السلام عليكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة، ولكن أشعر أني قد بلغت 100 سنة. أنا من الصغر أمارس العادة السرية، أسكن في دولة أوربيَّة وطالبة، وأعمل، ولكن مع كل هذا يشغلني فراغٌ كبير، هو الفراغ العاطفي، لا أعرف هل هو أتى من مُمارستي للعادة السرِّيَّة أم لا.
لقد وجدت شخصًا يَملأ فراغي من خِلال النِّت، تعرَّف عليَّ وتعرَّفتُ عليْه، ووجدتُه شخصًا ملتزمًا، أنا لَم أكثر في التَّمادي وقلتُ له: إذا كنتُ تريد أن أكون حلالاً لك فهذا عنواني، واسم أبي، وانتهت المسألة إلى هُنا بعد ما وعدني بوعودٍ كثيرة.
الآن هو متجاهل لا يردُّ عليَّ، لا أعرف السَّبب، أنا أعتقد أنَّه هَرَب من مواجهة المسؤولية لأنها على عاتقه حمل ثقيل، بالرَّغم أنَّ عمره يبلغ 28 سنة.
عندما وجدتُ هذا التَّجاهُل تعاهدتُ مع الله أنِّي لا أفكِّر فيه، ولا أمارس العادة السرِّية، ولكن نقضت هذا العهد مرَّتين، وأنا الآن نادمة جدًّا لنقضي العهْد بيْني وبيْن الله. أنا أعرف أن الله غفور ورحيم، ولكن أنا إلى متى أبقى متمردة؟!
وتأتي عليَّ أيام أدعو على نفْسي بالهلاك لأنِّي مقصِّرة متمردة، عندما أتذكَّر ما أفعل أخجل من الله، ولكن أسأل نفْسي: أين كان هذا الخجَل عندما ارتكبت الأفعال السيِّئة؟
ولكن أنا الآن مُحتاجة أن أتقدَّم خطوة إلى الأمام، أنسى الماضي وأمشي قُدُمًا للأمام، ولا أرى ما في خلْفي من حكايات ومَعاصٍ.
أريد منكم جدولاً أنظم فيه حياتِي الدنيويَّة والدينيَّة.
أريد شيئًا يَجعلُني قويَّة أمام ضعْفي.
آسفة للإطالة.
12/9/2021
رد المستشار
أهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية يا "سهر".
إن ما تصفين في سطورك هو في الحقيقة أكبر من مجرّد عادة سرّية، حالتك عبارة عن جلد مستمر للذات (دون فائدة كما قد تلاحظين!) نظرتك وصورتك عن ذاتك مشوهة وأحكامك على نفسك قاسية، وكل هذا من أمور اعتيادية تمرّ بها أي فتاة (شرقية كانت أم غربية)
تريدين شيئا يزيد من قوتك؟ ستتفاجئين إن عرفت أنّ أول تلك الأشياء هي الاعتراف بضعفك وتقبّلها وفهمها على أنها جزء من بشريّتك، وجزء منك وليس شيئا لعينا خارجا عنك، ولا شيئا من عالم الشياطين، بهذا لن تسعيْ لرفضه تماما والتجرّد منه، لأنّ هذا ما ظننت أنك قادرة عليه بأخذك عهدا مع الله ألا تقومي بكذا أو كذا ! أخذته على نفسك في لحظة ندم وحسرة وبشكل أخصّ في لحظة "ملَل وإشباع" من رغبتك الجنسية.... بعد مرور الوقت وتصاعد الرغبة بشكلها الطبيعي تعودين، وتتساءلين أين كان "ضميري" آنذاك.
هذه مشكلة الكثير من الناس يتحدثون عن جزء منهم بصيغة "المجهول" "ذاك الشيء فيّ" وبهذه الثنائية الوهمية يتخبطون في محاولات لانتزاع نصفهم من نصفهم الآخر حتى يصلو للتقوى أو للصورة المثالية التي ينشدونها عن ذواتهم. وواضح أن هذه الطريقة تزيد الإنسان تبعثرا وضعفا وتضاربا أمام نوازعه الداخلية المختلفة بشقيها "الجيد والسيء". التصالح مع الذات شيء مهم وحيوي جدا من أجل بلوغ نوع من الاتزان النفسي يجعلنا أقوى في مواجهة الحياة وتقلباتنا فيها، غاية ما سنفعله هو أننا لن ننساق بشكل مبالغ فيه وراء شهواتنا وفي الآن نفسه لن نتخيل أننا سنتخلص منها بمجرد عزيمة وقت ملل أو استقواء! أنا أقول هذه الملاحظات وتبدو سهلة في الفهم، لكنّك ستحتاجين وقتا قد يطول لاستشعارها نفسيا ومعرفة قيمة أن تكوني متصالحة مع ذاتك متقبلة لبشريتك بما فيها الجانب الجنسي.. وهو اللطخة التي طالما نحاول التخلص منها بشكل أخرق ومثالي، كلّما حاولنا كلما برهن لنا الواقع أننا مخطئون ومجازفون.
البرنامج اليومي للدين والدنيا لن يكون إلا عبر خطوط عريضة فليس هناك برنامج يُعمّم على الكلّ بنجاح، لأن "التدين" مفهوم نسبي وما ترينه تدينا قد لا يراه غيرك تدينا، النشاطات المفيدة لغيرك لن تكون مفيدة أو ممتعة لك، أو لن تكوني قادرة عليها. ما يجب أن تضعيه نصب عينك الآن هو استعادة الشعور بالحيوية والحب في نفسك، نعم تحبين نفسك، نحن نجهل هذا النوع من الحبّ ندمّر أنفسنا بدافع الاجتهاد والضمير الحيّ وبلوغ الأهداف، فلا نحن بلغناها ولا نحن عشنا بتوازن وتصالح مع ذواتنا.
