تمرد
أنا سيدة في العشرينات من عمري تزوجت في سن مبكر جدا وها أنا قد أتممت السنة التاسعة لزواجي، تزوجت من إنسان طيب وملتزم جدا جعله الله سببا في التزامي وارتدائي الملبس الشرعي للمرأة وحسب تقديره للأمر هو النقاب وارتديته وأنا راضية سعيدة لأنه طاعة لله كما كانت كل حياتي معه، أحاول جاهدة فيها أن تكون طاعة لله وأن أكون زوجة صالحة مطيعة وبفضل الله وفقني الله في هذا الأمر.
إلا أن زواجي في هذا السن المبكر جعلني لا أفكر في أي شيء سوى فرحة الخِطبة وفستان الزفاف الأبيض وحلم كل فتاة في هذه المرحلة من العمر وبالرغم من أن طباع زوجي كانت واضحة لم يحاول إخفائها عني إلا أنني لم أنتبه لها في ظل هذه السعادة التي تغمرني لكوني مخطوبة وبعد عام أو اثنين سوف أكون زوجة وأما لذلك لم أشغل بالي بذالك الأمر إلى أن تم الزواج.
في البداية انشغلت بهذه الحياة الجديدة وبالحمل الذي رزقني الله إياه ولكن ظهرت بيني وبينه الكثير من الخلافات أحيانا بسبب الأهل والأكثر بسبب غيرته وخوفه الدائم عليّ من أن يغيرني أحد عليه من أصدقاء أو حتى أهلي المقربين وكانت النتيجة أنه عزلني عنهم وأساء معاملتهم وهو يرى أن حقا له أن يسير حياتي كيفما يشاء سواء في إكمال دراستي أو في علاقات الصداقة التي قد تنشأ بيني وبين أي إنسانة، عاملني بمنتهى الشدة والقسوة اعتقادا منه أن المرأة يجب أن تؤخذ بالشدة وأن المرأة إذا أحست بحب الرجل تتمرد عليه.
واستمرت الحياة ولم أفكر مرة في ظل هذه الحياة المكبوتة التي عشتها معه في الطلاق لأسباب عديدة منها أنني في بداية الأمر لم أستطع تحمل الفشل خاصة أن الكثيرين من أهلي رفضوا زواجي في هذا السن الصغير علما بأنني بفضل من الله على قدر من الجمال يشهد به الجميع ولكنه لم يشعرني يوما أنه يرى هذا الجمال، كان دائم النقد من أيام الخِطبة وحينما أعاتبه يرد بأنه ينقد حتى أحاول دائما أن أكون أفضل.
ولأنني لدي من المشاعر والرومانسية ما لم يستطع أن يحتويه أو يقدره يوما ولا حتى أن ينشغل بتلك الفتاة التي لم يتجاوز عمرها العشرين وتحتاج إلى الحب والحنان والمعاملة الطيبة، استمرت الحياة هادئة وفي كل مشكلة تصادفنا كنت أبادر بالصلح لأنني لا طاقة لي بالخصام وأنا لا أرى غيره ولا أتعامل مع غيره، فكنت أفضل أن أبادر بالصلح والاعتذار وكم كان يسعده ذلك وأصبح يذكره دائما أن زوجتي لم تتركني يوما أنام وأنا غضبان، لم أبخل عليه بكلمة الحب ولا بالاهتمام ولا بالدلال الذي يتمناه كل رجل بالرغم من أنني لم أكن أحبه ولكن هي العشرة والمودة التي تنشأ بين أي شخصين أقام كلٌ مع الآخر لمدة طويلة ولا أنكر أنه رجل يعرف واجبات بيته وأب حنون وليس بخيلا وليست له أي اهتمامات سوى عمله وبيته ودروس العلم الشرعي.
وكما قلت استمرت الحياة هادئة والظاهر منها أنني سعيدة خاصة أنني لم أشكو يوما لأمي ولا له هو وكنت أستحي أن أتهمه بالتقصير وأنه يبخل عليّ بالكلام الطيب على العكس مني تماما فأنا كثيرا ما أشعره بأنه أجمل الرجال وأنني لم أكن أتمنى أفضل منه اعتقادا مني أن هذه الكلمات قد تجعله لينا ويبادلني نفس الطريقة.
