روبنسن كروزو الأحمق! غريب قلق في الدنيا
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته...
بداية أقدم لكم أسمى التحية والتقدير المطيبة بطيوب الحب والإعزاز لمجهوداتكم الرائعة بهذا الموقع...
لعل مشكلتي ستبدو غريبة في ثنايا تفاصيلها لا في مجملها، أو على الأقل هذا هو انطباعي..:
أنا شاب مصري أبلغ من العمر 26 عاما، مهندس في نظم المعلومات وفي مجال دقيق يعد من يتقنونه في الشرق الأوسط على أصابع اليد الواحدة.
منذ صغر سني أنا مبتلى بالقلق، القلق الشديد، الذي يسلبني مذاق أي شيء بل يجعل من الحياة وكأنها مرض طويل مستمر لا براء منه إلا بالموت.
في طفولتي و شبابي كان قلقي دائما موجها تجاه الدراسة ، رغم أني كنت متفوقا ، لكن هذا القلق جعل الاستفراغ الصباحي قبل الذهاب للمدرسة روتينا يوميا، وعندما كبرت قليلا صرت أبذل مجهودات جبارة تكاد تزهق روحي لأكبح اندفاع ما في معدتي (الخالية تماما من الغذاء) عبر حلقي، بل كنت لأشعر بأن معدتي نفسها تريد أن تتحرر عبر حلقي، وكنت أنجح في منع نفسي من التقيؤ. طبعا لا داعي لذكر أن تلك الأعراض أصبحت ضيف دائما قبل الامتحانات والنتائج.
كانت شهيتي ضعيفة منذ صغري دائما يكون وزني أقل من طولي ب 115-1120، ولا عجب فطعامي قليل، لكون ذهني مشغولا دائما فأي مؤثر خارجي سلبي يكفي لفقدان رغبتي بالأكل تماما، و لم تفلح أدوية فنح الشهية في فعل أي شيء.
رغم ذلك كنت رياضيا! كنت من أبطال فنون القتال وأعتقد أن ممارستي الطويلة لفنون القتال قد خففت الكثير من قلقي من الناس والصبية الأكبر أو الأوقح، وبقي القلق الشديد منحصرا فيما يتعلق بالدراسة.
وكبرت وتخرجت، وظننت أن متاعبي قد انتهت، لنبدأ الدورة نفسها من جديد مع العمل، دائم القلق من العمل، ولا يزال ينتابني الغثيان الصباحي قبل العمل أو قبل الاجتماعات.
ولكني رغم ذلك تفوقت بصورة مذهلة حتى أصبحت في وقت قصير رئيسا لكل زملائي الأكبر والأقدم مني.
لكن ضغوط العمل تزداد وتزداد، وأصبحت حياتي منحصرة في التألم الداخلي من الضغوط والانتظار الهلع لوقوع تلك الضغوط.
وجاءتني فرصة للسفر لإحدى دول الخليج مع منصب أعلى، ورغم تحقيق النجاح، إلا أن الضغوط والقلق والتألم أصبح قاتلا، وأصبحت أشعر بروحي وكأنها تحاول أن تنال خلاصها مع أنفاسي، ويا ليتها تفعل!
دائم القلق، من أي مفاجئات في العمل وأي تقصير وأي لوم أو أي شيء، بل لعل أكون أكثر دقة أن التبعة الوحيدة التي أخشاها هو أن يلومني أو يحرجني أحد ويكون ذلك ناتجا عن تقصير من جانبي لا أملك معه دفاعا! وهو شيء وارد في مهنتنا تلك.
وقد أثر ذلك على صحتي العامة، فرغم صغر سني فإن ضغط دمي يعتبر "High Normal"، لم يصل إلى الحالة المرضية بعد لكنه عاكف على ذلك بنجاح! خاصة أن العمل الآن يبتلع معظم ساعات يقظتي.
والنوم تلك مشكلة أخرى، متقطع قلق أرق –خاصة بعد سفري- أستيقظ كثيرا خاصة بعد صلاة الفجر لأتأكد من أني لم أضع وقت الذهاب للعمل، و كثيرا ما تراودني الكوابيس.
وكثيرا ما أسائل في دهشة كيف يحتمل قلبي هذا المجهود، فمن ضربات سريعة متلاحقا أي عميقة طويلة مؤلمة.
الملاحظ أيضا أن أحد لا يلاحظ ذلك، فيما عدا أبي وأمي قديما، لكن الصورة التي أطرحها الآن لا يعلمها أحد، بل أن الكل مجمعيين أن أنا الشاب المثقف الواثق الرصين الهادئ!
الحمد لله من الله علي بالتزام وبعد عن الخطايا وإيمان بالله ، ولعل ذلك هو السبب الوحيد لبقائي حيا حتى الآن، فمنذ صغري بداية من عمر السادسة وأنا أفكر بالموت كحل لكل تلك الآلام، حتى أنه في مرحلة تعقبها بقليل كنت أدعو على نفسي بالموت حتى علمت حرمة هذا.
