ضحك وهزل واستهتار.. بيئة العمل في بلادنا
بسم الله
لقد قرأت رسالة الأخت فوجدت أن فيها جزءً من مشكلتي والتي أواجهها في حياتي فأنا عمري 21 سنة وأعمل في إحدى المصالح الحكومية وأواصل دراستي الجامعية، أحب عندما أعمل شيئا أن أتقنه وأصبحت من أكثر الموظفين إن لم أقل أنني أكثرهم التزاما وتركيزا في العمل (لأنه عمل حسابي يحتاج إلى تركيز).
ولم يوجد لي أي أخطاء طوال السنتين الماضيتين وأنا أيضا لست كباقي الزملاء الذين لا هدف لهم فهدفي هو أن أصل إلى أعلى المناصب بالجد والعمل والدراسة وأنا الآن في سنة 2 محاسبة مما سوف يؤهلني للوصول إلى هدفي إن شاء الله ولكن............
وآه من لكن.............يسودني شعور باليأس وكراهية مجتمعي وأتمنى لو أنني في دولة أوروبية لوجود العدل والمساواة ومن يعمل يصل إلى هدفة أما نحن فمن لديه واسطة فهو الكل في الكل حتى وإن كان شخصا تافها...
هناك زملاء لا يأتون إلا لكي يقلبوا العمل إلى مكان للكلام والضحك والمسخرة....ويظلون بجانب المدير والمدراء ويتكلمون معهم عن الحواديت والقصص والكلام الثرثرة في حين أنا والبعض الآخر نعمل ونجد أن المجابرين هم المقربين وهم أولو القربى ولا يوجد لديهم مشاكل في العمل لأنهم لا يعملون أصلا...........
أخيرا .......أرادوا نقلي إلى قسم آخر أقل مكانة وسوف يعيقني عن تحقيق حلمي وهدفي ولكنني رفضت فقالوا (رافض للعمل) أنا رافض للعمل بعد هذا الاجتهاد والتركيز والعمل الجاد أنا أرفض العمل هاهاهاهاها هاهاها........... وأرادوا نقلي إلى هذا المكان لأني ملتزم وذكي جدا ولأنني كذلك أرادوا نقلي بدلا من أن أترقى في العمل وأن أكون في مكان أفضل أجد أن تركيزي وعملي المتقن يؤهلني إلى الأسفل ..............
والمشكلة أن ياتي المسؤول أو الرئيس ويقول (لا للواسطة ..لا للمحسوبية ..من جد وجد ........إلخ) ويكون هو أول المخالفين......... إذا مرحبا بالاحتلال لكي نظلم جميعا في هذا الوطن الذي يدفن فيه المجدون ويولد العباقرة ويموتون دون أن نعلم عنهم شيئا ويولد التافهون والإمعات ويكونون الكل في الكل لأنهم أبناء الذوات فيكونون الأفضل والأحسن ويستحقون التكريم .........
(بالمناسبة كان حلمي أن أصبح عالم فيزياء نووية واستطعت أن أحصل على مجموع يؤهلني لدخول كلية الهندسة رغم أني كنت أعمل وأذاكر في نفس الوقت كنت أعمل مع والدي في ورشة حدادة وبسبب الظروف منعني والدي من إكمال الدراسة واضطريت للعمل في المكان المذكور ....
ولكنني أصريت وأدرس الآن وأعمل حيث أذهب وقت الاختبارات فقط لأن عملي من الساعة 8 صباحا إلى الساعة 7 مساء وقد حصلت على تقدير جيد جدا وأفضل من الزملاء الذين يحضرون المحاضرات ........ على كل أنا أنتظر احتلال أي بلد محترم لبلادنا حتى ينصف المظلوم الشاب الذي يتكسر جزء من هدفه وحلمه كل فترة وأخرى ...... ونصيحتي من أراد أن يتوظف فليحفظ ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وسيكون مديرا خلال سنة على الأكثر...........
وجزاكم الله وخيرا على هذا الموقع الفريد وأنتم جزء مضيء قليلا ما نجده في مجتمعنا العربي .......................................
شكرا لكم
16/10/2019
رد المستشار
الأخ العزيز أهلا وسهلا بك على موقعنا، وشكرا على مشاركتك في مشكلة ضحك وهزل واستهتار.. بيئة العمل في بلادنا، أحييك على كفاحك وعلى دأبك ومثابرتك، وأتفق معك في تقرير وقوع الظلم على كثيرين في بلادنا، لكنني أختلف معك فيما تصل إليه من تمنيات مؤسفة.
أحزنتني رسالتك يا أخي حزنا كبيرا ليس لأنك تذكر فيها ما لا نعرفه عن بلادنا العربية المصونة فما ذكرته كله معروف ومشتهر وإن لم يكن بكل هذا التوحش الذي تصوره لنا، ولكن ما أحزنني هو قصور نظرتك إلى حد مخجل مع الأسف، فأنت حين تقول في إفادتك : (إذا مرحبا بالاحتلال لكي نظلم جميعا في هذا الوطن .........) إنما تنطلق من رؤية شديدة السطحية وتكاد لا ترى سطح الماء لا ما تحته فقط !! فلن نظلم جميعا حين يحدث هذا لا قدر الله وإنما سيشمل الظلم شريحة أكبر وقطاعا أعرض من المخلصين الصادقين الجديرين بقيادة الأمة.
