أفكاري اللامتناهية
أنا بنت... منذ شهر أصبت بنوبة قلق وظننتها نوبة قلبية، وقمت بجميع الفحوصات واتَّضح أنه إجهاد عصبي من التفكير (مع أنني لم أكن أفكر بأدنى شيْ)، ومن هنا بدأت أقلق من أي ألم حتى لو كان صداعاً، وكنت أحس أني سأصاب بسكتة دماغية، وتغيرت حياتي للأسوأ حيث بدأت أشعر بأنني سوف أموت بأي لحظة، وإما أن هذهِ الدقيقة أو هذه الليلة هي آخر ليلة لي، مع شعور بالاختناق وأعراض جسدية شديدة مثل: آلام بالصدر، نبضات بكل مكان، تشنج كامل، قيء، كثرة التبول، قشعريرة برد وحرارة في وقت واحد، والأرق الشديد.
بدأت أُعالِج نفسي سلوكياً فسلمت أمري للموت وللقبر، وبدأت أجتهد في الأعمال الصالحة لكي ألقى الله بوجهِ حسنِ، فارتحت أياماً لكن سرعان ما عادت الأفكار وتوسعت إلى خوف شديد من البعث وأهوال يوم القيامة وما سيحدث لي، وجلست أطمئن نفسي بأنها سوف تمر علينا كلنا وأن هذه تعتبر تكفيراً لذنوبنا، وهدأت، ثم انتقلت إلى أوسع من ذلك وبدأت أشكك بأعمالي "هل أنتي لست مُحِبِّة للقاء الله وفقط تعملين لكي تبتعدي عن العذاب؟" وأقول أن أعمالي ليست مقبولة، وهنا بدأت أقرأ كتب أسماء الله وصفاته، وارتحت نفسياً كثيراً، لكن بعدها سرعان ما عاد خوفي من أهوال يوم القيامة وضيقة القبر.
ومع الأسف امتد فكري إلى أن بدأت أفكر بوجود الله.. وإلخ، وهنا كان أسوأ تفكير حيث شعرت بالانفصال عن الواقع، وأصبحت لا أفهم ماذا يحدث أو عما يتكلم الناس رغم أنني وسطهم كأنه يوجد ضباب على عقلي، وكنت لا أستطيع قراءة ما أمامي كأن مخي توقف، وأصبحت أعراضي الجسدية السابقة تزداد وتستمر لأكثر من 3 ساعات، وكان هذا أسأ شيء فكرت بهِ، لكن الحمد لله أعمالي لم تنقص أبداً، ولم أبتعد عن ربي بسبب هذهِ الوساوس، ولكن عندما تأتيني النوبة لا أستطيع إيقاف نفسي، وأُطمئِن نفسي أن هذا من صريح الإيمان، لكني تعبت كثيراً وأشعر أني سوف أُجنُّ بأي لحظة، وأتمنى لو أنني لم آتي إلى هذه الدنيا.
واقعياً أنا فتاة رغم أنني محبوبة جداً من الناس ومن الاصدقاء لأخلاقي أو لشكلي، لكن لم يتقدم لي أحد ولو بالخطأ لخطبتي أو رؤيتي... درست في أقوى التخصصات واجتهدت، لكن لم أتوظف، ووضعي المادي ليس بالجيد، لكن رغم كل هذا لم أكن قلقة على هذا ولو بمقدار 1٪ لأنني أثق بالله كثيراً، وأعلم أن كل أنا ما فيه هو خير لي، لدرجة أنني لا أدعو الله بالخطبة أو الوظيفة لأنني أنساهما ولا أعتبرهما هماً لي، وأغلب من في عمري تلك هي مخاوفهم، وَوَدَدتُ لو تكن هذهِ هي همومي ومخاوفي.
الحمد لله لم أتعرض لأي صدمة أو حادثة أثَّرت عليَّ، لكن من 4 سنين وأنا أشعر بالاكتئاب وفقدان شغفي للحياة بدون سبب، ولا أهتم بنفسي، ودائماً قلقة على عائلتي بالأخص عند خروجهم للعمل أو القيادة أو أثناء نومهم، ولا أستطيع الاستمتاع بنعم ربي عليَّ لأني دائماَ ما أخاف الفقد، وأيضاً عند أي مصيبة تحدث للناس أتأثَّر بها كثيراً، ويحزنني ما يحزنهم ونفسيتي فوراً تسوء، وكنت أيضاً أشعر بالموت وأنه قريبٌ مني، لكن كل هذا كان قلقاً عادياً وليس مرعباً، ولم أكن أفكر أبداً.