المشكلة التي كانت دائما تعرض لي ولكنني لم أصارح نفسي بها سوى الآن بعد أن ابتعد عني وخرجت إلى الدنيا وتعاملت مع أشخاص غيره ورأيت منهم الخبيث ومنهم من رأيت به مميزات أعجبتني، وبدأت المقارنة والمشكلة تظهر وهي أنني طيلة حياتي معه وأنا أعاني من الفراغ العاطفي، وكم كنت أنفرد بنفسي وأحلم بالشخص الذي أشعر معه بالحب، لا أدرى كيف ولا من أين وأنا متزوجة ولكن كنت دائما مفتقدة هذه المشاعر، كلما رأيت أشخاصا لم أتحدث معهم إلا كلمات عابرة للضرورة ولكن لفتوا انتباهي وانشغلت بهم بعض الوقت ولكن دون أي خطأ مجرد خيال اكتفيت أن أعيشه إلى أن ينتهي مع الوقت أو بمعنى أوضح هو لم يستطع أن يملأ حياتي وخيالي بالرغم من أنني كنت على استعداد أن يكون هو ذلك الشخص لكنه لم ينتبه ولم يفهم تلميحاتي له.
والآن وقد غاب عني سنة في بلد عربي يعمل فيه شعرت لأول مرة أنني حرة وأنني أستطيع أخذ أي قرار بنفسي بعد أن فقدت الثقة في نفسي تماما في كل شيء حتى في ملامحي التي يقول الجميع أنها هادئة وجميلة، أصبحت أنظر في المرآة وأتعجب وأقول كيف يراني الناس جميلة؟ ينبغي عليّ أن أحمد الله على أن تزوجني هذا الرجل فأنا فعلا عادية جدا.
الآن وبعد أن سافر شعرت بأن شخصيتي وجدت مخرجا إلى النور بعد أن عاشت في الظل لمدة تسع سنوات من إنكار الذات والتضحية والتنازل عن كل شيء وأي شيء لمجرد أن لا يطلق عليّ لقب مطلقة ولكنني الآن لم أعد أخشى ذلك اللقب ولا حتى أخشى أن أواجه الحياة وحيدة علما بأن والدي متوفي وإخوتي كل منهم له حياته الخاصة وعلما أنه كان سببا في عدم إكمال دراستي بالجامعة.
والمشكلة الآن أن هذا الزوج بعد أن شعر بهذا التغير الغريب المفاجئ رفضه بكل شدة وهدد وأوعد ولكن لم أعد أخاف تهديده فلم يجد مخرجا من أن يعاملني برفق وانقلبت الآية وأصبح يدللني كثيرا ويخبرني دائما أنه أحبني ودائما يحبني وأنني كل ما له بالدنيا وأصبح طيبا نوعا ما لأنه وجد أنني لم أتراجع عن موقفي وأرفض العودة للضعف والاستسلام التام الذي كنت عليه من قبل وكان سعيدا به، وتعرضت الحياة أكثر من مرة للانهيار ولكنه يعود ليعتذر لي عندما يجد أنني لم أعد حتى أبالي بأمر الطلاق، أيقن أنه لا مفر من التنازل ولكن للأسف بعد فوات الأوان فأنا الآن لم تعد لي أي رغبة فيه ولا في الحياة معه.
عندما أنظر إليه أجده لا يمتلك حتى الشكل العام لفتى الأحلام أو للصفات التي ترضيني كامرأة، أشعر بتمرد على كل شيء فُرض عليّ عنوة وأتمنى لو تتاح لي الفرصة لتعود بي السنين وأختار شريك الحياة المناسب أقل ما يمكن أن نلتقي معا في بعض الأمور ولكنني حتى الآن لا أستطيع أن أقدم على الطلاق خوفا من أتحمل ذنبه بعد أن أصبح منكسرا بعد أن فقد والدته وشعر أن بيته ينهار وهو مرتبط جدا بأبنائه وبي وأشعر بالذنب أيضا أن أحرم أبنائي من والدهم وهم لا يزالوا صغارا في أشد الحاجة إلى والدهم وأنا حائرة لا أعرف ماذا أفعل؟ هل أرضى وأستمر في هذه الحياة وأنا أنتظر في كل لحظة هذا الفتى المنتظر أم أمهد للانفصال وأتحمل الخسائر الفادحة المترتبة عليه؟
وأخيرا أعتذر للإطالة وأرجو منكم النصيحة وأرجو الرد في أقرب وقت ورجاء خاص أن تكون هذه الرسالة سرية لا أريد أن تنشر رجاء.
