قراءة في انتهاكات الصهيانة مع الفلسطينيين(1)
أساليب التعذيب...
في أعقاب عملية الاعتقال يتم عادةً تحويل الأسير الفلسطيني إلى أحد أقبية التحقيق التابعة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وهذه المراكز هي الجلمة (كيشون)، وبتاح تكفا (هشرون)، والمسكوبية (مجراشل هروسيم)، وعسقلان (شكيما)، حيث تمارس أجهزة الأمن في هذه المراكز كافة ألوان التعذيب الجسدي والنفسي بحق الأسير الفلسطيني، بهدف انتزاع أي معلومات منه، دون الأخذ بعين الاعتبار الأسس والقواعد التي تنظم عمليات التحقيق وفق الشرائع والقوانين الدولية.
رائد عامر مدير نادي الأسير في محافظة نابلس والذي تعرض للاعتقال عدة مرات ولفترات طويلة، يروي الأساليب المستخدمة في عمليات التحقيق مع الأسرى من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلي، فيذكر بأن الأسير يوضع بدايةً في ظل ظروف محيطة وصعبة للغاية، حيث يزج به في زنزانة لا تتجاوز مساحتها 1×1.5 وهو موثوق الأيدي والأرجل ومعصوب الأعين بدون فراش أو غطاء، والزنزانة رطبة لا تدخلها أشعة الشمس والتهوية فيها تكاد تكون معدومة، هناك فتحة صغيرة يتم استخدامها لتزويد المعتقل بكميات بسيطة من الطعام، وبعد مرور ثلاثة أيام يكون قد حرم فيها المعتقل من كل ذلك.
ويضيف رائد عامر بأن الأسير يتعرض منذ اليوم الأول لاعتقاله إلى جولات طويلة ومتكررة من التحقيق يمنع من النوم وقضاء حاجته في المرحاض لأوقات طويلة ويتعرض للشبح والضرب والشتم والربط في أوضاع مؤلمة كربط الساقين وشدها إلى الخلف من تحت كرسي ثم الدفع بجسم الأسير نحو الخلف وكذلك إجلاس الأسير لفترات طويلة أمام مكيف هواء بارد ثم ساخن واستخدام الموسيقى الصاخبة لفترات طويلة واستخدام الصدمات الكهربائية واستخدام الكلاب واستغلال مرض المعتقل أو إصابته للضغط عليه والتهديد بالقتل أو اعتقال أفراد الأسرة واستخدام أسلوب الهز العنيف وحرمان المعتقل من زيارة المحامي ولأهل ...الخ.
المحامي بهاء السعدي مدير مكتب الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن في نابلس، أكد بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي شرعت لنفسها تعذيب الأسرى بالرغم من مصادقتها على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984والتي دخلت حيز التنفيذ في العام 1987. ففي نفس العام سمحت لجنة تحقيق خاصة برئاسة موشيه لانداو رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية في حينه لمحققي جهاز الأمن العام باستخدام قدر معتدل من الضغط الجسدي ضد المعتقلين، الأمر الذي يعتبر توفير غطاء قانوني لممارسة التعذيب، حيث سمحت لجنة لانداو باستخدام أسلوب الهز العنيف، وأمام الضغوط التي مورست من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية بتاريخ 6/9/1999قراراً يحظر استخدام الوسائل البدنية التي يستخدمها المحققون ضد المعتقلين الفلسطينيين بما في ذلك الهز العنيف والشبح والحرمان من النوم وإسماع الموسيقى الصاخبة ووقفة الضفدع واعتبرها وسائل غير قانونية.
إلا أن القرار فيه دعوة صريحة من قبل المحكمة العليا إلى الكنيست من أجل سن قانون يسمح باستخدام وسائل بدنية ضد المعتقلين على ضوء الصعوبات الأمنية، وهذا يفتح الباب أمام الكنيست لتشريع قانون يخول جهاز الأمن العام ممارسة التعذيب في ظروف استثنائية. وعلى أرض الواقع ما زال جهاز الأمن العام الإسرائيلي يقوم بممارسة كافة وسائل التعذيب البدني والنفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين.
وهذا يعتبر مخالفاً لجميع المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحظر استخدام التعذيب بحق الأسرى، وفي طليعتها اتفاقية جنيف التي تنص المادة (31) منها على أنه "يحظر ممارسة أي إكراه بدني أو معنوي إزاء المحميين، خصوصاً بهدف الحصول على معلومات منهم أو من غيرهم".
وكذلك جاء في المادة رقم (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة".
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، فقد جاء في المادة الثانية، الفقرة الثانية "لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية أياً كانت، سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب".