كنت أحاول وأشغل نفسي بتعلم لغة أو البحث عن هواياتي، وأذهب للنادي، وحاولت أن أحب الحياة والعطاء لنفسي وللناس، كل هذهِ محاولات لإيجاد شغفي بالحياة لكن لم أهتدي إليه.
لكن ما أشعر بهِ الآن أنهكني، ولا أستطيع النوم أبداً لأنه دائماً ما تجتاحني الأفكار بالليل، وفي الصباح أكون متوترة لكن أسيطر على نفسي، وفعليَّاً لا رغبة لي بالعيش أبداً، لكني أخاف الموت.
كنت أريد الذهاب إلى طبيبِ نفسيِ، لكن سرعان ما أقول أن ما أشعر به مُتَعَلِّقٌ بالدين (أشياء سوف نواجهها، لا علاج لها، ليست مخاوف دنيوية كالمرتفعات مثلاً)، وكيف أوقف تفكيري بقلقي على أهلي، وكل ما سيحدث قضاء الله وقدره، وسيصيبنا، وأعرف أن كل ما يصيبنا من الله خير، لكن ماذا أفعل فأنا لا أستطيع العيش لو حدث مكروه لأحدٍ منهم.
سؤالي لحضرتكم:
1. هل خوفي من القبر يكون ضعف إيمان وعدم حب للقاء الله فأنا أخاف كثيراً من هذا السبب؟
2. هل صرف فكري عن يوم القيامة وأهواله، وعدم البحث عنه يعتبر عدم إيمان باليوم الآخر؟... أنا والله مؤمنة به لكن أخاف من البحث لأنه تأتيني نوبة الهلع والفزع فوراً عندما أتخيل.
3. أنا أقنع نفسي بأنها أفكار شيطان، وأنا ملتزمة بأذكار الصباح والمساء و النوم وإلخ، فلماذا تأتيني هذا الأفكار؟
4. في السابق معاصيَّ كانت كثيرة من مسلسلات وأغاني وتأخير للصلاة وإلخ مع الأسف، لكن عندما كنت أقوم بعمل واحد صالح كنت أشعر براحة وكأن الدنيا ملكي، أما الآن فقد ابتعدت عن كل المعاصي وانشغلت بالأعمال الصالحة لكن لا أشعر بلذة، وإذا شعرت تكون لوقت قصير، فهل ما أقوم به أو عبادتي خاطئة؟
5. بدأت بتدبر وقراءة تفسير القرآن، لكن أشعر بأن آيات الكفار كأنها لي، وأشعر أني من المنافقين لأنني أخاف من الآخرة؟ وإذا قرأت وأنا بحالة نفسية جيدة أشعر برسائل القرآن من الصبر والجنة والراحة كأنها لي.
6. هل ما أنا فيه هو بلاء؟... لو كان بلاءً فأنا راضية لأنه يُكَفِّر ذنوبي، لكن أخاف أن يكون الله ليس راضياً عني.
ماذا أفعل؟.. أنا أخاف أن أموت وأنا على هذه الحالة، وأتمنى أن تطمئنوني.
أشعر بأنني لا أريد الحياة، لكن أريد أهلي بنفس الوقت، ولا أريد الموت أاني خائفة.. يعني بشكل عام لا أعرف ماذا أريد!.
وأتمنى أن تعذروني جداً على الإطالة،
وشكراً جزيل الشكر مقدماً.
