والدي الاكتئابي، واحتياجي للأمان
توفت والدتي وأنا في السابعة عشر، وسافرت أختي مع زوجها لأبقى وحيدةً مع والدي المسن. والدي في الخامسة والخمسين، وأنا في الخامسة والعشرين.
لم تكن تربيتنا صحية نفسياً إن وصفتها وصفاً عابراً، والدي كان غائباً عن سيناريوهات طفولتنا كلها ولا أذكر موقفاً ساهم فيه بتربيتنا، بل أتذكره دوماً صامتاً ساكناً ومنعزلاً أحياناً، بينما تحملت أمي كل الأمر، وأتذكر أنّ أمي كانت تشتكي كثيراً من طبع والدي لكنني لم أكن مكترثة بما تحتويه شكواها منه فلا أتذكر شيئاً سوى أننا لم نكن في بيتٍ هادئ.
اليوم وبعد وفاة والدتي أشعر بأنني أفتقد حنان والدي وقربه، فهو ما إن دخل البيت يعاملني بصمت غامض كمن يتعامل مع إنسان غريب فيدخلني في حيرة وضغط نفسي وحاجة لسند وكتف يشعرني بالأمان.
حاولت الانشغال بدراستي عنه فطموحي الدراسي والمهني كبير، إلى أن جاء ذلك الصباح الذي سمعت فيه أبي يقول وهو يوقظني بنبرة مضطربة هوسية "ساقاك جميلتان كساقي أمك!" وشعرت بيده تتحسس ساقي! وحينما رفعت رأسي خرج من الغرفة مندفعاً خائفاً! ليعود بعدها من عمله ويدخل غرفته بعدما بادلني نظرات لائمة أو غريبة وبصمت شديد كعادته.
لاحظت يومها أنّ اكتئاب والدي وفقدانه لأمي زاد عن حدته وأرجعت الأمر لفقدانه لها، وتناولت الموقف بشيء من العقلانية والصبر رغم أنني شعرت بالكره له مما دفعني لمكالمة صديقة أمي وهي معالجة نفسية لتخبرني "أباك يحمل سمات الشخصية الاكتئابية" ودعتني للقراءة عنها، وراحت تخبرني من خوفها في دخوله بنوبات اكتئاب شديد مما جعلني أُخبر أختي الكبيرة عن الموضوع، والتي زادت من حدة الموضوع حيث كان جوابها صادماً "احذري منه! تعلمين أنّ والدنا ليس طبيعياً" وحدثتني عن محاولته للتحرش بها في بداية نضجها!!
هذا الأمر أربكني وأدخلني في خوف كبير، وحاولت صديقة أمي أن تطمئنني أنه لن يتجرأ على التحرش بي كما فعل مع أختي، لكن الطمأنينة لم تدخل لقلبي أبداً فأنا في حالة التي تتمنى ألا يكون لوالدي نية سيئة تجاهي، وأنا أشعر بفقداني الكبير له، كما أنني أكره بشدة أن يكون الحل كما أخبرتني أختي "لا تجلسي طويلاً معه وادخلي غرفتك!" كما قالت لي "لا ترتدي إلا ملابس محتشمة بأكمام طويلة أمامه، ولا تتقربي منه بل اهجريه!"
أنا أكره هذا الحل الذي سيجعلني أسكن البيت مع والدي بحذر وخوف ويسلب مني راحة بالي، بل أحتاج لما يساعدني بشخصيته الاكتئابية كي يعيده لرشده فيُذكٍّره بأني ابنته.
احتياجي للأمان بدأ يظهر بشخصية عصبية شاكية أمام صديقاتي وأقاربي، وألجأ لأحلام اليقظة التي تحمل حلم الهروب لحياة جديدة، كما أنني ما إن يعود والدي للبيت بصمته وغموضه أشعر بضغط نفسي وكأنني في داخلي أطالبه بأن يكون أباً لا إنساناً غريباً تشعرني نظراته بالفقد والخوف.
أرجوكم ما الحل؟ وكيف أتعامل معه؟ مع العلم أنّ المعالجة رفضت إعطائه الدواء بحجة أنه شخصية مركبة تحتاج لجلسات كثيرة وللتجاوب منه مع العلاج الذي رفضه حسب كلامها منذ أيام والدتي.
