الاجتماعية والدينية:
في المجتمعات العربية والإسلامية غالباً ما يتلقى الناس الصدمات بشكل جماعي وليس بشكل فردي، فمازال هناك ترابط داخل الأسرة النووية (المكونة من أب وأم وأطفال) ومازال هناك نظام الأسرة الممتدة (بمعنى وجود عائلة كبيرة في بيت واحد) أو وظيفياً (بمعنى ارتباط الأسرة النووية بالعائلة الكبيرة من خلال الزيارات والاتصالات بشكل دائم)، ومازال هناك الترابط الاجتماعي على مستوى القرية أو الحي أو المدينة. ولدور العبادة (المساجد والكنائس) دورا هاما في المحافظة على تماسك المجتمع وتدعيمه خاصة في أوقات الأزمات الشديدة. وهذه العوامل تخفف كثيراً من وقع الصدمات على الأفراد لأنها تشكل شبكة من الدعم والمساندة تمتص جزءاً هاماً من الصدمات وتساعد على مواجهة آثارها.
المسار والمآل:
في بعض الأحيان يأخذ كرب ما بعد الصدمة بعض الوقت كي تظهر أعراضه، وهذا الوقت يتفاوت فيقصر في بعض الحالات إلى أسبوع ويطول في حالات أخرى ليصل إلى ثلاثين سنة (Kaplan and Sadock 1994) تتفاوت شدة الأعراض من وقت لآخر ولكنها تبلغ ذروتها في أوقات الانضغاط النفسي. وقد تبين من الدراسات التي أجريت على الحالات النمطية من كرب ما بعد الصدمة أن 30% من الحالات يتم شفاؤها تماما و40% يستمرون في المعاناة من بعض الأعراض البسيطة, و20% يعانون من أعراض متوسطة الشدة, في حين يبقى 10% كما هم أو يتدهورون أكثر.
وهناك علامات تشير إلى توقع تحسن الحالة منها: ظهور الأعراض بعد وقت قصير من وقوع الحدث, قصر مدة الأعراض (أقل من ستة شهور), كفاءة أداء الشخصية قبل المرض, وجود تدعيم اجتماعي جيد, وأخيرا عدم وجود اضطرابات نفسية أخرى مصاحبة للحالة (Kaplan and Sadock 1994). وقد وجد بشكل عام أن المآل يصبح أسوأ في الأطفال وكبار السن مقارنة بمتوسطي العمر ربما لافتقاد هاتين الفئتين لقدرات المواجهة ومهارات التكيف.
والسؤال الآن:
هل تكرار الخبرات الصادمة نتيجة الاعتداءات والاختراقات المستمرة للجيش الإسرائيلي ضد شعب أعزل يؤدي إلى تراكم خبرات صدمية لدى الأطفال أم يؤدي إلى تقليل الحساسية لديهم نحو هذه الأخطار واعتبارها جزءا من الحياة اليومية لهم؟.
وإذا كانت هذه الخبرات الرضحية ستتراكم فما هو تأثيرها على بناء شخصية هؤلاء الأطفال على المدى الطويل؟.
هذه وغيرها تساؤلات تحتاج لدراسات تتبعية طولية للإجابة عليها, ولكن الدراسات السابقة على الحالات النمطية لكرب ما بعد الصدمة توصلت إلى وجود آثار ضارة على النمو النفسي للأطفال الذين تعرضوا لهذه الخبرة الرضحية وأن هذه الآثار تمتد إلى سن الرشد وتؤدي إلى تغير نوعي في الشخصية (Freud and Burilngham 1943, Brander 1841, Bunsdon 1941, Fraser 1974)
العـــلاج:
سنتحدث عن وسائل العلاج المختلفة اللازمة لاضطراب كرب ما بعد الصدمة ثم نشير إلى الصعوبات الموجودة في المجتمع الفلسطيني والتي ربما تعوق الكثير من هذه الوسائل العلاجية في النهاية، ونقترح بعض الحلول المتاحة للتغلب على هذه الصعوبات (أو بعضها) كلما أمكن ذلك.
أ ) احتياجات لازمة للعلاج:
1- استعادة الأمان: وذلك بنقل الطفل إلى مكان يشعر فيه بالأمان والطمأنينة بعيداً عن مكان الحادث (وإن كان هذا غير متاح في كثير من الأحيان).
2- استعادة القدرة على التعامل مع عواقب الحدث الصادم: من خلال مساعدته على معرفة ما حدث له ولأسرته بشكل يحتمله وعيه مع إيجاد بدائل مناسبة لإقامته ورعايته وعودته إلى مدرسته.
3- استعادة شبكة الدعم والمساندة: من خلال إحاطته بمن تبقى من أفراد أسرته وأقاربه، وجمعيات الدعم والمساندة في المجتمع.
4- إمكانية استيعاب الخبرة الصادمة: في البناء المعرفي البسيط للطفل من خلال إعطاء تفسير ومعنى لما حدث.