12/11/2020
رد المستشار
(عاد خوفي من أهوال يوم القيامة وضيقة القبر ومع الأسف امتد فكري إلى أن "بدأت افكر بوجود الله وإلخ")
(الآلام بالصدر / نبضات بكل مكان / تشنج كامل / قيء / والتبول الكثير / قشعريرة برد وحرارة في وقت واحد / والأرق الشديد)
يبدو واضحا من رسالتك, ليس فقط الوسواس.... وإنما أعراض تعرف بنوبة الفزع أو الهلع كما وصف في طيات رسالتك.... هناك وسواس يعرف بوسواس الموت أو وسواس القبر أو أهوال القيامة".... عندما يكون مسيطراً على تفكيرك يصبح "وسواس الموت" اضطراباً نفسانيّاً أشبه بمرض القلق والذي يمكن أن يؤثر سلباً على حياتك وقد يمنعك من ممارسة مهامك اليومية والعيش بطريقة طبيعية. ببساطة.... ويمكن القول بأن وسواس الموت هو في جوهره القلق. فأعراض وسواس الموت أو القبر أو أهوال القيامة يمكن يأتي بشكل نوبات من الهلع تشمل الخوف الشديد.
ورغم أن وسواس الموت أو الخوف من الموت يستحوذ على أفكارنا ومشاعرنا, لكننا نستطيع أن نتخلص أو نتجاوز هذه المشاعر والأحاسيس.... وهنا تكون المعاناة أو الأعراض في لحظتها في الحدود الطبيعية ويعرف هذا النوع من الوساوس أوالمخاوف الفطرية الصحية بأنه "الخوف الصحي"... الذي يساعدنا في البقاء على قيد الحياة. ولكن يصبح هذا الخوف مشكلة حينما يسيطر على حياتك، ويتحكم بها تماما وبالتالي ولا يمكن أن يختفي تماما، كأن حياتك في خطر فهو في هذه الحالة القلق أو الخوف المرضي.
فالأعراض التي ذكرت في رسالتك.... بدأت أشعر بأنني سوف أموت بأي لحظة وإما هذهِ الدقيقة اوهذه الليلة اخر ليلة مع شعور بالاختناق وأعراض جسدية شديدة (الآلام بالصدر / نبضات بكل مكان / تشنج كامل / قيء / والتبول الكثير / قشعريرة برد وحرارة في وقت واحد / والأرق الشديد).... هذه أعراض نوبة الهلع أو الفزع.... لربما هي نتاج لوسواس الموت والوساوس الأخرى.... ولربما هذه الوساوس تنتهي بك إلى نوبة الهلع.... بمعنى أن النوبة مرتبطة بالوساوس أو العكس هو صحيح.
قلق الموت.... ووسواس الموت.... ورهاب البعث أو القيامة.... هنا.... نجد أن الخوف هو العامل المشترك لحالتك كما ورد في رسالتك.... الشعور بألم في الصدر وضيق بالنفس عند الحديث عن الموت. لأنه يسبّب الأرق والأعراض الأخرى.... وهكذا تكون حالتك في حالة دوران مستمر.
يا آنستي.... ما أريد أن تفهميه هنا أن نحدد هل حالتك عرض أم سبب. فقد يكون الخوف من الموت (أو من نقص الإيمان أو التفكير بالعقاب في الآخرة) أحد الأعراض لمرض آخر مثل نوبات الهلع التي يصاحبها هذا الخوف من الموت أو أعراض وسواسية استحوذت على تفكيرك.... أو أن هناك نوعا من أنواع القلق الآخرى المصحوبة بالخوف من الموت مثل اضطراب القلق العام، أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة الذي ينتج نتيجة تعرض الإنسان لخبرة مهددة لحياته أو لحياة شخص آخر، وكان هو شاهدا عليها.
أو أن هذا الخوف عرض لمرض الوسواس القهري حيث تكون الفكرة الوسواسية الملحة عبارة عن فكرة أو وسواس الموت. وقد يكون الخوف من الموت أو العقلب في الآخرة سببا في حد ذاته وذلك حين لا يكون مرتبطا بأي مرض عضوي أو نفسي آخر، ويتحول من الخوف الصحي الطبيعي إلي الخوف المرضي الذي يسيطر على حياة الشخص.