أنا اشعر الآن بالفقد والقلق وأكره الفقد والقلق، ساعدوني.
12/7/2020
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزتي "ليمار" لقد مر على وفاة والدتك سنوات كيف تعاملت فيها مع والدك. من الواضح انك تجيدين التعامل مع وضعك الأسري أكثر مما تظنين، كما أنك الاكثر قدرة على اختيار طريقة التعامل المناسبة من أي شخص خارج دائرة تفاعلك مع والدك، هذا أمر يجب عليك التركيز عليه.
يعتمد الإرشاد على قدرة الإنسان على التوافق مع الظروف المختلفة بتغيير طريقة تفكيره وتفاعله معها ذلك انه يصعب غالبا تغيير الظروف الخارجة عن إرادتنا. شخصية والدك سواء كان يعاني من اضطراب في الشخصية مثل التجنبية أو من الاكتئاب فهو استطاع الزواج وتكوين أسرة ورعايتها وإن كنت غير راضية عن دوره تماما من الواضح أنه أسس أسرة ورعاها بأحسن ما تمكنه شخصيته.
لمساعدة نفسك عليك البدء بمساعدة والدك. ما امكانية أن يتزوج والدك فهو ليس برجل مسن كما وصفته، ما زال أمامه فرصة للزواج. زواجه من شخصية مناسبة سيريحك نفسيا من مسؤوليته، مجرد اقتراح لا أعرف مدى ملائمته لظروفكم. أين العائلة الممتدة في حياتك، العمات والخالات والأقارب، زيارتك لهم وزيارتهم لك سيقلل من شعورك بالوحدة وقد يشجع والدك على الخروج من صمته فتعرفين عنه أكثر ويتراجع قلقك.
إن كان لا يعرف هو بحكم خبراته البسيطة وشخصيته كيف يتواصل معك جربي أنت التواصل معه، لا تدعي الصمت والنظرات هي وسيلة التفاعل. بادري بسؤاله عن يومه، عن صحبه، أخبريه عن يومك، انقلي له أخبار شقيقتك، راقبي اهتماماته وشاركيه فيها. بعض نصائح شقيقتك نافعة للجميع مثل الاحتشام بل أراه ضروريا في سلوك الفتيات أمام محارمهن وهو أمر رتبه الشرع، ليس خوفا من والدك ولكن لردع وساوس الشيطان، ولكن بالتأكيد ليس مزيدا من التجنب كي لا تفقدي أنت مهارة التواصل مع الغير مهما اختلفوا عنك. هذا سيفيدك أولا وهو ثانيا، سيعطيك فرصة للتعبير عن نفسك، أذكرك بأن العلاقات تبنى ولا تولد.
لا يمكنك تصنيف حادثة لمسه ساقيك تحرشا جنسيا حيث أنه لم يتكرر، ربما كان فعلا تحت تأثير الدهشة من شبهك لوالدتك، وتذكري أنه مثلك أيضا يفتقد زوجه. زنا المحارم يبدأ غالبا من الطفولة أو مع بداية النضوج، لم ينتظر والدك ليصل عمرك سبعة عشر عاما كي يقرر التحرش بك، دعي عنك القلق الذي يزيد عصبيتك مع غياب فرص التغيير في ترتيبات حياتك.
سأخبرك أن الوحدة ليست ناتجة عن الظروف المحيطة ولكنها في الأغلب ناتجة عن تفسير الشخص ومدى قدرته في التعبير عن نفسه. شعور الوحدة انعكاس لتفكيرك وإلا ما اختارها الرسل والباحثين والزاهدين. الوحدة قد تكون اختيارا ومصدر للعطاء فقط تعلمي أن تستفيدي منها، قد تكون الكتابة مخرجا، والعمل، والقراءة. الوحدة مجرد شعور لا يرتبط بعدد من حولك بل بتواصلك مع نفسك.
أرجو أن تساعدك السطور السابقة في تغيير طريقة تفكيرك والتعامل مع مشكلاتك، تحياتي.