ب) العلاج الدوائي:
هناك بعض الأدوية التي ثبتت فاعليتها في علاج هذا الاضطراب ومنها مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل الإميبرامين (تفرانيل) والأميتريبتيلين (تريبتزول) ونبدأ بجرعات صغيرة منها للأطفال: 1مجم/كجم من وزن الطفل ونزيد بالتدريج حتى تتحسن الحالة مع مراعاة أن لا نتجاوز 3مجم/كجم من وزن الطفل يومياً. ويراعى في استخدام هذه الأدوية الاطمئنان على قلب الطفل بواسطة الفحص الإكلينيكي وعمل رسم القلب خاصة إذا زادت الجرعة، وهناك مجموعة من الأدوية الأحدث وهي مانعات استرداد السيروتونين الانتقائية (ماسا) (SSRIS) مثل الفلوكستين والسيتالوبرام والسيرترالين والباروكستين والفلوفوكسامين وغيرهما، وهذه المجموعة تتميز بأن أعراضها الجانبية أقل وتقبلها أفضل.
وتوجد بعض الأدوية المساعدة نذكر منها مضادات القلق مثل ألبرازولام (زاناكس) ومضادات الصرع مثل كاربامازيبين (تيجريتول) وفالبروات الصوديوم (ديباكين) (Kaplan & Sadock 1994)، ويمكن استخدام البروبرانولول (إندرال) بجرعات بسيطة في حالة زيادة ضربات القلب أو وجود المظاهر الجسمانية للقلق (التعرق والرعشة وعدم الاستقرار)، وهذا يجعلنا نطالب الهيئات الدولية بتوفير مثل هذه الأدوية لهذا الاضطراب الذي يكاد يصيب كل الأطفال في فلسطين, إضافة إلى توفير الخبرات اللازمة لتشخيصه وعلاجه سواء من الداخل أو الخارج.
ج) العلاج النفسي:
الفكرة الأساسية في العلاج النفسي تتلخص في إزالة الضغط النفسي الواقع على الطفل (وذلك بإبعاده عن مصادر الخطر والتهديد بقدر الإمكان) ثم مساعدته على التنفيس عما تراكم بداخله من مشاعر وذكريات أثناء وقوع الحدث، ويتم هذا بشكل تدريجي في جو آمن ومدعم حتى يستطيع الطفل في النهاية استيعاب آثار الصدمة وتجاوزها. ويلي ذلك تعليم الطفل مهارات مواجهة الأحداث حتى تزداد مناعته في مواجهة أحداث مماثلة. ويمكن أن يتم ذلك من خلال جلسات علاج فردي للطفل أو علاج أسري يضم أفراد الأسرة الموجودين مع الطفل أو علاج جمعي يضم الطفل المصاب مع أطفال آخرين واجهوا أحداثا مشابهة أو علاج جمعي يضم أسر الأطفال المصابين... وهكذا.
والعلاج النفسي (الفردي أو العائلي أو الجمعي) غالباً ما يأخذ الوجهة التدعيمية للطفل ولأسرته ويقوم على أساس العلاج المعرفي السلوكي الذي يساعد على استيعاب الحدث في البناء المعرفي من خلال إعطائه معنى لما حدث ثم التغلب على الآثار السلوكية الناتجة من خلال تمارين الاسترخاء أو التعرض التدريجي لمثيرات القلق مع تقليل الحساسية أو التعرض الفيضاني في وجود دعم ومساندة.
د) العلاج الاجتماعي والديني:
وذلك بتنشيط شبكة الدعم الاجتماعي (أو ما تبقى منها) بدءً بالأسرة (أو بعض أفرادها الموجودين) ثم العائلة الكبيرة ثم المدرسة ثم المسجد أو الكنيسة ثم جمعيات المساندة الأهلية. وقد ثبت من الأحداث دور الرموز والقيادات الدينية في مساعدة الصغار والكبار على استيعاب الأحداث الدامية والتعامل معها بشكل تكيفي من خلال إعطاء المعنى الإيجابي لها من وجهة النظر الدينية الأعمق إضافة إلى أثر المفاهيم والأخلاقيات والممارسات الدينية على تماسك الأسرة والعائلة والمجتمع تحت مظلة التكافل الاجتماعي والتراحم والتلاحم.
هـ) العلاج الدولي:
محاولة تنشيط دور الهيئات الدولية ذات الصلة بالطفولة مثل اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر والصليب الأحمر ومنظمات حقوق الطفل وحقوق الإنسان، بهدف توفير الحماية والدعم والعلاج في الأوقات التي يعجز المجتمع الفلسطيني فيها (والمجتمع العربي أيضا) عن تقديم مثل هذه الأشياء بسبب السحق الإسرائيلي المستمر لإمكانات هذا الشعب الأعزل إضافة إلى التهديد الأمريكي المستمر لكل من تسول له نفسه تقديم يد المساعدة للشعب الفلسطيني خاصة من الأثرياء العرب.
