شجاع مع الصحبة
عافاني الله منذ ثمانية أشهر بالإقلاع عن المخدرات... الحشيش... من أول يوم من زواجي والحمد لله لأنها قد سببت لي مشاكل كثيرة منها نوبات وسواس قهري شديدة لأنني كنت أعالج منه وكان يتم شفائي بإذن الله وحاليا أنا أعاني منه لكن بشكل طفيف. ولكن المشكلة الكبرى هي أنني أعاني من الخوف من الوحدة أو الأماكن الفارغة من الناس أو شقتي التي أسكن بها، لا أتحمل أن أجلس وحدي دقائق وفي الصلاة أتخيل أن شيئا سوف يفزعني من خلفي.
لذلك يغلب علي الأمر والالتفات خلفي يكون ملحا علي وتكون صلاتي غير راضٍ عنها وبعض هذه الأعراض عند زوجتي هل هذه الأعراض متعلقة بالوسواس القهري أم هو مرض آخر؟
وما هو العلاج أفادكم الله؟
12/6/2004
رد المستشار
بداية عزيزي بعدما عافاك الله من كابوس الإدمان، والإقلاع عنه من أول يوم من زواجك فأحيي فيك إرادتك القوية التي من خلالها استطعت أن تسيطر على هذا الغاشم الذي لا يعرف القناعة، ويا ليت كل الشباب، وكل من هو صريع دائرة الإدمان ينتهجون نهجك في الانعتاق من قيود هذا الغاشم.
في البداية عزيزي فإن المادة المسببة للإدمان عندما تخرج من الدم فإنها تترك نسبة بسيطة جداً منها، وعلى هذا فإن بعض السلوكيات التي غالبا ما يتميز بها المدمن، والتي اصطلح على تسميتها بالسيكوباتية، أو الشخصية المضادة للمجتمع أيضاً ما تترك أثاراً واضحة من السلوكيات غير المرغوب في فعلها، لذلك فإن المدمن الذي وفقه الله وابتعد عن الإدمان دائماً ما يشعر أنه غير متحرر من قيود هذه السلوكيات، وهذا ما يظهر دائماً في طباعه الشخصية، وفي أفعاله مما يخلق لديه الملل، والشعور باليأس أحياناً، ومما يزيد عليه من ذلك المقاومة الحادة لتلك السلوكيات، مما ينتج عنه الشعور بالقلق، والتوتر المستمر، والخوف الدائم مما قد يحمله إليه المستقبل، ومن هنا يمر ببعض الاضطرابات النفسية العنيفة، والتي من أولها الخوف لأنه طبيعي تراكم لديه أثناء إدمانه، ويستمر هذا الخوف إلى ما بعد الإدمان، ويكون مصحوباً بمخاوف وسواسيه شديدة.
وأنت تذكر أن المشكلة الكبرى هنا هي أنك تعاني من الخوف من الوحدة، أو من الأماكن الفارغة من الناس، وأنك لا تتحمل الجلوس وحدك في الشقة، وفي الصلاة تتخيل شيئا سوف يفزعك من خلفك وبالتالي تلتفت وراءك.
عزيزي إن خوفك هذا مرتبط بما حمله الماضي لديك من ذكريات، وكأنها حلقات مسلسلة تريد أن توظف نفسها بطريقة فعلية، ولكنها تجذبك بقهرها الخسيس كي توقعك في قيود الإدمان مرة أخرى وتسأل نفسك كيف يكون ذلك، أو كيف يحدث هذا داخل النفس؟ وتسأل نفسك مرة أخرى هل هذه نفس ضعيفة، أم نفس مذبذبة، أم نفس أمارة بالسوء، كلها أفكار تنتابك غالباً، ولكنها قريباً ما سوف تزول.