إسرائيل وقعت على هذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ولكنها تضرب بها عرض الحائط وتعمل على مخالفتها بشكل علني وصريح، فهي دولة تعتبر نفسها فوق القانون، والتعذيب يعتبر أمراً مقبولاً وفقاً لقوانينها الخاصة. إسرائيل تحاول في أغلب الأحيان أن تنكر تعرض الأسير للتعذيب وفي أحيان أخرى تحاول أن تبرر فعلتها بالضرورات الأمنية.
آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية الصادرة في آيار 2004، تفيد بأن 96%من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي تعرضوا لصنف أو أكثر من أصناف التعذيب، و85%تعرضوا للشبح، و95%حرموا من النوم، و87%أجبروا على الوقوف لفترات طويلة وهذا ما أكده رئيس نادي الأسير عيسى قراقع في معرض شهادته أمام اللجنة الدولية الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بتاريخ 3/6/2004 بالقاهرة، حيث أكد بأن 95%من الأسرى تعرضوا للتعذيب والإهانات المتعلقة بالكرامة والإنسانية.
أجندة المؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية تحتوي على شهادات لا تعد ولا تحصى، أدلى بها الأسرى حول تعرضهم لمختلف ألوان التعذيب في أقبية التحقيق وأثناء نقلهم إليها، ويمكن أن نتعرض إلى آخر الشهادات التي أدلى بها بعض الأسرى لمحامي نادي الأسير، حسب تقرير صدر بتاريخ 14/6/2004.
شهادات الأسرى...
الأسير أمين عطا شعبان عمرو (48 عاماً) من سكان بيت لحم، اختطف يوم 5/5/2004 من متجره في المدينة. قال إنه تعرض لشبح في قسم التحقيق بسجن عسقلان لمدة طويلة، كما أشار إلى تعرضه لضغوط نفسية في غرف العملاء. ومكث الأسير عمرو في زنزانة يوجد فيها ضوء ساطع سبّب له الانزعاج وأرهق عيونه، ناهيك عن تأكيده لرداءة الطعام الذي كان يقدم له.
الأسير خليل موسى زواهرة من بيت لحم (35عاماً)، اعتقل بتاريخ 16/4/2004، مكث أسبوعاً في زنزانة انفرادية بسجن عتصيون. لم يسمح له بالذهاب إلى المرحاض، ومنع من الاستحمام، كما قدم له طعام سيئ لا يصلح للحيوانات، وقد نقل إلى قسم التحقيق في سجن عسقلان، حيث تعرض للشبح وهو مقيد اليدين ومعصوب الأعين على كرسي صغير في وضع مؤلم سبب له أوجاع في الظهر.
ووصف الأسير زواهرة الزنزانة بأنها شبيهة بالقبر، فهي عبارة عن حفرة تحت الأرض لا يدخلها الهواء. ويقول الأسير المذكور إنه سلط عليه هواء ساخن، حيث حول على إثر ذلك إلى عيادة السجن، موضحاً أن الطبيب أخبره بأنه يعاني من الربو ولم يقدم له أي علاج.
الأسير مجاهد محمود خلاف من سكان الخليل (18عاماً)، اعتقل بتاريخ 3/5/2004. قال إنه ضرب وشتم وأمر بالجلوس على الأرض بشكل قرفصاء، وسمع أصوات كلاب قريبة منه. وأكد الأسير خلاف عملية الشبح على الكرسي لمدة طويلة بأنها سببت له آلاماً حادة في الظهر.
الأسير ناصر خالد سويلم من سكان بيت لحم (19عاماً)، اعتقل بتاريخ 4/5/2004. أفاد بأن المحققين في معتقل المسكوبية كانوا يضربونه ضرباً مبرحاً بالهراوات وبأيديهم وأرجلهم على كافة أنحاء جسده وهو مكبل اليدين والقدمين ومشبوح على كرسي. وأشار أنه شبح 6 أيام متواصلة ولم يسمح له بالذهاب إلى الحمام إلا مرة واحدة، ولم يسمح له إلا بتناول وجبة واحدة في اليوم، مؤكداً أنه شبح واقفاً على الحائط لمدة (15)ساعة، واستمر ذلك لمدة ثمانية أيام، حيث مكث في زنزانة انفرادية لمدة 11يوماً.
في أعقاب انتهاء التحقيق مع الأسير الفلسطيني من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتي قد تمتد لفترات طويلة أحياناً لعدة أشهر، إما أن يتم إطلاق سراح المعتقل أو يتم تحويله إلى الاعتقال الإداري في حالة عدم توفر لائحة اتهام، أو يصدر أمر بإيقافه لحين المحاكمة، عند ذلك يحول الأسير إلى أحد السجون أو المعتقلات لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع وكسر الإرادة بين الأسرى وإدارة السجن.
تفتيش جسدي مذل..