04/06/2004
رد المستشار
الأخت الكريمة؛ رسالتك قطعة من أسفار الحقيقة التي نعيشها، ولكن لا يبوح بها أحد، إما لضعف في الإدراك، أو الجهل بانتشار هذه الآفات، وأشكرك على فتح هذه المسألة رغم أخطائك الإملائية التي أرهقتني (أبتسم) أنت تتحملين ثمن أخطاء شائعة في حياتنا وتكوين شخصيتنا جميعا، خذي من جانبك المثال على فتاة لم تبلغ العشرين، يتقدم لها الخاطب فتفرح أنها ستتزوج، وترتدي ثوب الزفاف الأبيض، وتنتقل إلى حياة جديدة، وهي غافلة تماما عما ينتظرها بعد ذلك، وهي عاجزة تماما عن الاختيار لنفسها، وليس لديها سوى البلاهة والمراهقة، والسذاجة المفرطة فمن المسئول عن هذا القصور والخطأ يا سيدتي؟ّّ!!
زوجك؟!! بالطبع لا... أهلك؟!! بالتأكيد.. إلى حد كبير، وأنت أيضا، لقد جفت حلوقنا، وتعبت أنا شخصيا من تكرار الحديث عن هشاشة تربيتنا للفتاة بوصفها إنسانا سيتحمل المسئولية بالزواج والأمومة، وفي العرف العام فإن الغفلة وقلة المعلومات، الغفلة والخبرة بالحياة والبشر هي مميزات بدلا من أن تكون عيوبا، وساعتها نقول للعريس مبروك عليك ستتزوج فتاة خام تشكلها كيفما تشاء، ونقول لأهل الفتاة ما أجمل ابنتكم وأشد براءتها "سذاجتها" في الحقيقة!!!
والطامة تحدث عندما تنضج هذه البريئة الغافلة بخبرات الحياة بعد الزواج، وفي حالة مثل حالتك تكتشف الزوجة أنها كانت ضحية مزدوجة لسذاجتها وهشاشتها الشخصية السابقة، وكانت عند رجل –مثل زوجك– يطبق عليها التعاليم الغبية للفهم الشائع في كيفية معاملة النساء، والنتيجة أن تصل الزوجة إلى النقطة التي أنت فيها الآن.
أكرر حتى لا تنسي أن زوجك ليس مسئولا عن هشاشة تكوينك السابق، أو عن سوء اختيارك له، ولا كل هذا الجانب من الأخطاء الفادحة التي في جانبك، ولكنه مسئول عن الخطأ الفادح في جانبه هو.
انتبهي لأنك في مرحلة انتقالية من التسليم بكل شيء، ولكل شيء إلى التمرد، وصدمة اكتشاف أن العالم ليس كما كنت تتصورين، وتأملي وتعالي ندقق هل زوجك هو الوحيد الذي يجهل كيف يعامل النساء؟!! هل من تقابلين من رجال يتعاملون بلباقة ولطف ومجاملة؟!! نفس هؤلاء الرجال هل هم كذلك في بيوتهم، أو مع زوجاتهم؟!!!!
الأصوب والأعدل أن تقارني متشابهين في نفس الحالة، والمقارنة في حالتك ليست صحيحة ولا منهجية ولا عادلة، لماذا؟!!
لأن زوجك كما تصفينه"ملتزم جدا"، وأسمح لنفسي بحكم خبرتي أن أفك شفرة هذه الكلمة لأقول أن معناها في الأغلب أنه جاهل جدا بالمعاملة الواجبة للمرأة، ونحن نرى الكثيرين من المتشددين في الدين هم الأسوأ في معاملة زوجاتهن من حيث الفظاظة، وخشونة اللفظ، وتكرار الهجر، وكثرة النقد ...الخ مما يدل على جهل فادح بنفسية المرأة، وجهل فادح، ومجافاة شبه كاملة لتوجيهات إسلامنا الجميل في فهمه للنفوس، وفي تعاملات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا أريد أن أستفيض في هذا، وإلا فلن ننتهي، ولكن خذي مثالا واحدا: أين هو موقف وقول زوجك من نقده المستمر الذي يقول أنه يمارسه متكررا حتى تحاولي أن تكوني أفضل!!!