واسترجع معي ذاكرتك تجاه الماضي كي تستطيع إدراك خوفك هذا الذي ليس له أي أحكام منطقية........ عندما كنت تريد تناول المادة المخدرة سواء كنت تتعاطها عن طريق الفم، أو عن طريق الشم، أو عن طريق الحقن ففي كلا الحالات الثلاث سوف تتعاطاها، ولكن ما ينقصك هنا الإحساس المعنوي بالسعادة، والتلذذ عند تناولها فتتجه باللجوء لأصدقائك كي تكتمل جلستك الشاعرية في وسط مليء بالاندماج، وتتكرر المرات، والمرات حتى لا تستطيع بعد ذلك الاستغناء عن هؤلاء الأصدقاء والغالبية العظمى من المدمنين ينتهجون هذا، حتى ولو بعد الإدمان تظل لدى الشخص الذي أقلع رغبة ملحة في الرجوع لأصدقائه الأساسيين، وليست لديه في المقابل الرغبة في إيجاد أصدقاء جدد إذن هي رغبة كل مدمن، ومنهم من يظهر هذه الرغبة بصورة واضحة جداً وهنا يكون بداية طريق العودة، وآخرين يظهرون تلك الرغبة بصورة متخفية جداً كي يتغلب على ما بقي من مساوئ الإدمان، ومنهم من تحول نفسه هذه الرغبة في صورة اضطراب نفسي وأسميها ((مرحله إنكار تختلقها الذات)) كي تستطيع الرجوع بطريقة غير مباشرة، وكأنها عبارة عن قنطرة ما بين شيئين، أو فخ ما بين أرض صحراء جرداء، وأرض خضراء مليئة بالخير، وبين هذا وذاك ((الفخ)).
والخوف الذي لديك هو نوع من الرهاب الذي يريد أن يجني من ورائه ما لا تشتهي السفن، وخاصة في مثل حالتك هذه فهو يريد أن يخلق لديك رغبة الرجوع إلى أن تكون وسط أصدقائك، ولا تكون في موضع وحدة، وهنا يتطور الخوف ليسترجعك إلى الماضي العقيم ليتطور أيضاً في صورة مخاوف وسواسية، وعندما يضيق بك الحال، وتبقى في مكان وحدك فمن بداية ذلك يبدأ الخوف، وعندما تقوم بفعل شيء فتبدأ نفسك بالوسوسة، وينشغل تفكيرك بأن شيئا غريبا سوف يخرج ويسبب لك أذى، وتقوم بتأمين المكان الذي توجد فيه كاملا ومع ذلك يزيد خوفك رغم علمك أنه لا يتضمن أي خطر أو تهديد أو أذى لحياتك.
وبعدما وضحت لك صورة الخوف الذي لديك، فلك أن تأخذ النصف الآخر والفعلي للعلاج السلوكي، والذي دائما ماً يحدد مسار اتجاهك الفعلي نحو تفكيرك، وأفعالك حتى يمكنك كف الارتباط بين المخاوف وذكرياتها الدفينة، وقطع دائرة المثير، والخوف، والسلوك، والتعرض لمواقف الخواف نفسه، مع التشجيع، والمناقشة، والاندماج، وربط مصادر الخوف بأمور سارة محببة.
1- إذا لم يمكنك تجنب المواقف المثيرة للخوف فيجب عليك أن تتعود على تلك المواقف المثيرة للخوف أو إذا ارتبطت في ذهنك إثارة انفعال الخوف حتى يحدث التعود، والتحكم، والسيطرة على تلك الانفعالات بمرور الوقت، وإذا حدث أن ما صادفك حادث مزعج فلا يجوز أن تتركه لتنساه لأنك تنساه غالباً بفعل الكبت، وبذلك يصير لا شعوريا، ولكن أثره لا ينتهي، إذ يحتمل أن يصير مصدراً للاضطرابات النفسية.
2- لا تجبر نفسك على مواجهة المواقف التي تثير انفعال الخوف بالقوة إذ أن ذلك ينفرك منها أكثر، وأكثر فتزداد مخاوفك.
3- زد من ثقافتك المعرفية تجاه الخوف حتى يكون باستطاعتك تنقية أفكارك، والتي أحيانا ما تكون مسيطرة على عقلك الواعي.
وأما فيما يتعلق بالأعراض التي تلاحظها على زوجتك فإنك لم تذكر أي شيء عنها، وعن حياتها، وغالباً ظهور الأعراض التي لديها إنما دليل على خوفها الدائم عليك، والخوف من فقدانك مرة أخرى في دائرة الإدمان، وهي عادة ما يكون لديها أفكار متسلطة، وهي قد تستطيع مقاومتها، ولكن بصورة قد تكون ضعيفة بعض الشيء. وما أريد أن أوصيك به أن تتبع طريقة العلاج السلوكي المعرفي كي تستطيع التحكم في ذلك الخوف وكي يكون لك القدرة على تنقية أفكارك. وفي القريب إن شاء الله سوف يقوم الموقع بنشر برنامج علاجي لقهر الخوف، وتفاديه في مواقف الحياة المختلفة. مع أطيب تمنياتي لك بالإرادة القوية دائماً. وتابعنا بإخبارك.