مرض أم ردة فعل طبيعية؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بدايةً أنا امرأة متزوجة، ظروفي الاجتماعية والأسرية والصحية من الطفولة وحتى الآن جيدة ومستقرة ولله الحمد، ليس لدي تاريخ مرضي نفسي سابق، بالنسبة لأسرتي هناك تاريخ وسواس قهري ولكن ليس لأقارب الدرجة الأولى.
بدأت مشكلتي قبل خمس سنوات حين تعرضت لضغط نفسي شديد بسبب مشاركة زوجي في الحرب في اليمن، أول ما تلقيت خبر تكليفه كنت متماسكة، ولكن دخلت بعدها في جو من القلق الشديد والتفكير المضطرب ومتابعة الأخبار ليل نهار، نمت في أحد الليالي فأيقظني شعور غريب، شعور بالوحدة والغربة والوحشة وكأني وحيدة في هذا العالم، وبدأت بعدها نوبات من الهلع.
ذهب زوجي وانتهى تكليفه وعاد بالسلامة _ولله الحمد_، ولكن الأعراض ظلت مستمرة بل تزداد يوم بعد يوم، شعور بالوحدة والغربة عن العالم، وحشة وقلق وخوف شديد وحزن شديييد جداً وكأني في عزاء، شعور بفقد الأهل والأبناء على الرغم من وجودهم وكأن فقدهم حقيقة واقعة فعلاً، تشاؤم وخوف شديد من المستقبل، انعدام قيمة الحياة، خفقان وهبات باردة وساخنة وقشعريرة، غثيان ونزول في الوزن، أرق فلا أنام إلا بضع ساعات فاليوم، وإذا استيقظت أثناء النوم لا أستطيع الرجوع مرة أخرى.
استمرت هذه الأعراض ستة أشهر حتى فكرت بالانتحار، لم أكن مقتنعة أني مريضة، وكنت أرى أن هذه ردة فعل طبيعية بسبب الموقف الذي تعرضت له... أصر أهلي على ذهابي للطبيب النفسي فذهبت وشخصني باضطراب القلق العام، ووصف لي "لوسترال ١٠٠ ملغ" لمدة سنة، تحسنت حالتي بعدها ولكن لم أرجع كما كنت فالسابق، كنت أشعر أن نظرتي للحياة تغيرت.
حاولت بعدها أن أقوي نفسي وأقوي علاقتي بربي مع أني من الأساس ملتزمة دينياً _ولله الحمد_ ومحافظة على صلواتي و أذكاري، حاولت تغيير نظرتي عن الموت، وعزمت على الصبر والثبات لو تعرضت لموقف آخر لأني كنت أرى أني جازعة ومتسخطة ولست صابرة ولذلك أصابني ما أصابني.
بعد انتهاء مدة العلاج بثلاثة أشهر تقريباً تعرضت لضغط نفسي، فقد توفي خالي فجأة، رجعت لي نفس الحالة السابقة، تماسكت أول يوم، ولكني استيقظت اليوم الثاني على الشعور بالغربة والوحشة والخوف والحزن الشديد، نفس الأعراض السابقة ولكن بصورة أشد وأقوى، وبدأت تطرأعلى بالي أسئلة كثيرة وأفكار عن الله وحكمته ورحمته وعدله، أفكار سيئة للأسف ولا يمكن أن يفكر بها إنسان مسلم، أصبحت وللأسف أشك في العدل والرحمة والحكمة.
كنت ألوم نفسي كثيراً على هذا التسخط والجزع وعدم الصبر، حتى قرأت أن المتسخط على الله (بنفس الدرجة التي كنت أنا أعتقدها وأراها في نفسي) بأنها كفر، وهنا كانت الطامة الكبرى حيث ازدادت عليَّ أعراض الخوف والقلق والتوتر، حتى طلبت من زوجي الذهاب بي إلى المحكمة لتنفيذ حد الردة.