أما بما يتعلق بأسئلتك التالية أدناه:
1. هل خوفي من القبر يكون ضعف إيمان وعدم حب للقاء الله ؟ أخاف كثيرا من هذا السبب
2. هل صرف فكري عن يوم القيامة وأهواله وعدم البحث عنه يعتبر عدم إيمان باليوم الآخر ؟ أنا والله مؤمنة به لكن أخاف من البحث لأنه تأتيني نوبة الهلع والفزع فورا عندما أتخيل
3. أنا أقنع نفسي بأنها أفكار شيطان وأنا ملتزمة بأذكار الصباح والمساء والنوم وإلخ.... فلماذا تأتيني هذا الأفكار ؟
4. في السابق معاصيَّ كثيرة كمسلسلات وأغاني وتأخير الصلاة وإلخ مع الأسف لكن عندما أقوم بعمل واحد صالح شعرت براحة وكأن الدنيا ملكي أما الآن ابتعدت عن كل المعاصي وانشغلت بالأعمال الصالحة لكن لا أشعر بلذة وإذا شعرت تكون لوقت قصير، هل ما أقوم به أو عبادتي خاطئة ؟
5. بدأت بتدبر وقراءة تفسير القرآن لكن أشعر بأن آيات الكفار كأنها لي وأشعر إني من المنافقين لأنني أخاف من الآخرة ؟ وإذا قرأت وأنا بحالة نفسية جيدة أشعر برسائل القرآن كأنها لي .. من الصبر والجنة والراحة....
6. هل ما أنا فيه هو بلاء ؟ لو كان بلاء أنا راضية لأنه يكفر ذنوبي لكن أخاف أن الله ليس راضيا عني: (ماذا أفعل، أخاف أموت وأنا على هذه الحالة, أتمنى أن تطمئنوني........)
آنستي.... تساؤلاتك هذه.. سوف أوجز الرد عليها جميعا بالتالي:
تساؤلاتك إن دلت إنما تدل على طهر نفسك ونقاء سريرتك ونبل أخلاقك وما تتمتعين به من قيم وسلوكيات طيبة تجاه ذاتك.
فالشفافية التى تتمتعين بها هي عمق إيمانك بالله وخوفك من الوقوع في المحذور, لأن صلتك بالله قوية وليس ضغف إيمان بالله.
أنت إنسان مؤمن بالله وورعة, وكل ما تقومين به من عمل طيب (حتى وإن انتابتك هذه الوساوس أو ما ينتج عنها من حالة الخوف) ليدل على حسن إيمانك وصلتك القويه بالله.... فالله راض عنك وإن كان بلاء, فالله يختبرك ويختبر قوة إيمانك... وبما أن إيمانك قوي فلا خوف يتملكك.
حاولي السّيطرة على حياتِك، وأن تَقضِي وقتاً مُمتعاً مع من تُحبّين وأن تملأي وقتك بالأنشطة الحيوية، وإنك تستحقُّين أن تكوني سعيدةً.... قراءةُ الكتُبِ والمواضيعِ والمساعدةُ الذاتيّةُ؛ فيها قد توضِّحُ بعضَ الأمورِ بحيثُ لا يكونُ الموتُ مُبهَماً بل مفهوماً، ممّا قد يُقلّلُ من الشّعورِ بالخوفِ منهُ.
التّركيزُ على جعلِ حياتك التي تعيشُينها جيدةً لتكونَ أكثرَ بهجةً من مُمارسةِ رياضة المشي أو الاستمتاع بأشعةِ الشّمسِ مثلاً. الكثيرَ من حالاتِ وسواسِ الخوفِ من الموتِ تُشفى بالتّركيزِ على الحياةِ وبجعلها أكثرَ سعادةً وفعاليّةً، ويُؤثِّر أكثر في الأشخاصِ الذينَ يعيشونَ حياةً تعيسةً، لذا يجبُ العملُ على محاولة حلِّ المشكلاتِ الموجودةِ وتخطِّي الهمومِ لتصبحَ حياتك أجملَ، وتكبُرَ قيمةُ الحياةِ في نظرك.
أخيرا.... آنستي.... أنّ الخوف لن يمنع الموت ولن يؤجّله، بل سيجعلك مكتئبة وغير مرتاحة البال. وهذا ما يجعل طبيبك الذي لابد من اللجؤ إليه يحذو في اتجاه معالجة المرض بإعطائك جرعة من العلاج للحد من معاناتك والسيطرة على القلق والمخاوف الأخرى...
بالتوفيق....
واقرئي أيضًا:
استنشارات عن وسواس الموت
ويتبع >>>>>>>>>: خوف شديد من البعث وأهوال يوم القيامة م