أين هذا من قول أنس خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لمَ فعلته،! ولا لشيء لم أفعله لماذا لم تفعله؟!!
فهل نحن وكل من يزعم أنه متدين نعرف رسول الله حقا، ونتبعه صدقا؟!!
لا يا سيدتي نحن ورثنا الجاهلية في معاملة النساء، والجاهلية هنا من الجهل، ومن الغلظة، ومن الغباء والغفلة، ولكننا أيضا نتعلم، ولكن بالتجربة والخطأ.
فمن المسئول عن هشاشة وضعف إعداد الرجل ليكون زوجا وأبا؟!! هل أنت؟!! لا بالتأكيد.. هل أهله؟! بالتأكيد نعم... هل هو ؟!! طبعا إلى حد كبير، وفي حالتك كما في حالة زوجك المجتمع مسئول، والثقافة المسمومة التافهة السائدة والتي لم تخضع لأية جهد حقيقي في النقد والمراجعة والتطوير، ثم نذهب جميعا لنقول أننا ملتزمون، والمرأة تتزوج جاهلة بالدنيا والدين في شأن فهم الرجال وإدارة البيوت، والرجل عندنا يتزوج وكأنه داخل على حيوان أعجمي يوجعه أول النهار وأوسطه، ويضاجعه آخره!!! والآن أين تقفين حاليا بالضبط؟!!
إنك ما تزالين في مرحلة صدمة ومرارة الاكتشاف والندم على ما فات، وهي قاسية جدا ومؤلمة جدا حتى أفهم تفكيرك في هدم المعبد انتقاما للانتهاك والظلم الذي تعرضت له. وأنا أدعوك إلى تجاوز الصدمة والاكتشاف ثم التمهل والتأمل في ماضيك الذي حاولت تشريحه وتحليله لك، وإذا كنت قد نضجت –بعض الشيء– فإن من الحكمة والنضج أن تتخذي قراراتك بعد دراسة طويلة فاحصة، وليس في لحظة نزق ورعونة.
وإلا فستندمين غدا وبعد الغد كما تندمين اليوم على تسرعك فيما مضى أنت الآن في مرحلة عدم اتزان فمن صورتك عن نفسك بأنك عادية الجمال، وكلك عيوب كما حاول زوجك تصويرك سابقا إلى عودتك إلى الإدراك –ولكن الزائد هذه المرة– بأنك جميلة ورومانسية، ومدفونة بالحياة، وأنت معه، وأنك بالعامية المصرية "خسارة فيه" والواقع بالتأكيد بين هذا وذاك، وبالتالي فإن طلاقك اليوم لن يحقق لك غالبا إلا التحرر مما أنت فيه، وينبغي أن تسألي: ثم ماذا بعد؟!!!
الفتى الرومانسي الرقيق "الذي يستحقك" هل سيتزوج مطلقة لها أولاد تركتهم، وهدمت بيتها؟! أم سيتزوجك وأنت حاضنة لأولادك؟!! وهل ستكونين حقا على موعد مع السعادة، وتحقيق الأحلام بطلاقك أم أنك لن تجني إلا سراب الأوهام؟؟!!
أعطي نفسك وقتا كافيا للتفكير بقرار خطير مثل قرار الانفصال، وأرسلي إلى زوجك بوضوح أو بأسلوب غير مباشر أنه آن الأوان أن يتغير ويفهم كيف يكون تعامله مع المرأة، وهي في هذه الحالة زوجته التي هي أنت.
وأمامه فرصة لتصحيح أخطائه، وتلافي سيرته المتعثرة مثل أغلب الرجال الشرقيين، وأمامك أنت فرصة في تعديل وموازنة نظرتك لنفسك وله، وهو لا يخلو من مميزات تصفينها بنفسك وتفتقدها كثيرات، ويحسدنك عليها بالتأكيد. في الوقت متسع للإصلاح، ورأب الصدع، وإنقاذ البيت والأولاد من عواقب الطلاق شريطة أن تبدأ الجهود، وتصدق النوايا، وتابعينا بأخبارك.