و) البرامج التدريبية:
نظراً لنقص الخدمات الطبية عموماً والنفسية بوجه خاص في المجتمع الفلسطيني ونقص الكوادر المدربة على التعامل مع مثل هذه الحالات رغم كثرتها في الأطفال والكبار فإن ذلك يستلزم تدريب عدد كاف من الأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وأعضاء هيئة التمريض والمدرسين والمرشدين الدينيين على اكتشاف هذه الحالات والتعامل معها بشكل جيد . ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال عدد من المحاضرات وورش العمل حول هذا الاضطراب المنتشر في المجتمع الفلسطيني . كما يمكن طباعة كتيبات مبسطة توزع على المستشفيات والمدارس ودور العبادة تبين كيفية مساعدة من تعرضوا للأحداث الصادمة وتأثروا بها (وهم كثير).
كما يمكن أن تقوم النقابات الطبية في العالم العربي وفي العالم بشكل عام بدور إيجابي في ذلك الأمر مستعينة بمستشارين في الطب النفسي والعلاج النفسي وبمنظمة أطباء بلا حدود وبمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف وذلك لخرق الحصار الصهيوني الأمريكي حول الشعب الفلسطيني وتوصيل الخدمات النفسية والصحية الضرورية له في هذه الظروف شديدة القسوة.
ذ) العون الإلكتروني:
في حالة استمرار الحصار الإسرائيلي (المدعوم أمريكياً والمسكوت عنه عالمياً) للشعب الفلسطيني وفي حالة استحالة توصيل الخدمات الصحية والنفسية المشار إليها سابقاً (وهو أمر وارد وقائم فعلا) فإنه يبقى أن تتم المساعدة من خلال وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها الإنترنت وذلك لمساعدة أطباء الرعاية الأساسية وهيئات التمريض والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على تشخيص مثل هذه الحالات وعلاجها ورعايتها وأيضاً لمساعدة الأطفال وأسرهم من خلال تقديم العون والمشورة من متخصصين مقيمين خارج الحدود ويمكن أيضاً عمل خطوط تليفون ساخنة تعمل على مدار الساعة لتقديم الدعم والمساعدة للأطفال المصابين وأسرهم. أو تقديم البرامج التدريبية عن بعد للمتعاملين مع هذه الحالات وخاصة الآباء والمدرسين وأطباء الرعاية الأساسية.
ح) العلاج الإنساني:
إذا كان ما يحدث للأطفال في فلسطين كل يوم يمثل جريمة بشعة وغير مسبوقة تقوم بها وتتستر عليها مجموعة من العنصريين المتطرفين فإن ذلك يستوجب وقوف حكماء العالم وقفة شريفة ونبيلة في وجههم قبل فوات الأوان, لأن ما يحدث -كما بينا- يزرع بذورا هائلة للعنف والكراهية والتطرف لا يعلم مداها أحد, وربما يدفع العالم في حالة سكوته ثمنا باهظا مثل الثمن الذي دفعته الإنسانية جراء السكوت على عنصرية هتلر وفاشية موسوليني. فالحركة الصهيونية حالة مرضية أصابت العالم المعاصر كفيروس تغلغل في مراكز القوة والتأثير فجعلها تتجه نحو التدمير الذاتي للكيان البشري، ومن هنا وجبت وقفة العقلاء من البشر من كل الأجناس (وهم موجودون والحمد لله) وقفة موضوعية متحررة من النزعات العنصرية والانتهازية السياسية لمجموعة المتطرفين والمغامرين المؤيدين للكيان الإسرائيلي العنصري المتطرف والساكتين على انتهاكاته لكل الحقوق والأعراف والقوانين. وإلى أن يحدث هذا فلا أقل من أن يمد كل الخيرين في العالم أيديهم الرحيمة ليمسحوا دمعة الطفل الفلسطيني ويعيدوا إليه الإحساس بالأمن والسلام في حضن أسرته ومجتمعه كبقية أطفال العالم.
المراجع:
- Qouta , S. and El-Sarraj E. (2001): Trauma and PTSD. In : Images in Psychiatry : An Arab Perspective , Edited by Ahmed Okasha and Mario Maj, WPA Series, pages 136-141.
- Van Eenwyk , J. , El-Masri, M and Abu Tawahina, A (1992): Adaptation Disorder: The Gaza syndrome , Unpublished article.
- Freud, A. and Burlingham, D (1943): War and children . New York : Medica War Books , Ernest Willard .
- Dunsdon, M (1941): A Psychologist&rsquos Contribution to Air Raid problems Mental Health, 2,3 7041 .
- Brander, T. (1841): Kinder Psychiatrics he Beobachtungen Waehrend des krieges in Finland 1939-1940 Zeitschrift fur kinder Psychiatric,7,177-187.
- Fraser, M (1974): Children in Conflict. Middleset, England : Penguin .
- American Psychiatric Association (1994): Diagnostic criteria from DSM IV. Washington DC.
- Kaplan, H and Sadock, B (1994): PTSD, in Synopsis of Psychiatry, seventh edition, Williams and Wilkins, Middle East Edition, Cairo .