المثالية في كل شيء
السلام عليكم، وشكرًا لكم على هذا الموقع الذي يُتِيح للناس طلب استشارات نفسية مجانية.
أنا طالب في كلية الطب، ذكي وناجح دراسيًّا منذ صغري _والحمد لله_... مشكلتي أنني لم أهدأ نفسيًّا منذ حوالي 10 سنوات، دماغي يمشي بمبدأ "ما هو الشيء الناقص حاليًا؟! ماهو الشيء السلبي حاليا؟!"، لو درست كثيرًا سألتفت لما لم أدرسه!، و لو قمت بهواياتي وكنت نشيطًا في يومي سألتفت لما لم أفعله!، وهكذا دائمًا هناك سلبية وعقبة وانتقاد للذات في رأسي، باختصار أنا شخص عاجز عن إراحة نفسيتي!.
وبدأتني هذه الحالة في سن 16 سنة، واعتبرتها آنذاك نضجًا وشيئًا إيجابيًّا، لكن الآن عرفت أنها مبدأ تفكير خاطئ، ولا يمكنني الاستمرار بهذا الوضع، وأريد توجيهات لتحسين نفسي.
هذه الحالة تستهلك طاقتي النفسية، وتُضِيع عليَّ الانطلاق في حياتي... لدي الكثير من الأهداف والمشاريع والأحلام، لكن مادمت عاجزًا عن إيجاد توازن لنفسيتي فلن أكون في أفضل حالاتي لتحيق ما أريد.
وهذه المثالية تأخذ أي مجال أدخله:
الدراسة: مررت بسنوات من عدم الرضى على النفس في الجامعة بسبب الدراسة، حتى كنت أفشل و لا أدرس شيئًا لأنني لن أكمل كل شيء 100 %!.
الدين: أنا أصلي، وأرفض الدخول في علاقات عاطفية مع الجنس الآخر، وأحاول اجتناب عقوق الوالدين والكذب والسخرية من الناس والكبائر عمومًا، لكن لدي بعض النقائص مثل: العادة السرية أحيانًا (مع العلم أنني لست مدمنًا)، ممكن أتكلم مع زميلة في الجامعة بدون حاجة، وأنا أعلم أن هذه مخالفات شرعية، فتأتي المثالية "أنت سيء، هل تظن أن الله يرضى عنك؟"، رغم أنني لست كأغلب الشباب الذين لا يُطبِّقون الدين في حياتهم، لكن نفس مبدأ التفكير كالعادة (لم أكمل الدين 100%!)، خاصةً أنه في الجانب الديني مطلوب من الإنسان أن يتوب من جميع الذنوب.
النشاطات: مؤخرًا كنت في فترة غير دراسية، فقمت بالعديد من النشاطات والأشغال، لكن في الأخير تذكرت أنني لا أقوم بهواية معينة منذ عدة أسابيع!.
وكان لدي سابقًا انتقاد لتصرفاتي مع الناس، وإعادة استرجاع المواقف التي حصلت، لكن _الحمد لله_ زال هذا الأمر، وأصبحت أتصرف بشكل جيد قدر الإمكان، ولا أنتقد نفسي.
عموما هذه هي مشكلتي (أعيش للمثالية فقط!)،
ولا أدري متى سأرتاح نفسيًّا، وأحقق سلامًا داخليًّا، وأشعر بالرضى عن نفسي، وأنطلق في الحياة بهدوء واستقرار.
27/1/2021
رد المستشار
صديقي
لا ضير من السعي نحو الكمال والمثالية ولكنك تخطئ الفهم والظن عندما تعتقد أنه من الممكن لأي إنسان أن يكون دائما 100% في أي شيء، فما بالك بكل شيء...... الكمال لله وحده والكمال البشري هو السعي نحو الكمال مع معرفة أنه لا يمكن الوصول إليه ومع معرفة أن الطريق الوحيد نحو التطور والتحسن والتقدم نحو الكمال هو عن طريق التجربة والخطأ والصواب والتعلم منهما للإنطلاق إلى مرحلة أفضل مما كنا عليه بالأمس.
نحن نعيش في عالم المتضادات... لا يمكن لشيء أن يوجد بدون وجود عكسه...... بالتالي فالمنهج السليم في التفكير هو أن تجعل التفكير في الشيء السلبي يتحول إلى التفكير في كيفية الاتجاه نحو عكسه... لست مثاليا على الإطلاق عندما تفكر في الشيء السلبي فقط وتعاقب نفسك نفسيا عليه بدلا من أن تبحث وتعمل على الاتجاه نحو الشيء الإيجابي... ما الذي تريده من هذه المثالية؟ هل سوف ترضى حقيقة إن وصلت إليها؟ لكم من الوقت وبعد كم من الوقت؟
هناك مبدأ يقول: ما لا يدرك كله لا يترك كله... عدم مقدرتك على الوصول إلى 100% في الدراسة لا يمكن أن يعني منطقيا أن تترك الدراسة ككل... هناك درجات في كل شيء... في الدراسة هناك راسب وضعيف ومقبول وجيد وجيد جدا وممتاز (90%) و100%... لماذا لا تستمتع بالحياة والإنجاز في ظل محاولة الوصول إلى 100% ولكن إن وصلت إلى 90% فهذا ممتاز وهذا يكفي... اختيارك لطريقة التفكير والمقاييس التي تقيم بها نفسك هو ما تختاره أنت ويمكنك أن تختار أي شيء آخر لكي تصل إلى هدفك الذي هو السلام الداخلي... عليك أن تتقبل الحقيقة والواقع وتحاول تطويره إلى الأفضل ولكن بروح خفيفة لاعبة بدلا من التوتر والقلق وجلد الذات... لا تعطي الأمور أكبر من حجمها لدرجة ألا تستمتع بالإنجاز أو لدرجة ألا تنجز شيئا لرغبتك في الكمال.
من ناحية أخرى، يجب أن تفعل شيئا آخر لتساعد نفسك وهو أن تحدد ما الذي سوف تحسه عندما تصل إلى 100% في الشيء الذي ستختاره... ما هي أحاسيسك ومشاعرك وأفكارك في حالة وصولك إلى 100%... يجب أن تتخيل أنك قد حققت هذا فعلا ولو لعدة ثوان وتختبر الحالة الناتجة وقوتها... إذا تخيلت أي شيء وأحسست إحساس تحقيقه فسوف تحققه لا محالة طالما لا تتعس نفسك بالضغط النفسي الذي يأتي من استعجالك للنتائج.
تخطئ الفهم أيضا عندما تعتقد أو تصدق أن كلامك العادي البريء مع زميلة لك هو مخالفة شرعية... من أين أتيت بهذا وكيف صدقت من قال لك هذا؟ بناء على ماذا؟ اختيارك لاتباع ما هو غير منطقي هو مسألة أنت حر فيها تماما ولكن من البلاهة والخبل أن تستمر في الإصرار على طريقة تفكير ترهقك وتمنعك من الاستمتاع بالحياة والتقدم فيها.
يمكنك مراجعة معالج نفساني أو مدرب حياة ليساعدك في التدرب على الاسترخاء الجسدي والذهني
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب
واقرأ على مجانين:
عقدة النقص وفخ الكمالية
الكمالية والسمات القسرية وأخيرا الاكتئاب
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية السريرية(1-2)