بالطبع لم أقدم يوما على الانتحار، لكن أعلم علم اليقين، أن لو كان في قتل النفس رخصة، لكنت قد وضعت حدا لحياتي المؤلمة منذ زمن طويل.
كثير ما أخلد للفراش و بأعماقي أمل خفي ألا أستيقظ، أو أن أقتل في حادث أو حتى أن أصاب إصابة تجعلني على هامش المجتمع فلا أواجه مدافع الحياة!
حاولت الزواج من قبل لكن الأمر قتل في مهده لأسباب خارجة عن الإرادة، وأحيانا ما أفكر كيف أتزوج وأخلق ضغطا إضافيا على نفسي، بل كيف أقدم على أن أجلب لهذا العالم القاسي أطفالا يقاسون مثلي!
علاقتي بأسرتي ممتازة والحمد لله، أسرة مترابطة متحابة.
أما سؤالي فهو: لاحظت أن الآخرين لا يعانون مثل هذه المعاناة، لست مولعا بالشكوى للآخرين، لكن هناك من يحب ذلك وأعلم أنهم لا يعانون تلك المعاناة، فهل معاناتي تلك تندرج تحت جانب مرضي؟
ليس أمامي غير الاحتمال، فلا يوجد شيء آخر يمكن فعله، سوى الموت أو الهرب إلي جزيرة مثل جزيرة روبنسون كروزو، التي لا أدري لم هذا الأحمق كان يبغي تركها!!!
ترى هل عندكم من حل؟
6-8-2004.
رد المستشار
الأخ الكريم:
ما تشتكي منه هو متلازمة معروفة في الطب النفسي، ودون أن يكون كلامي هذا تشخيصا للحالة، فلابد من المناظرة الإكلينيكية بشروطها، أعتقد أنك أقرب إلي ما يسمي : اضطراب القلق المتعمم Generalized Anxiety Disorder، وهو من أنواع اضطرا بات القلق، (القلق الرهابي "أو المخاوف المرضية" والقلق النوبي "الانتيابي" أو نوبات الهلع ...الخ.)، وستحتاج بالتأكيد إلي مراجعة الطبيب المتخصص، والعلاج ليس صعبا ولا مستحيلا.
ويفيدك من قبل ومن بعد تعاطي العلاج، والانتظام فيما يصفه لك الطبيب النفسي أو يطلبه منك، يفيدك أن تنمي الجانب الإيماني بداخلك علي عدة مستويات،
(1) تعميق الإيمان بالقدر وقضاء الله سبحانه، وأنه لا يقع في كون الله إلا ما يريد، وأن كل ما يقع للإنسان هو مكتوب عليه أو له منذ الأزل، ولا يغير من القدر إلا الدعاء والحكيم من ينشغل عن الخوف والقلق غير المجدي بالدعاء المستمر، والذكر المتواصل فهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يرد الأقدار الحزينة إن وجدت .
(2) وتعمق الشعور بالاطمئنان في معية الله سبحانه، واستصحاب وتذكر هذه المعية بالصلاة المفروضة والتطوعية، ودوام الذكر والدعاء، والأنس بالله هو مساحة متاحة أمام الجميع:" أنا مع عبدي حين يذكرني"، والشعور بهذه الرابطة، وهذا الحضور يطمئن القلب فتسكن الروح والنفس، وتأنس بالله الحليم الرءوف الرحيم، وفي هذا نوع من الاطمئنان الوجودي الكلي.
(3) استثمار الصلوات الخمس وغيرها من السنن والوضوء قبلها، والاغتسال، وغيرها من العبادات المتعلقة بالجسد مثل الصوم في الوصول إلي حالة من الاسترخاء والهدوء الجسدي والنفسي.
هذه ملاحظات "وتعليمات مبدئية" لا تنفي حاجتك اللازمة لمراجعة الطبيب المختص، وتابعنا بأخبارك.
ويضيف الدكتور وائل أبو هندي ، الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على مجانين نقطة نت، وشكرا جزيلا على ثقتك، ليست لدي إضافة بعد ما تفضل به أخي الدكتور أحمد عبد الله غير إحالتك إلى عددٍ من الردود السابقة على مجانين، تفيدك في فهم معنى القلق واضطراب القلق المتعمم، وخلطة القلق والاكتئاب، والنوم وإيقاع الحياة السريع وإن شاء الله تدعو لنا:
القلق المزمن والبحث عن الطمأنينة
القلق وانعدام الأمان:
القلق وانعدام الأمان متابعة
"مجرد قلق ، ولا اختناق من القلق!"
الخوف والوسواس أبناء القلق
الخوف المتعمم: هل هو القلق المتعمم؟
إيقاع الحياة السريع ، حالةٌ أم سمة ؟
اضطراب القلق المتعمم
اضطراب الأحوال أم اضطراب القلق المتعمم ؟
اختلال الإنية وخلطة القلق والاكتئاب
الاكتئاب والقلق: الأعراض الجسدية
وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين، فتابعنا بالتطورات