السلام عليكم
المشكلة الأولى:
أرجو الاهتمام بمشكلتي، أنا فتاة أبلغ من العمر 27 سنة، وحائزة على إجازة في القانون، تعرفت أثناء عملي على شاب، وصرح لي بحبه، وقد قررنا الزواج، وتقدم لوالدي لكنه اشترط لإتمام الزواج أن يكون لديه الإمكانات اللازمة، وهو أمر مستحيل؛ لأنه لا يستطيع أن يفتح بيت البتة، ثم فوجئت بخيانته حيث اكتشفت أنه وعد فتاة أخرى بالسفر معها إلى كندا، والعيش هناك، وقد ذكرت هي ذلك أمامه فلم يعلق، وقد قررت ألا أقابله، ورددت له خاتمه، وقررت أن أنساه رغم حبي له، وقد طلب مني أيضاً أن يقابلني، وأنا أعرف أن هذا حرام، وأنا أخشى ربي،
ساعدوني أن أخرج من هذا الكابوس، وأواصل حياتي.
ولكم كل الشكر والتقدير
5/11/2021
المشكلة الثانية:
اعترف جار لي بحبه، وكان بمنزلة الأخ بالنسبة لي وصمم أن نحاول، ولكن دون جدوى، وافترقنا وأنا أتمنى أن يجد من تسعده، ولكن ضميري يؤنبني، وأحس أن الله يعاقبني، فقد اتفقت أنا وشاب على الزواج، ونحب بعضا جدا، ولكنه دوما يلغي الاتفاق في آخر لحظة فهو شكاك وغيور جدا، وطلب مني أن أحلف له على المصحف أنني والسابق لم نختلِ؛ فحلفت كذبا، والله يعلم أنه لم يحدث شيء بيننا، ولكني فعلت ذلك تجنبا للمشاكل وتأزم الموقف، وعندما علم أني بعثت لجاري زهورا عندما مرض، ولم أخبره، والله يعلم أنها كانت بنية الجيرة، ولكن خفت أن يغضب، ومر الموقف ـ تغير، فيوم الاتفاق على الخطبة افترى ـ والله يعلم ذلك ـ زميل له علي وقال إني كنت أعرف إنسانا آخر، وشهد شهود زور وألغي الاتفاق، وأنا مظلومة، وحاولت أن أشرح له الأمر، وحتى عندما قال: إنه يصدقني قال: إن هناك شرخا بيننا، وهو يضعف أمامي؛ لأنه يحبني جدًّا.
أنا أصلي وأقرأ القرآن وأؤدي الفروض وأدعو الله أن يجمعنا في الحلال، وأنا أعرف أنه يحبني جدا، ولكنه يقول: إنه يود أن يبتعد فترة حتى لا أجبره على الرجوع، وهو في هذه الحالة؛ لأنه يضعف أمامي وأخاف أن تبعده هذه الفترة أكثر ورغم كل ذلك أحس أن استخارتي تتجه نحوه،
أرجو سرعة الرد
وماذا أفعل لأستعيد حبه وثقته؟
7/11/2021
رد المستشار
كتبت لي "أمينة" من المغرب، و"أماني" من مصر ـ"الأسماء رمزية"ـ بنفس الأسلوب تقريباً، وفي نفس الأسبوع، ورأيت أنه من الأفضل، والأنفع أن أرد عليهما معاً في إجابة واحدة تحاول النفاذ إلى ما وراء التفاصيل لتصل إلى ما أعتقد أنه لب المشكلتين، ألا وهو "سيكولوجية الرجل الشرقي".
"أمينة" منزعجة من هذا الشاب غير القادر على فتح بيت، ولكنه في الوقت ذاته يواعد فتاتين: هي والأخرى المسافرة إلى كندا، ولا مانع لديه من هذا الازدواج، ولا مانع لديه من أن يطلب قبلة من "أمينة" وربما طلب من الأخرى ما هو أكثر!! وهذا كله حدث على خلفية مصارحة بالحب، وقرار ووعد بالزواج!!!
أما "أماني" فهي حائرة بين جارها وغيره، ولا تدري ما هو التصرف مع هؤلاء الرجال المترددين؟!
