مشكلتي أني
أنا شاب عربي مشرقي أبلغ من العمر 26 عاما أقيم في الخليج وأعمل مصمم جرافيك في إحدى شركات الدعاية والإعلان.
بدأت مشكلتي منذ كان عمري عاما واحدا حين انفصل أبي وأمي عن بعضهما ولم يرضى أحدا منهما أن يأخذني عنادا في الآخر فأخذتني جدتي لأبي وربتني فأحسنت تربيتي ولكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد توفيت جدتي وأنا ابن السادسة عشر من عمري حينها وحيث أني طوال هذه المدة لم أكن أعلم ما قصتي ولا أين أبي أو أمي وحينما كنت أسأل جدتي عنهما كانت تجيبني بإجابات لم تشفِ غليلي فكأي طفل في المدرسة كنت أعود لأقول لجدتي أن كل الأطفال لديهم أب وأم فأين أبي وأمي وكانت إجاباتها لا تأتي شافية.
وحينما كانت على فراش الموت أخبرتني جدتي ويا ليتها لم تخبرني، وراحت جدتي وتركتني وحيدا حاولت بعدها أن أبحث عن أبي وأمي بناءا على معلومات أعطتني إياها جدتي وأخيرا وجدت أمي وكانت المفاجأة أنها قالت اذهب إلى أبيك ولا تفكر في مرة أخرى فأنت ابن حرام حاولت أن أصل إلى أبي ولكني فشلت حينها قررت ألا أعتمد على أحد وبالفعل عملت كل الأعمال كي أستطيع أن أكفل نفسي وأكملت دراستي حتى تخرجت في كلية الفنون التطبيقية وبعد التخرج بشهر جاءني بالمصادفة البحتة عقد عمل بدبي وكأن الرب قد أراد لي أن أبتعد عن الديار التي تعذبت فيها كثيرا....
عذرا إن أطلت عليكم في سرد حكايتي ولكنني أريد أن أضع حدا لمأساتي فصدقوني أنا أكتبها بدموع ودم فأنا وبرغم راتبي الذي يقدر ب1500 دولار شهريا وبرغم السيارة التي أمتلكها وبرغم رغد العيش الذي أحيا به إلا أنني أحس بأن شيء ما بداخلي ينقصني لا أدري ما هو، وأعيش منعزلا عن العالم وانطوائيا وأخشى التعامل مع المجتمع الذي يحيطني فلا أجد الثقة فيه ولا أفكر في الزواج أبدا.
ولي مشكلة أخرى أنني وبرغم مرور خمس سنوات على رحيلي من بلدي لم أزر قبر جدتي يوما برغم مقدرتي المالية على ذلك، من أجل هذا أؤنب نفسي كثيرا في تقصيري في حق هذه السيدة العظيمة التي صبرت على هجر ولدها لها بسبب أنها أخذتني لتربيني علما بأن أبي وأمي وحيدي أبويهما فليس لي أقارب ماذا أفعل فقد بدأت أفكر فيما قالته لي والدتي أني ابن حرام وكرهت الحياة....
أرجو سرعة الرد فأنا أتعذب كثيرا أريحوني أراحكم الرب....
وعذرا على الإطالة مرة أخرى ولكم جزيل الشكر والعرفان
12/11/2004
رد المستشار
الحمد لله الذي جعل لنا الإنترنت نتجاوز بها الحواجز لنتلاقى وندرس شئون دنيانا، وها أنت يا أخي بفضل الله سبحانه وتسخيره لهذه الأداة تقفز فوق حواجز الجغرافيا والطائفية والخجل من المواجهة لتصل إلينا عبر كلماتك.
ماذا يضيرك أو يضير أبناء الزنا -إن صحت هذه المعلومات في حالتك– أن آخرين قد فعلوا فاحشة أو ظلموا وكانوا سببا في إيجاد أمثالك في الحياة؟!!
ليست مسئوليتك أن رجلا هو أباك البيولوجي قد ضاجع امرأة هي أمك بالميلاد دون أن تكون هذه المعاشرة في الإطار الذي يريده الله، ويقبله المجتمع، وتوحي به الفطرة الإنسانية السليمة كون الأسرة تنشأ على أساس من الإيجاب والقبول لأطرافها الأساسية "الرجل والمرأة" إضافة إلى الاعتماد أو التصديق الاجتماعي عليها، آخذين في الاعتبار أن العلاقة بين رجل وامرأة لو أخذت صفة العلانية بين الناس، ولو لم تكن موثقة بأوراق فإن هذه العلانية تعطي شكلا، من أشكال الزواج، أو لنقل درجة من درجاته، وعلى كل الأحوال ما عليك من هذا أو ذاك لأن مسئوليتك أمام الرب إنما تكون عن أفعالك أنت واختيارك أنت لا عما فعله الآخرون بك.
وفي ديننا – وأحسبه جوهرا في دينك وكل دين– "ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الأوفى".
"وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" والمعنى أن العلاقة بين الإنسان وربه إنما هي تختص بأفعاله وخطاياه وحسناته هو لا غيره، فلا تحمل الخطيئة التي ارتكبها الآخرون، في حقنا ولا يحاسبنا الله إننا أولاد حرام أو أبناء زواج، وإنما سيحاسبنا على أعمالنا نحن في حق أنفسنا نحن والآخرين، سامح الله أباك وأمك وغفر لنا ولهما وعافانا وعافاك من التورط بالخطايا، لكن ينبغي أن تتذكر أن الله سيحاسبك على قلة برِّكَ للسيدة التي كفلتك وآوتك وكانت لك الأم والأب حتى بلغت مبلغ الرجال، فلا أقل من أن تصلي من أجلها، وتدعو الله لها بالمغفرة والرحمة، وتظل على الوفاء لمن أرسلها الله إليك لتكون ملاكك الحارس فبادر بزيارتها بقبرها، واستشعر الفضل الذي وهبك الله الذي كان بك رحيما حين عوضك بها عن الأب والأم؛
ولا ينقصك يا أخي غير أن تفهم وضعك ودورك، وتستمد احترامك لذاتك من خصالك وأفعالك لا من أخطاء آخرين في حقك، وأن تساهم بدلا من الاكتئاب والإحباط في نهضة وإنقاذ أمتنا من شرور الانحرافات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، فهذا هو الرد الأمثل على الشر الذي تكرهه، إننا يمكن أن نستسلم في هذه المواجهة غير المتكافئة بيننا وبين الظلام الذي يجتاح أرواحنا ويخيم على بيوتنا وشوارعنا، وكل حياتنا، كما يمكننا أن نبدده لو أشعل كل منا شمعة تضيء بؤرة أو تنير مساحة حوله ثم يتكاثر الضوء من هنا وهناك، فتصير العتمة نهارا بجهودنا وأيدينا فماذا فعلت للناس؟! وفيهم الجائع والمحروم والتعيس والمحتاج؟!
سيحاسبك الله وإيانا على هذه وذاك، ولن يحاسبك على أنك ابن زنا، سيحاسبك الله على الخطيئة وعلى التقصير الذي يصدر عنك، ولن يحاسبك على أنك ابن خطيئة.
تحياتي لك بالتوفيق، ودعواتي بالهداية والسلام.