المحامي نهاد خنفر المهتم بمتابعة أحوال الأسرى في السجون وهو معتقل لعدة مرات يقول "إن المعتقل بمجرد وصوله للسجن يتعرض لعمليات تفتيش مذلة حيث يقوم السجانون بإجبار الأسير الجديد وكذلك العائد من المحكمة العسكرية أو المستشفى أو زيارة الأهل أو المحامي، على خلع ملابسه ليبدو كما ولدته أمه، وسط سيل من الإهانات والشتائم".
وقد رفض الأسرى هذا الأسلوب الذي تحاول إدارة السجون فرضه عليهم، لما يشكله من إذلال ومس بالكرامة الإنسانية، الأمر الذي عرض الأسرى إلى الاعتداء من قبل السجانين والعقاب بالعزل.
ويضيف خنفر بأن "عمليات التفتيش لا تتوقف عند دخول أو خروج الأسير من السجن الذي يقبع بداخله وإنما تقوم إدارة السجن في أحيان كثيرة باقتحام أقسام وغرف الأسرى وتشرع بأعمال تفتيش واسعة النطاق، يتعرض خلالها الأسرى للرش بالغاز والضرب المبرح والعبث بأغراضهم ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية. في هذه الحالة يتم إخضاع الأسرى إلى التفتيش العاري".
الأسير أحمد أبو عز الدين، المعتقل عشرة سنوات في سجن مجدو، يروي في شهادته التي نشرت في صحيفة الأيام بتاريخ 8/6/2004، وكان الأسير قد نقل من سجن شطة إلى سجن مجدو قبل شهر، أكد فيها بأنه تعرض للضرب بعد أن أوثق جنود الاحتلال يديه وقدميه بالأصفاد، بسبب رفضه الامتثال لأوامرهم بخلع ملابسه ليلاً.
وفي نداء استغاثة وجهته مائة أسيرة فلسطينية من سجن تلموند للمؤسسات الحقوقية والإنسانية بتاريخ 27/3/2004 عبر نادي الأسير، اشتكت الأسيرة ثورة مرشد شلش المحكومة 6سنوات من سياسة التفتيش العاري والمذل الذي تتعرض له الأسيرات، وذكرت بأنه يتم الاعتداء بوحشية على أي أسيرة ترفض التفتيش الجسدي.
كذلك أفادت الأسيرة عبير محمود عودة، بأنها تعرضت للضرب عدة مرات على وجهها، على يد السجانين، بسبب رفضها التفتيش العاري. وأضافت بأنها عوقبت بالشبح على السرير لمدة أسبوع، وجرى عزلها في زنزانة لمدة 24يوماً، وتعرضت خلال العزل للضرب والشبح حيث شبهت الأسيرات سجن تلموند بسجن أبو غريب في العراق.
ويذكر الأسرى في شهاداتهم لمحاميهم بأن عمليات الاقتحام والتفتيش لغرفهم وأقسامهم متكررة، ويجري ذلك وسط جو من الإرهاب الذي تمارسه إدارة السجن، حيث يتم إجبار المعتقلين الوقوف على الأرض ورفع الأيدي، وعادةً ما تقوم بذلك وحدات خاصة بعمليات الاقتحام والتفتيش، مثل وحدة (نخشون).
بتاريخ 15/4/2004، اقتحمت وحدات (نخشون) سجن شطة فأصابت 14أسيراً بجراح بليغة، نقلوا على إثرها إلى عزل بئر السبع وليس إلى المستشفى.
وبتاريخ 21/5/2004، اقتحمت تلك الوحدات المذكورة سجن هداريم "قسم 3"، واعتدت على الأسرى المضربين عن الطعام منذ 12يوماً.
وبتاريخ 6/7/2004، اقتحمت وحدات خاصة سجن جلبوع فأصابت 20أسيراً بجروح، جراء اعتداء حراس السجن عليهم بالهراوات.
وفي شهادة لأحد الأسرى، حسب تقرير صادر عن نادي الأسير بتاريخ 18/6/2004، من سجن شطة بأن القسم الذي يوجد به ذلك الأسير، يضم 70أسيراً اقتحمه السجانون وأجبروا الأسرى تحت تهديد السلاح على التعري والخروج إلى الساحة العامة في السجن أمام بقية الجنود.
ولم يتوقف الأمر عند حد التعري، بل تجرأ بعض السجانين على محاولة اغتصاب 3أسرى في سجن شطة، حسب تقرير لنادي الأسير بتاريخ 17/6/2004، استناداً إلى رسالة سربت من داخل السجن.
ويتبع >>>>> : قراءة في انتهاكات الصهاينة مع الفلسطينيين(3)
اقرأ أيضاً :
عيد الأم في فلسطين / فلسطيني يروي حقائق عن التعذيب في سجون إسرائيل/ رضيع فى زنازين الاحتلال/الشاباك تستخدم التحرش الجنسي بالأسيرات الفلسطينيات/الاحتلال يجبر عاملين فلسطينيين على شرب بولهم!