عندما خلق الله تعالى آدم، صممه وفق نظام محدد يصلح لتأدية وظائف معينة منه، ولكنه لا يصلح لتأدية وظائف أخرى, فخلق حواء وجعلها الصالحة لتأدية هذه الوظائف التي يعجز عنها آدم.. وما ذلك إلا لأن الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة لا يستطيع أن يؤدي بمفرده المهمة المكلف بها وهي: إعمار الأرض.. لا بد من التعاون, وهذا يتطلب توزيع المهام, وتوزيع المهام تولّى الله عز وجل أمره منذ البداية..
فخلق آدم ليسعى في الأرض فيزرع ويصنع ويسافر ويبحر ويقيم الجسور ويبني المدن, وإذا كانت هذه مهمته, فهل سيستطيع أن يلد الأطفال ويربيهم ليغدوا بعد وقت طويل أو قصير عمّاراً لهذه الأرض..
أمر شاق جدا أن يكون آدم مسئولا عن كل شيء وحده، بالإضافة إلى أن آدم ذاته يحتاج إلى مكان وأناس يهدأ ويأنس بصحبتهم، ويطمئن إليهم، ولهذا أناط الله تعالى هذه المهمة إلى كائن آخر جعله شريكاً لآدم في عمارة الأرض وهو:حواء..
فمطلوب من حواء أمرين هما محور عملية إعمار الأرض:
1- أن تكون سكنا يدعم ويريح آدم، فيطمئن له ويستريح عنده، ويأنس بصحبته، يشجعه إذا جبن، ويقوّيه إذا ضعف, ويسرّي عنه إذا حزن..
2- أن تكون المحضن الذي يربي الجيل القادم الذي سيتسلم مهمة الإعمار بعد آدم، سواء كان هذا الجيل القادم: آدمون سيعملون في الأرض، أو حواءات سيؤدون نفس الدور الذي أدّته حواء الأولى..
لماذا هما محور عملية الإعمار؟ لأنها بذلك تدعم صنع الانسان الذي سيقوم بهذا الإعمار.. فالإعمار ليس إعمارا للحجر والحديد والبترول فقط، بل هو قبل ذلك إعمار للإنسان الذي سيبني بالحجر ويصنّع الحديد ويستخرج البترول.. وإذا كان هذا الإنسان غير مهيّأ وغير قادر على بناء الحجر وتصنيع الحديد واستخراج البترول، إذاً: فشلت المهمة كلها.. من ألفها إلى يائها.
هذا هو دور حواء الأولى، وكل الحواءات اللواتي أتين وسيأتين بعدها.. وأي انحراف عن تأدية هذا الدور لهو انحراف الطريق الذي يمشي عليه آدم في إعماره للأرض، وعندها ستتنوع النتائج: بين انحراف بسيط يمكن تدارك نتائجه بقليل من الجهد، إلى انحراف هائل مدمّر, يدمر البشرية كلها.. وهذا تماما مطلب ابليس لعنه الله:
أن ينسي حواء مهمتها ودورها في خلافة الله تعالى في هذه الأرض، فيخرب الإنسان كله: زوجها آدم، وأولادها: الآدميين والحواءات الصغار..
وتأكيداً على دور حواء في ذلك، فقد اختار الله تعالى للرجال الذين حملوا رسالته للبشرية ليذكروها به, اختار لهم أمهات يقمن على رعايتهم والعناية بهم، حتى عندما أراد أن يقدّم نبياً "معجزة" للناس، فيخلقه من أحد الوالدين دون الآخر, اختار له أما ولم يختر له أباً، يعني إذا نظرنا للموضوع بعمق قليلا، عيسى مخلوق بدون أب, وهو معجزة, ألا يستطيع الله أن يخلقه بدون أم، أي يخلقه لأب فقط دون أن يكون له أم طبعا يستطيع لأنه "كدة كدة معجزة وكلمة الله", إذاً لماذا اختار الله عز وجل لعيسى أما ولم يختر له أباً؟؟ لأن الأم هي التي تربي, هي التي خلقها الله عز وجل لتقوم بهذا الدور في خلافة الانسان لله في هذه الأرض.. وبالتالي كانت من ربى عيسى امرأة ولم يكن رجلا.. كانت مريم عليها وعلى ولدها ا لصلاة والسلام..
هدفي من كل هذا الكلام هو أن أعي كمربية وأن تعي كل امرأة أن وظيفتها الأساسية في الحياة هي: صناعة الإنسان وذلك بتربيته وتنشئته النشأة الصحيحة التي ترضي الله كيف ومتى ترضي الله؟ ترضي الله حين تكون وفقاً لمنهجه وتحقق الهدف الذي خلقت البشرية من أجله..
لقد وعى أحدهم هذا الدور الخطير للمرأة فقال: إن التي تهز المهد بيمناها تهزّ العالم بيسراها.. لله درّه من قائل.. فعلا.. نتيجة تربية حواء لطفلها ومنذ أن يكون في المهد أحد أمرين:
إما أن يكون مثل بوش وشارون وهما غنيان عن التعريف، وإما أن يكون مثل عيسى ومحمد عليهما السلام, وهما غنيان عن التعريف أيضاً.. ولأكن أكثر واقعية وأكثر وضوحاً مع نفسي ومعك أيتها الأم.. نحن بتربيتنا لأولادنا لا نصنع مستقبل البشرية فقط، بل نصنع قبل ذلك مستقبلنا نحن، نحن اليوم شباب وغدا؟؟ شيوخ, من الذي سيرعى شيبتنا؟
أطفال اليوم, والذين هم رجال ونساء الغد.. فيا ترى: أيّ مستقبل ينتظرنا؟؟ نحن من نحدد مصيرنا بأيدينا، بما نغرسه في نفوس أبنائنا وبناتنا، إن غرسنا فيهم الأنانية والأثرة وحب السيطرة فسنكون أوّل من يحصد.. وإن غرسنا فيهم الإيثار والغيرية والعدالة والشورى، فنحن أيضاً أول من سيحصد..
فهيا بنا على درب تعلّم الطريقة الصحيحة لإعداد الإنسان الصالح لخلافة الله تعالى في هذه الأرض, ووفقاً لما يحبه ربنا ويرضاه..
واقرأ أيضاً:
الكلمة الافتتاحية: لماذا تربية مجانين؟/ أصل حكايتنا نحن البشر/ إغواء آدم وذريته