بعد ذلك ستنحدر وتنساب منك الأفكار والعزائم في أمور جيدة تقومين بها:
- مثلا قاعدة تنظيم الوقت ما أمكن (لأنه ليس هناك تنظيم وقت مثاليّ وقد يفلت منا أحيانا كثيرة) حاولي جعل وقت للجد، تطوير ذاتك تعلم أشياء مطالعة، ووقت للترفيه.. تنظيم الوقت يعيد الشعور بالتحكم.
- وضع أهداف مستقبلية صغيرة، فأنت شابة في مقتبل العمر وتتحدثين كأنه لم يتبقى لك شيء بعد أن عملتِ، وهذا يزيد من شعورك باللاجدوى والفراغ.
- طوري نفسك، لا بالاعتماد على الناس و"تسوّل" الاهتمام، بل بتعلم المزيد وعدم البقاء في منطقة الأمان عندك.
- أما عن الدين هناك واجبات أساسية في نظرك، قومي بها، من صلاة أو زكاة، تجنب الكبائر.... وهذه الركائز قليلة، أما تعاملك مع العادة السريّة بهذه الطريقة هذا يدل على تهويل، وهذا التهويل وإن أخذ طابعا دينية و"ورعيّا" فهو يخفي وراءه ذلك الاشمئزاز والانحطاط النفسي الذي يشعر به الإنسان وهو يقوم بها، بكلمات أخرى هي اشمئزاز نفسي كبير نحب فعلا أن نجد في الدين ما يدينه ونضخّمه (فالعادة السرية ليست كبيرة حتى في تعريف الفقهاء!) ونأخذه بالاعتبار بشكل أكبر من محرمات أكثر سوء نفعلها دون أن نشعر بعشر ما نشعر به في "قضايا الجنس". هكذا لا نشعر بألاعيب نفسياتنا حينما نكون نحن أصحاب الشعور (الاشمئزاز وكراهية الذات وجلدها، التباكي على "النقاء" الضائع.... وكل ما تجرّه المفاهيم الجنسية والشهوانية لدينا) ثم نبحث عن تبريرات بشكل لاواع في الدين والمقدسات لنثبت لأنفسنا أننا حقا "حقيرون"! فتنغلق الدائرة علينا بين نظرتنا السلبية لذواتنا وبين دين نرى فيه صورتنا المشوّهة عن أنفسنا.
- يجب أن تعلمي خصوصا أنك قمت بالعادة منذ الصغر أن تركها وأنت لا زلت دون شريك جنسي قد يكون صعبا، هنا تُختبر فكرتك عن الجنس وذاتك، فإما أن تفعليها دون اعتدال، وتدمني، وكل الإدمان سيء، وإما أن تقومي بها وقت الحاجة مرافقة بذلك إيقاعاتك البيولوجية والنفسية دون تهييج مصطنع، وكلما كانت الوتيرة متباعدة فتلك هي أقصى بطولتك، أما منعها نهائيا فلا أظن الأمر واقعيا. فهل ستتقبلين فكرة أن تكوني محتاجة لتفريغ شهوتك الجنسية بالعادة وتعتبرين الأمر طبيعيا (وهو كذلك)؟ أم أنّك ستقعين في فخ الاستعلاء على بشريتك ثم تقطعين وعودا مثالية كما قطعها الكثيرون ثم ينهارون بعدها لأنهم تجاهلوا أو أرادوا إنكار بشريتهم في لحظة حماس ورفضوا الشعور "بالحقارة" فرفضوها جزئيا لينغمسوا فيها بعدها كلّيا وبمشاعر إحباط وانكسار أكبر.
وأخيرا أحب أن أنبه لنقطة الارتباط، عندما نسعى للارتباط ونحن في حالة تيه نفسي، نكوّن تعلّقا غير صحيّ بذاك الشخص ننتظر منه أن يلملم أجزاءنا، وهذا في نظري غير جيد، لأن العلاقة لا تقوم على متطلبات طرف واحد، ولا على إدمان الاهتمام والذوبان في الآخر، العلاقة الناجحة تكون أولا بتصدير صورة إيجابية عن أنفسنا وبناء تقديرنا بذواتنا بمعزل عن ذاك الشريك العاطفي، وإلا انقلب الارتباط الناضج إلى ارتباط طفولي فيه من الاعتمادية والضعف ما فيه.... هذا موضوع يطول لكني أحببت أن أشير إلى أن العلاقة الصحية تكون أولا بموضعة أنفسنا بشكل صحيّ بينا وبين أنفسنا وبيننا وبين العالَم.
الله رحيم، وهو أرحم بك مما كتبت في سطورك، لكن تصورنا عن نظرة الله لنا مشكلته أنه نابع من نظرتنا لأنفسنا أولا! هذه النظرة يجب أن تصحح وإلا تمّ إسقاطها على كل شيء بعدها، من نظرة الناس، إلا نظرة رب الناس
وإليك بعض الروابط:
الشهوة والعادة والعادة والشهوة !
متاعب شاب عادي مع ضمير غير عادي
التاريخ العادي لأنثى عربية صغيرة !
الاسترجاز وأصل الشعور بالذنب بعده