نهاية البلاهة الاجتماعية في الحظر فرصة
أمي
السلام عليكم. شكراً على الجواب الشافي بخصوص خجلي الاجتماعي، سأعمل بنصائحكم بالتأكيد. لكنك لم تذكر ماذا أفعل حيال حساسيتي الزائدة فإنها ترهق عقلي.
الآن أريد استشارة حضراتكم بخصوص الوالدة، أكاد أقول رحمها الله فهي لم تعد موجودة في حياتنا مع أنها على قيد الحياة، وتسكن بشقة وحدها في عمارة أبيها (جدي رحمه الله). بخصوص والدتي فهي كما قلت لكم لم تعد تتعرف علينا حين ترانا بل تقول أننا أناس غريبون مُتشكّلون في أشكال أخرى.
سأبدأ سرد الأحداث بالتزامن:
تزوج أبي وأمي في عمرين صغيرين حيث كانت هي في الـ 18 من عمرها، وهو ولا أدري بالظبط لكن أكبر منها قليلاً، كنا نعيش حياة هانئة بجدة بالمملكة العربية السعودية، كان والدي _رحمه الله_ مرحاً مُحباً للحياة ويشتري لنا كل ما نحب، لكنه كان أحياناً عصبياً تجاه أمي التي كانت متدينة وزاهدة قليلاً، أي أنهما اختلفا في نمط الحياة.
عندما كنت في سن الرابعة مرض أبي مرضاً شديداً وكلنا عدنا إلى السودان، وتطلق والداي فأصبحت أمي تعيش في منزل والدها عندما كان حياً ونحن مع أبي في منزل والده، في بداية مرض أبي كان مُلازماً للفراش، وكان أيضاً يعاني فقد الذاكرة فأصبح لا يتعرف علينا، ونحن لم نكن نفهم شيئاً، فقط تم تسجيلنا في الروضات وعشنا قليلاً بلا هم أو فهم لما جرى بين والدينا، وكانوا يأخذونا لنرى أمي كل جمعة، كانت تتمسك بنا كثيراً وتهم في إطعامنا وإعطائنا مجلات ماجد لنقرأها، حتى عندما يحضر أولاد وبنات خالاتي الصغار لم تكن تدعنا نلعب معهم بل كانت تُغلق الباب علينا وهي معنا فلا نهتم ونواصل القراءة، كانت تعد الساعات حزناً لموعد رحلينا لكننا والله لم نكن نفهم شيئاً ونرحل بسعادة.
بعد مدة بدأت الزيارات تنقطع تدريجياً حتى أننا كنا نتذمر من الذهاب إليها لأننا نستمتع في العطلات بالبلاي ستيشن والتلفاز وغيرهما مما لم يكن لديها هناك في غرفتها، كانت تعطينا الكثير من الهدايا وكانت تنزهنا في المطاعم والحدائق مرات، لكن كل ذلك قابلناه بنسيانها باقي الأيام بلا وعي منا.
توفي والدها عندما كنت في المرحلة الثانوية الأخيرة، ذهبنا للعزاء ثم عدنا كأن شيئاً لم يكن، ثم انتقلت هي وأختها التي كانت تعيش أيضاً في منزل والدها إلي العمارة الحالية وأصبح الوضع أسوأ فقد فرّقت بينهم العمارة وأصبح كلٌ في شقته.
استمرت معاملتها الطيبة واستقبالها لنا قليلاً لكن شيئاً فشيئا انقطعنا عنها بالكامل لانشاغلنا في الجامعات (يالسخافتنا! ضييعنا جنتنا التي تحت أقدامها).
تزوجت أختي الكبرى عندما كنت أنا بالمستوى الثالث الجامعي (قبل وفاة أبي بسنة) وأمي لم تحضر الزفاف لأنها رفضت، ولم تكترث بإنجاب حفيدتها الأولى مع أن أختي تعيش في شقة أعلاها مباشرةً.
أمي الآن تزداد حالتها سوءً يوماً بعد يومٍ، وأصبحت لا تستقبلنا ولا تفتح الباب لنا، وتتعامل بعصبية مع أخواتها إذا وبخوها بسبب أنها تدلق الماء أسفل العمارة (هي أصغر إخوانها) وعندما يمر أحد في السلم تذهب للركن وتلتفت إلي الحائط حتى يبتعد الشخص مهما كان، وتقف تقول أذكاراً كثيرة عند دخول شقتها وعند الخروج، ولا تتعامل مع أي بشر، وتصوم كل يوم (صوم الدهر) وتتحدث بصوتٍ عالٍ وحدها داخل الشقة وقد يسمعها الجيران، وتخلصت من جميع أثاث ومكونات الشقة برمي بعضه بالبلكونة وبعضه خارج الباب، وفي الليل تُغلق جميع الأنوار وتصبح الشقة مظلمة جداً حتي أنني مكثت معها أيام وكنت أصطدم بالحائط إذا أردت الذهاب لدورة المياه ليلاً.