إن "أمينة" و"أماني" تريدان الحلال، والحب الحلال "المؤدي إلى الزواج"، وترفضان الحرام.... ولكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ لأننا في حالة "أماني" كما في حالة "أمينة" أمام جهل صارخ بأصل المسألة، وهو "سيكولوجية الرجل الشرقي المعاصر قبل الزواج". وقبل أن أتحدث عن هذه السيكولوجية أقول إن الواقع الاجتماعي الذي نعيشه شديد التناقض والتخبط والفوضى، وإن أوضاع الفتاة العربية ليست بعيدة عن هذا، والواقع الاجتماعي وواقع الفتاة العربية لهما دور كبير في تشكيل النفسية التي سأتحدث عنها للرجل الشرقي أو العربي، لكن هذا الواقع لا يكفي لتفسير أو حتى تبرير هذه النفسية!!
والصفات السيكولوجية التي أوردها هنا لا تعني تعميماً مطلقاً على كل الشرقيين، ولا تعني كذلك أن يحملها الشخص جميعاً بل قد يحمل بعضها أو كلها.
الرجل الشرقي "قبل الزواج" حائر ومتردد وعاجز ومتناقض وهارب من تحمل المسؤولية:
* فهو "حائر" من الأصل: هل يتزوج أم لا؟! وهو يرى أن زيجات كثيرة تفشل سريعاً، وأزواجا كثيرين لم يحققوا من الزواج ما كانوا يطمحون إليه، وبالتالي ليسوا سعداء. ويفكر لماذا يتزوج ومن الممكن أن يحصل على متعته دون زواج!! "أو هكذا يتصور ويحاول أحياناً"، وهو حائر، خائف من المجهول، وهو يسمع إشاعات عن هذه، وأقاويل عن تلك، وأخبار الفساد تنطلق، وفضائح السوء بالكذب وبالحق تروج هنا وهناك؛ لتصبح كل فتاة مدانة حتى تثبت براءتها!!
ولم يعد الزواج مثل زمان حيث كانت المرأة ترعى وتعتني، وتربي، وتكون ركيزة البيت، تستوعب طيش الرجل في شبابه، وضعفه في شيخوخته، تطيعه وتقول: نعم، ويكون لها ما تريد بالطبع؛ لأنها كل حياة الرجل، وكل بيته.... أما الآن فقد فقدت المرأة حكمة الجدات، ولم تكتسب لا خبرات إدارة المنزل، ولا مهارات تربية الأطفال ولا أساليب ترويض الرجل، فأصبح آدم الشرقي يسأل نفسه ـ ولو بشكل غير واعٍ ـ لماذا أتزوج، وأنا في بيت "أمي" ترعاني، وحولي السمراوات والشقراوات؟!!
* و"آدم" الشرقي خائف من تحمل مسئولية الزواج بما يعنيه من نفقات، ومسئوليات أبوة، وتربية، ورعاية، وتحمل أعباء. خائف من زوجة تناطحه، أو من أطفال يزعجونه بمطالبهم وصراخهم، ومن مطالب بيت، ومصاريف أسرة في ظل اقتصاد ليس بالمستقر، ولا بالمنتعش.
* وآدم الشرقي "خيالي" يريدها جميلة ومؤدبة، محافظة ومتفتحة، مستريحة مادياً، وتجيد الطبخ، وماهرة في التبعل لزوجها، تشاركه في المناقشات السياسية والثقافية حين يريد، وتقوم لتمسح للصغير البول والغائط دون تأفف، طموحة ومتواضعة، تعمل ـ لتشارك في اقتصاديات البيت ـ صباحاً، وتطبخ ظهراً، وتفتح له "الكازينو" في الليل فترقص وتغني... وهكذا.
وهذه المرأة التي يريدها موجودة بالطبع، ولكن في الأحلام، ولا بأس من الأحلام، والملفت أنه يجد من تعده ـ ولو ضمنياً ـ بذلك، وليس هناك أسهل من الكلام.
* وآدم الشرقي يركبه "الوسواس": تعجبه الواحدة منهن، فيبدأ في نصب شباكه حولها، ويتقرب منها بالأسلوب الذي يناسبها فإذا استجابت ووقعت في الشباك زهد فيها، وراح يبحث عن غيرها، إذا تمنعت ربما واصل العدو وراءها، ولا يمنع ذلك أن يسعى لاصطياد أخرى في نفس الوقت، وإذا أحبته، وتحملت من أجله، وتنازلت في قليل أو كثير جاء يقول: إن من تنازلت مرة يمكن أن تتنازل مرات ومرات!!