استمرت أعراضي تسعة أشهر لم أذهب خلالها إلى الطبيب لأني كنت في بلد أجنبية والأطباء كفار، وأنا كنت أرى أني لست مريضة وإنما ضعيفة وجازعة ومتسخطة، والسخط (وإن كنت أكرهه ولا أريده، ولكنه رغماً عني) لا يعالج بالأدوية، وكنت أقرأ القرآن كثيراً وأصلي النوافل، ولكن لم تتحسن الأعراض أبداً.
عندما رجعت إلى بلدي ذهبت للطبيب وأرجع لي اللوسترال لمدة خمس سنوات، أخذته لمدة سنتين وبعدها رأيت أني تحسنت فتركته، خصوصاً أني أقنعت نفسي بأني غيَّرت فكرتي عن الموت وقويت نفسي أكثر (أنا لا أخاف الموت لي شخصياً، وإنما أخاف من فقد أحد أحبابي).
بعد ترك الدواء بشهرين أصيبت أختي بمرض التصلب المتعدد، وعندما سمعت الخبر كنت قوية ومتماسكة وقويت من عزيمتها، ولكني وللأسف استيقظت من نومي بنفس الأعراض، وأصبحت سيرة الموت والفقد على لساني، وأشعر بشعور الفقد وكأنه واقع فعلاً وكأني في عزاء وأردد هذه هي الحقيقة، وبكاء مرير جداً وشعور بالكفر والخلود في النار.
دكتور أنا لا أشعر أني مريضة، أنا أرى أن هذه هي الحقيقة (حقيقة الحياة المريرة)... دكتور أنا لا أريد الكفر، والله لا أريد الكفر، أريد أن أموت على الإسلام، ولكني لا أريد هذه الحياة فأنا لا أقوى عليها ةلا أتحملها، أخاف من الغد، أخاف جداً، أخاف أن يحصل لأحد من أهلي شئ فأجن أو أكفر بسبب ما أعتقده في نفسي عن ربي.... أنا لست مريضة (هذه هي الحقيقة)، والفرح والسرور في هذه الحياة شعور كاذب.
بماذا تنصحونني؟..
أنا الآن آخذ "لوسترال ١٠٠ ملغ"، ولكني غير مقتنعة.
7/10/2020
رد المستشار
سيدتي..
من منا لا يعاني أو يشكو من سوء الحال وما آلت إليه الأحداث في اليمن وما تخللها من أثر نفسي على حياة الناس .. وضع سيء وأمور لا يعرف المرء منتهاها. المهم في حالتك أنك تعانين من الاكتئاب الممزوج بأعراض القلق والتوتر.. ما أن عاد زوجك إليك سالما كان الأجدر بك أن تنتهي مما أصابك من خوف واكتئاب وشعور بالوحدة مع الأرق وعدم القدرة على النوم.. لكن يبدو أنك كنت تعانين بصمت وتكبتين مشاعرك ولا تبوحين فيها .. فما أن ذهب زوجك بعيدا عنك بدأت هذه الأعراض تنتابك بقوة ...
بدأت نظرتك للحياة تتغير.. وبدأ الشعور بالخوف ومن ثم الإحباط ونظرة التشاؤم للحياة مع أفكار الانتحار.. مما جعلك تفكرين وتتسائلين حول الله والعدل.. وأن هذه الأفكار والتساؤلات حول الحكمة التي أرادها الله لعباده ألى أن اتهمت نفسك بالكفر وتريدين تنفيذ حكم الردة... لا عليك سيدتي.. فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حسن إيمانك بالله وأنك تريدين أن تتطهري من هذه الأفكار حول الكفر.. فالله يعرف ما بنفسك من قوة إيمان وطهر وورع وأما هنا تأتي الحكمة التى يريد الله لك من أنك قادرة على الصبر وتحمل البلاء..
عليك أن تقوي إرادتك وتتحلي بالصبر.
لا أريد أن أطيل عليك... أنصحك بمراجعة طبيب...
ويتبع >>>>>>>>>: خلطة قلق واكتئاب في اليمن ! فقط !! م