أختي توسلت أخاها الأكبر أن يقنعها بالذهاب إلى الطبيب النفسي فوافق، وعند مجيئه إلي السودان تحدث معها قليلاً وقال "ما فيها شيء، سليمة" علماً بأن له أخا أصغر (خالي الآخر) يعاني من نفس الحال، وقد كان عالم فيزياء وقيل أن أصدقاءه سكبوا له في العصير شيئاً ما وإلى الآن لا يغادر الغرفة التي أسفل نفس العمارة، وتحول مخه لمخ طفل صغير، ونفس الحال حصل مع ابن خالتي.
أختي ترى أمي بين الحين والآخر لتعطيها نقود الشهر (وهي نقود إيجار الشقة التي تسكن فيها مع زوجها واتفقوا مع خالي الكبير أن تصبح نقود أمي كل شهر) وتأخذ أمي المال وتصرفه على بقالتها حيث تشتري الكثير من الصابون البودرة ونجده أحياناً منثوراً على أرجاء الشقة (عندما كُنّا نراها).
أختي ضاقت ذرعاً بجميع العائلة، وكُلنا مستاؤون مما لم يفعله الكبار _سامحهم الله_ عندما كان بيدهم ألا يصل الحال لهذا، وأنا خائفة على أمي كثيراً، فكيف لامرأة أن تعيش وحدها خصوصاً في هذا البلد الموحش؟!
الآن لا يبدو لنا حل سوى الدعاء، وفكرنا أن نعرضها على طبيب بالقوة لكنها عنيدة جداً ونخاف إذا فعلنا ذلك أن تفعل في نفسها شيئاً.
نحن الآخرون نعيش مأساة في بيت جدنا الذي حتي بعد وفاة أبي لم يلن له قلب، فقد تحول أخي الصغير المسكين (بالغ من العمر 20 عاماً) إلى جسدٍ هائمٍ ميت الروح يهذي بأحلام الخروج خارج البلاد واصطحابنا نحن وأمنا معه، فأقول له أن هذا مستحيل، أما أنا وأخي الأكبر فمتماسكون قليلاً ونقضي يومنا بالضحك على حالنا آملين يوماً ما أن يصبح كل شيء على ما يرام.
آسفة على الإطالة والأخطاء الإملائية. وأرجو إخفاء بياناتي مجدداً. وشكراً على موقعكم الجميل الذي أصبحت أتردد عليه كل يومٍ وتعلمت الكثير فعلاً.
أعان الله بلادنا وبلاد المسلمين وكل البشر، وأستغفر الله لي ولكم.
5/7/2020
رد المستشار
صديقتي
بالنسبة للحساسية الزائدة، فقد قلت لك في ردي السابق :
"في غالب الظن أن جزءًا كبير من مشكلتك هي الحساسية التي تواري في اللاوعي شيئا من الرغبة في التحكم في الآخرين عن طريق الإحساس بأنك ضحية، أقول في اللاوعي لأنه خارج نطاق إدراكك، هكذا هي الحساسية المفرطة."
لكي تتخلصي من الحساسية الزائدة، ذكري نفسك بأنها ليست طريقة صحية للحصول على ما تريدين وأنك الوحيدة التي تعاني وأن حساسيتك لن تعني شيئا على المدى الطويل بالنسبة للآخرين... قد ينفذون ما قد يحمي مشاعرك عدة مرات ولكن بعد ذلك سوف يضجرون ويملون التعامل معك.
أما بالنسبة لوالدتك، فمن الواضح أنها تعاني من خلل في كيماويات المخ وكذلك خالك وابن خالتك وأخوك الأصغر.... من الممكن أن تكون المسألة وراثية وأنك وأخوك الأكبر محظوظان في عدم وجود استعداد قوي لديكما للمرض العقلي... على أي حال يجب مساعدة والدتك بغض النظر عن خوفك من العواقب.... إن فعلت شيئا في نفسها فهو بسبب مرضها الذي لن يتحسن بدون علاج.... عليك أنت وأخوك بمساعدتها.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب
ويتبع >>>>>>>>>: نهاية البلاهة الاجتماعية في الحظر فرصة م1