* وآدم الشرقي يرى المتاح من البنات الجاهزات للزواج كثيرا، ويرى الجاهزين للزواج من الشباب قليلا، وكلما كثر العرض بهذا الكم ونقص الطلب، أحس "آدم" أنه "نادر الوجود"، أو كما يقول المصريون "فرخة بكشك"..... وهذا الشعور يزيده تيهاً ودلالاً في مجتمع يضغط على الفتاة المتأخرة في الزواج وأهلها، ويعطيها وصمة "العانس" رغم أنها يمكن أن تكون أسعد بكثير من "زوجة تعيسة"، ولكنها التقاليد البالية.
* وحواء الطبيعية تريد الحب والحنان والجنس بالزواج الحلال، والطلب قليل، والماديات صعبة، والطموحات هائلة، وفي هذا المناخ قد تلعب "حواء" بأكثر من بطاقة، أو على أكثر من حبل، أو في أكثر من خط "لعل وعسى" فلا بأس من كلمة مجاملة هنا، وابتسامة "بريئة" هناك، ولا بأس من بعض الأصباغ والمكياج والعطور لتشجيع "آدم"، فهل هذا يشجعه أم يغذي هواجسه وتناقضاته؟!
* وآدم الشرقي يحسن الكلام، ويجيد الوعود، ولا يتعب من خلف الوعد، واختلاق الأعذار، ولديه القدرة على التراجع حتى يوم الزفاف نفسه، والمبررات جاهزة وكثيرة.
ما أسهل كلمة: أحبك... على لسانه... يقولها مثل صباح الخير، ثم يتراجع عن مقتضياتها عند اللزوم، ومضى زمان كان فيه الرجل كلمة، وللبيوت حرمتها فمن دخلها، وقال: نعم، تحمل المسؤولية حتى يموت، ولا يتراجع إلا بالأصول، وفي الضرورة القصوى.
* ولأن كل شيء أصبح وارداً فلا بأس من "التجريب"، ولا بأس من "التقليب"، فهو اليوم يسعى وراء محجبة ينشد عندها الالتزام الديني، وغداً عند "جميلة" يقصد بها أن تعفه عن النظر لغيرها، وبعده عند "ثرية" لتواسيه بمالها، وبعد ذلك مع صغيرة مدللة يلاعبها وتلاعبه، هكذا دون منطق متسق، ودون تحديد لما يريد بوضوح.
ونصيحتي لحواء العربية أن تكف عن الدوران في هذه اللعبة المعقدة، وأن يكون لها كيانها الذي تستمده من إيمانها بربها، وطاعتها لأوامره، وارتباطها بمجتمعها، ودورها في الحياة دارسة ومتعلمة ثم باحثة أو عاملة.
نصيحتي لك يا "أمينة" ألا تأسفي على هذا الشخص "اللعوب" الذي تركتيه ـ وحمداً لله ـ مبكراً، وقبل فوات الآوان، وأن تمضي في بحثك، ودرسك، وعملك، وسيأتيك رزقك في موعده، والزواج رزق أو "قسمة ونصيب" كما يقولون.
ونصيحتي لك يا "أماني" ألا ترسلي زهوراً لأحد "بنية الجيرة"، ولا تحلفي على المصحف كذباً من أجل أي إنسان مهما كان، وألا تأسي على ما يفوتك أبداً.
أنصحكما بالمزيد من الفهم لفلسفة التشريع الإسلامي، وكيف ينظم حركة المرأة في المجتمع، وكيف يرتب نشأة الأسرة وسيرها: بدءاً من اللقاء بين الرجل والمرأة وحتى المواريث.
يا أخواتي.... هذا زمان لم يعد يكفي المسلمة أن تقول: أنا أصلي، وأصوم، وأقرأ القرآن، وأخشى ربي، رغم أن هذه هي رؤوس الأمر، فلابد من الوعي العالي يا صاحبات العلم والأدب.
اعكفن على نفوسكن وعقولكن وأرواحكن بالتطوير والرقي، وعندها ستطمح إليكن قلوب الرجال ـ الشرفاء ـ وعقولهم، لعل الله أن يصلح الأمة بنساء يعدن أمجاد المسلمات الأوائل، بعد أن عجز الرجال.
وتذكرن أن الله بيده مفاتيح القلوب، فليكن إليه الملجأ، ومنه الطلب، وليس من "الرجل الشرقي" والله أعلم.