هل ما زال في بلادنا من تسمح له جوراحه بأن يقول أهلا بالاحتلال لكي يتساوى الجميع في الظلم ! كلا يا أخي والله إن التفسخ وضياع الحقوق وانقلاب الموازين الذي تعيشه أمتنا ليس إلا ناتجا عن سياسات المؤيدين التابعين للمستعمر القديم أو العميان والجهلة ممن يظنون أنفسهم مخلصين وهم في منتهى الغفلة، إن أهم ما يهدف إليه المحتل أو المستعمر لبلد ما يا أخي الباحث عن الإنصاف هو أن يقتل عقول البلد المحتل النابهة وأن يقوض عزائم رجاله، وستكونُ النتيجة أسوأ مما نحن فيه بكل تأكيد!
ألم ترى يا أخي ما حدثَ في العراق؟ ألم تر كيف كان دأب الأمريكيين في ملاحقة علمائها ومحاصرتهم ؟ هل ستقول لي أن بوش (وعصابته) كانوا يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل ؟؟، لا إله إلا الله ألم تتضح الصورة بعد ؟ ألم يسرح الأمريكان أساتذة الجامعات ؟ ألم يحلوا الجيش العراقي ! وأنا لا أدافع هنا عن صدام حسين أو غيره وإنما فقط أبين لك ما يبدو أنك لم تنتبه إليه.
وأنا لا أنكرُ أبدًا أن ظلما كبيرا يلحق بأصحاب القدرات والطاقات وأن عوامل الفساد وأعراضه متغللة في كل مؤسسات دولنا حتى أصبح هذا هو النموذج السائد بل يكاد يكونُ الطبيعي، وكثيرٌ من هم مظلومون ومحرومون من حقوقهم لكن الموقف الصحيح لا يمكنُ أن يكونُ ذلك الانكسار والانهزام الأعمى بدعوة الأعداء ليقيموا ميزان الحق فهم أشدُّ ظلما وعدوانا.... واسأل العراقيين على اختلاف مذاهبهم فيما عدا من يوالي الأمريكان منهم، وليس هذا دفاعا عن الحكومات العربية لأنها هي نفسها لم تعد تنفي عن نفسها التهم!، وإنما التصرف الصحيح يكونُ بمحاولة اتخاذ السبيل إلى الإصلاح، بمحاولة توعية الخلق وتنبيه الناس وتخليصهم من قابليتهم للاستعمار، تلك القابلية التي تجعلك تنتظر قدوم الخير على يدي عدوك ! ولله الأمر من قبل ومن بعد، والتصرف الصحيح يكونُ باتخاذ الجهاد المدني سبيلا للعمل، ويكون بنشر الأفكار التي تدعو إلى إصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا بأيدينا نحن.
إن ما سيحدثُ لا قدر الله إذا حكمنا الأمريكان أو غيرهم هو أن أتفهنا وأسوأنا سيتولى أمورنا، وسيوضع أصحاب الطموحات بلا قدرة ولا ملكة في أحسن مما يطمحون إليه بينما يدفن أهل القدرة والهمة الحقيقية والطموح النابع من عزيمة وعزة واقتدار لأن هؤلاء يمثلون خطرا على المحتل أو المستعمر، أي أنه حين يحدث لا قدر الله أن يقال للاحتلال مرحبا من الشعوب -وهذا ما لن يحدث من شعب مسلم- فلن تكونُ النتيجة إلا اختيار الخانعين التافهين لتوليتهم أمورنا ومحاربة العقول وأصحاب الهمم العالية في الحق، وليس هذا حدسا ولا تخمينا بل إن التاريخ يؤكده ويثبته ولنا في أنفسنا عبر وعبر، أليست الحكومات التي سمح لها الاستعمار بالبقاء بعد اضطراره للرحيل، والسياسات التي سمح لها بالاستمرار بعد جلائه عن ديارنا، أليست هي الحكومات والسياسات التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن من ضعف وخنوع وخيبة ليس من قبلها ولا من بعدها؟ فهل تريد أن تكونَ أو نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؟؟
إذن ثابر يا أخي على عملك في بناء نفسك، وجاهد ما استطعت في دفع الظلم عن نفسك، واسأل الله أن يمنحنا الخلاص والعدل برحمته ولكن لا تتمنَ ما هو أسوأ مما نحن فيه، لأنك مأمورٌ بالجهاد ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأرجو ألا تعتبر قسوتي عليك مقصودة لذاتها، فما أبغي إلا الإصلاح ما استطعت، وإن أجري إلا على الله.